تسعى دولة ساحل العاج التي توفّر 40 بالمئة من الكاكاو العالمي إلى تحسين ظروف مزارعي هذه الحبوب الذين يعيش أكثر من نصفهم تحت خطّ الفقر، لكن وعود المسؤولين تبقى في جل الأحيان حبرا على ورق. تشكّل بلدة بوتي ياوكرو (الوسط) نموذجا للحياة الريفية في ساحل العاج وهي تتألف من بضعة منازل مصنوعة من الطوب، وأخرى من حجر الرباط تحيط بها مزارع. ويؤدي مسلك تغمره مياه الأمطار الغزيرة إلى مدينة سينفرا على مسافة حوالي 15 كيلومترا. ولا مياه جارية أو كهرباء في البلدة. والمزارعون هنا بعيدون كل البعد عن المفاوضات الدولية التي جرت بين الدول المنتجة والمستهلكين والشركات المتعددة الجنسيات والتي أفضت في سبتمبر خلال الدورة المئة للمجلس الدولي للكاكاو في أبيدجان إلى “إستراتيجية خماسية لتعزيز عائدات المزارعين وتحسين الاستدامة البيئية” لزراعة الكاكاو. فهذا “الذهب البنّي” يعود بالنفع خصوصا على الصناعيين في البلدان الغربية الذين يحوّلونه إلى ألواح شوكولا وبسكويت وقوالب حلوى، وهو لا يدرّ سوى القليل على من يزرعونه. فبحسب البنك الدولي، من أصل 100 مليار دولار يحصدها قطاع الكاكاو-الشوكولا كل سنة كرقم أعمال، لا تعود سوى 6 مليارات على المزارعين. لكن قطاع الكاكاو لا يزال إحدى دعائم الاقتصاد في ساحل العاج ويسترزق منه ما بين 5 إلى 6 ملايين شخص من أصل 23 مليون نسمة وهو العدد الإجمالي لسكان ساحل العاج.وهو بحسب البنك الدولي، يشكّل ثلث الصادرات و14 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي.ومع ذلك، لا تزال عائلات ريفية كثيرة تعاني الفقر وهو أحد العوامل المساهمة في عمالة الأطفال في مواقع إنتاج الكاكاو. وغالبا ما ترسل العائلة أطفالها إلى العمل على حساب تحصيلهم العلمي فيما تعتبر ساحل العاج وجهة إقليمية رئيسية في الاتجار بالأطفال الآتين من البلدان الحدودية، حيث يأتي الأطفال للعمل في الزراعة. وفي مطلع أكتوبر، حدّدت سلطات ساحل العاج سعر بيع الكيلوغرام الواحد من حبوب الكاكاو بـ825 فرنكا أفريقيا (1.5 دولار تقريبا)، رافعة إياه بنسبة 10 بالمئة مقارنة بالموسم الماضي، لكنه لا يزال دون السعر السائد قبل ثلاث سنوات بمقدار 1100 فرنك. ولا تزال هذه التسعيرة غير كافية بالنسبة إلى مزارعي بوتي ياوكرو حيث تعيش تسع أسر، أي حوالي مئة شخص. ويقول ميكالو بيغولي وهو عائد من حقله “تسعيرة 825 فرنكا فاجأتنا، كنّا نتوقّع ألف فرنك، وهي لا تفي بالمطلوب”. ويحصد بيغولي في مزرعته الممتدّة على ثلاثة هكتارات ثلاثة أطنان من الكاكاو في السنة.ويقول ميكالو بيغولي “نجني المال، لكن النفقات كثيرة على السماد والمنتجات”. ويضيف هذا الأب لثمانية أطفال “بدأ العام الدراسي ولا يزال بعض الأطفال في البلدة، فلا مال كافيا لتسجيلهم في المدارس”.وجلّ ما يهم سكان البلدة هو إرسال الأطفال إلى المدارس كي يعيشوا حياة أفضل. ويخبر رافاييل كوامي الذي لديه ستة أطفال والذي لم يحصد سوى طنّ من الكاكاو “يجتاز أطفالنا كل يوم 14 كيلومترا للذهاب إلى المدرسة والعودة منها. وهم يكونون متعبين جدا من الدراسة”، مقرّا “نحلم بتشييد مدرسة هنا لكن ليس لدينا ما يكفي من الموارد”. وينشط الرجال في بداية الموسم في الحقول التي تنتشر فيها أشجار الكاكاو التي يتراوح علوها بين مترين وأربعة أمتار وتتميز بأوراقها الملونة من الأخضر الغامق إلى الأحمر الطوبي. وهم يزيلون الثمار الجافة أو المتعفّنة ويجزّون العشب، ثم يبدأون حصد تلك الناضجة التي يميل لونها الأصفر إلى الأحمر. غير أن غلّة سلام ساوادوغو تراجعت من طنّ إلى 300 كيلوغرام في سنتين. والسبب وراء ذلك فيروس “سوولن شوت” الذي يقضي على المزروعات في غانا وساحل العاج. ولا علاج لهذا الفيروس ويقضي الحلّ الوحيد بقطع الأشجار لتفادي انتقال العدوى. وتعوّض الدولة على المزارعين بمبلغ مقداره 50 ألف فرنك عن كل هكتار يفقدونه. ويحاول المزارعون تنويع إنتاجهم قدر المستطاع مع محاصيل غذائية، مثل الذرة واليام والكاسافا والفول السوداني. وعلى المدى القصير، يستبعد ميشال أريون، المدير التنفيذي للمنظمة الدولية للكاكاو ومقرّها في أبيدجان، أن يتزعزع إنتاج الكاكاو في ساحل العاج، لكن الوضع قد يتفاقم في ظلّ إحباط المزارعين وانتشار فيروس “سوولن شوت”.
مشاركة :