لا تمنع المتنفس المجانيهيثم الزبيديلا يمكن حرمان الناس من المتنفس المجاني، خصوصا ما إن يعتادوا عليه ويصبح جزءا من حياتهم.الأربعاء 2019/10/30المتنفّس الوحيد للمغتربينفي فيلم “النوم في العسل” (1996)، تسود القاهرة حالة غريبة. يعاني الرجال من عجز جنسي وتبدأ المشاكل والجرائم. نساء ورجال يتعاركون وبعضهم يقتل بعضا. يحاول الضابط (يمثل الدور عادل إمام) أن يفك طلاسم المسألة. ولأن الموضوع حساس فإن رؤساءه يحاولون طمس المشكلة. لكنه ينبههم إلى أهمية العلاقة الجنسية في مجتمع فقير يمكن أن يثور. هي متنفس. هي متعة نعم، لكنها متنفس. ومتنفس مجاني.لو أن أحدا أنتج فيلما عنوانه “النوم في العسل – 2″، يجب أن يكون عن بيروت والثورة التي أطلقها التصريح الحكومي عن فرض ضريبة على تطبيق واتساب. ربما عنوان “النوم في العسل – شرارة واتساب” سيكون مناسبا أكثر.لا يمكن حرمان الناس من المتنفس المجاني، خصوصا ما إن يعتادوا عليه ويصبح جزءا من حياتهم. تطبيق الواتساب مثال للمتنفس بالنسبة لكثير من الناس ولا يمكن الاستهانة بالدور الذي يؤديه للجميع، فكيف بحال الفقراء.لا توجد جلسة الآن من دون أن تسمع فيها الرنة الشهيرة لوصول رسالة واتساب. البعض يسمع الرنة ويبتسم. ينتظر مقطع الفيديو أو الصورة أو النكتة التي وصلته. هناك جلسة افتراضية عامة بين الأصدقاء والمعارف تتجمع فيها الأحاديث والطرفات. وكأنك تجلس معهم على مدى 24 ساعة.واتساب ينقل رسائلك النصية بأمانة أفضل من تطبيقات الرسائل القصيرة للهاتف المحمول. يعطيك إشارة الإرسال ويعطيك إشارة الوصول ويعطيك إشارة أن المتلقي قرأ الرسالة، أو تجاهلها.أنت لا تتواصل بالكتابة فقط. تستطيع أن ترسل رسائل صوتية. يعقبها صور إيموجي لانفعالاتك. مرة حزين ومرة سعيد ومرة تضحك ومرة غاضب. في اللاوعي، أنت تدمج بين النص والصورة التعبيرية والرسائل الصوتية، فتصبح حاضرا على الطرف الآخر ويكون الطرف الآخر حاضرا معك.لبنان بلد المغتربين. كل الناس اعتادت التواصل من جديد بوجود تطبيقات المكالمات المجانية. أخ وأخوه. أب وعائلته. حبيب وحبيبة. ومجانا. الواتساب أعاد تعريف الهاتف المحمول وأعاد تعريف علاقة المستخدم/الزبون مع شركات الاتصالات. شركات الاتصالات، لمن نسي أو لم يعاصر تلك المرحلة، كانت تعتصر سوق الاتصالات الداخلية والدولية من أجل الأرباح. ثم صارت تقدّم حسومات بعد زيادة المنافسة. لكنها وقفت عاجزة أمام عصر المجان الذي يوفره تطبيق واتساب. المكالمات أيضا صارت محادثات بصورة وصوت.فكرة أن يكلم لبناني في أستراليا خطيبته في لبنان ويدفع ثمن المكالمة ما عادت واردة. كيف ترسل له آخر سيلفي لها وهي ترتدي فستانها الجديد؟ طبعا تثور وطبعا يثور. كيف تحرمهما من هذا المتنفس أو تريد الدولة حصة فيه؟ روح “نام في العسل” أحسن لك.كاتب من العراق مقيم في لندن
مشاركة :