عجائب الله في سمائه لا تحصى ولا تدرك منها العقول إلا النزر اليسير رغم تقدم الإنسان في العلم والمعرفة واكتشاف الكثير من الظواهر الكونية على مدى سنوات مضت. إن المنهج العلمي يؤكد على عدم الأخذ بالمسلمات من دون استدلالات عقلية أو مختبرات علمية تثبت بالطريقة العلمية صدق النتائج، لكن الأسرار المستعصية على فكر الإنسان تؤخذ أيضاً كمسلمات، فما يسـمى بالثقب الأسـود (Black Holes) في الكون مثلاً رغم اكتشافه إلا أنه غير معروف على وجه الدقة، وما زال غامضاً لا أحد يعرف لماذا الثقوب السوداء، وما هدفها ونظام تشكيلها وعلاقتها بالنجوم؟ لذلك تعتبر الثقوب السوداء في السماء إحدى عجائب الخالق في صنعه، ورغم الإشارة إليها في القرآن الكريم إلا أن العلم الحديث لم يتوصل إلى أي معلومات عنها إلا في العام (1971) عندما اكتشف أول ثقب أسود في السماء وأحدث ضجة في الأوساط العلمية، خصوصاً وأن أعمال الفيزيائي الشهير ألبرت آنشتين في مجال الفيزياء الكونية، وتوصله إلى النظرية النسبية التي تقول إن الطاقة تساوي كتلة الحجم في مربع سرعة الضوء (E=m c2) كان أيضاً محل خلافات بين العلماء جعل التفسيرات الكونية أكثر تعقيداً. وحيث إن سرعة الضوء ثابتة، فإن الطاقة حسب النظرية النسبية تعادل الكتلة في النهاية، أي أن الطاقة هي الكتلة. لذلك فإن نظرية آنشتين النسبية تؤكد على تقوس الفضاء بسبب الجاذبية، وبما أن الضوء كعادته يسير في خط مستقيم فإن الجاذبية تؤثر في الضوء فتجعله ينحرف، ولقد وجد أن الثقوب السوداء لها جاذبية عالية لأن كتلتها وكثافتها عالية، وبالتالي تمتص الضوء الذي يمر بجانبها لدرجة أنه من المستحيل أن يفلت أي جسم يقترب من منطقة تأثيره. لهذا اعتبرت الثقوب السوداء حفراً مظلمة في الكون لا تكشف عن ذاتها إلا من خلال تأثيراتها الجاذبة للأشياء بما في ذلك الضوء، لذلك ليس من السهل رؤيتها حتى باستخدام المناظير العلمية. كثيرون يقرون بأن هذه الثقوب السوداء ما هي إلا «مقابر للنجوم» عندما يتحول النجم إلى ثقب أسود فيخفت ضوؤه ويندثر. ويقال إن الشمس مثلاً نجم لا يتحول إلى ثقب أسود بسبب قلة كتلته، أي أن كتلة الشمس ليست كافية، وبالتالي يتلاشى ضوؤها تدريجياً لاستهلاكها وقودها، ثم تموت كسائر النجوم في المجرات. ويؤكد القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى «وإذا الشمس كورت» حيث إن التكوير يعني تداخل أجزاء المادة في الشيء الواحد واختلاط مكوناتها ثم تلاشيها. نقول إن الثقوب السوداء لم تفسر علمياً إلا في الستينيات من القرن الماضي رغم أن القرآن الكريم أشار إليها في قوله تعالى «فلا اقسم بالخنس، الجوار الكنس»، ويقصد بالخنس الاختفاء وعدم الرؤية، وكلمة الجوار تعني الحركة السريعة، وكلمة الكنس تعني البلع وامتصاص كل ما يكون في الطريق. الثقوب السوداء وغيرها من أسرار الكون تعبر عن عظمة الخالق في بديع صنعه ومعجزاته التي لا يستطيع الإنسان إدراكها. فهذه المعجزات متنوعة تشمل الأرض والأحياء والبحار وكل شيء يحيط بالإنسان أو لا يحيط به. ومع أن الإنسان يريد أن يكشف أسرار كل ما هو بعيد عنه إلا أنه يعجز حتى عن فهم كل ما أودعه خالقه في ذاته ونفسه. فلقد خلق الله في جسم الإنسان حوالي (60) مليون مليون خلية، وكل خلية منها يوجد بداخلها شريط نووي (DNA) يحوي كل شيء عن الإنسان، أجله ورزقه وشكله ولونه وغيرها، إلا أنه يجهل الكثير عن أسرار هذا الشريط النووي، فسبحان الخالق الذي لا يغيب عنه شيء في الأرض ولا في السماء. yaqub44@hotmail.com
مشاركة :