انزعاج تركي من العرب

  • 10/30/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

مباشرة بعد تصاعد الإدانات العربية للعدوان التركي على سوريا، شرعت مختلف وسائل الإعلام التركية الموالية للنظام في أنقرة، تشن حملات إعلامية ممنهجة ضد مختلف الدول العربية التي أدانت هذا العدوان، وشملت هذه الحملات الجامعة العربية أيضا والتي قال عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنها «لا تمثل الشعوب العربية»، ما يُفهم ويُقرأ في ردود الأفعال التركية الحادة ضد المواقف العربية أن أنقرة تتوقع من هذه الدول دعم العدوان وتصديق المزاعم التركية والتبريرات التي تقف وراءه، وهي كلها مزاعم وحجج سقطت من أول يوم شرعت فيه القوات التركية اجتياح الأراضي السورية واحتلال العديد من المدن والبلدات، ذلك أن الغالبية الساحقة من دول العالم رفضت هذه التبريرات وفندتها. بكل تأكيد أن من يقف ويدير الحملات التركية الإعلامية ضد الدول العربية يتجاهل أو يتناسى حقيقة وهي أن هذا العدوان يستهدف أمن وسيادة دولة عربية ذات سيادة، وبغض النظر عن علاقات بعض الدول العربية مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد وتصاعد التوتر في فترة من الفترات بسبب الأحداث التي تشهدها سوريا منذ ما يربو على السنوات الثماني، فإن هذه الأسباب كلها لا يمكن أن تجعل الدول العربية تقبل بالعدوان التركي أو مسايرة أنقرة فيما تسوقه من تبريرات. ما يفترض من الحكومة التركية أن تفهمه، هو أن الدول العربية سوف ترتكب خطأ فادحا جدا لو أنها اتخذت موقفا من العدوان التركي على سوريا غير مواقف الإدانة التي أعلنت عنها، سواء عبر البيانات المنفردة التي أصدرتها كل دولة على حدة، أو من خلال القرارات التي صدرت عن الاجتماع الوزاري لجامعة الدول العربية؛ ذلك لأن الخلافات مع سوريا ودعم عدد من الدول العربية لبعض الفصائل المسلحة التي تقاتل الحكومة السورية، يجب ألا يكون، على الإطلاق، مبررا للقبول باستباحة السيادة السورية واحتلال أجزاء من أراضي هذه الدولة الشقيقة، وهو ما تفعله تركيا من خلال عملية ما تسميها بــ«نبع السلام». فتركيا التي أزعجتها المواقف العربية تجاه عدوانها على الأراضي السورية، كان يفترض منها أن تضع في حساباتها صدور مثل هذه المواقف، وألا تركن إلى الخلافات العربية مع سوريا أو تجميد مقعدها في جامعة الدول العربية، وتعطي نفسها حق استباحة السيادة السورية والشروع في إحداث تغيير ديمغرافي خطير يهدد النسيج الاجتماعي السوري على المدى البعيد، إذ تخطط تركيا لإعادة توطين اللاجئين السوريين لديها في المناطق التي تحتلها وأرغمت سكان هذه المناطق على مغادرتها، في مسعى لإخلائها من الأكراد السوريين. فالدول العربية لا يمكن مطالبتها بالوقوف على الحياد إزاء عدوان استهدف دولة عربية ذات سيادة، ذلك أن خلافات بعض الدول العربية مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، شيء واحترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها شيء آخر، وهذا ما يجب أن تعلمه تركيا، أضف إلى ذلك، فإن إدانة عدوانها على سوريا ورفضه، لم تصدر عن الدول العربية فقط، وإنما من مختلف دول العالم، بما في ذلك دول أعضاء في حلف الناتو الذي تشاركهم تركيا فيه، ولم يحصل عدوانها على «تفهم» سوى من جانب قطر والصومال وباكستان، ولدوافع سياسية خاصة. صحيح أن قرارات جامعة الدول العربية لم ترتق إلى حجم الحدث وخطورته، إذ لم تتخذ قرارات عملية إزاء هذا العدوان، سوءا على المستوى السياسي أو الاقتصادي، إذ اكتفت الجامعة العربية بـ«النظر» في إمكانية اتخاذ إجراءات ضد تركيا، ومع ذلك فإن هذه القرارات وبيانات الدول العربية التي نددت بالعدوان التركي، سبب إزعاجا ومواقف انفعالية من جانب القادة الأتراك تمثلت في وصف الرئيس أردوغان للجامعة العربية بأنها لا تمثل الدول العربية، إلى جانب الحملة التي تشنها الوسائل الإعلامية الموالية للسلطة. فالقرارات العربية تجاه العدوان ليس لها أثر على خطط أنقرة فيما يتعلق بأهدافها بعيدة المدى تجاه الأوضاع في سوريا، وتحديدا ما يخص الشأن الديمغرافي في مناطق الشمال السوري، فالجميع يعرف أن جامعة الدولية العربية لا تملك ما تعطيه وتقدمه للقضايا العربية، فالقضية الفلسطينية خير دليل على مدى ما وصل إليه العجز العربي من درجة ضعف شديدة، لكن هذه الحالة لن تكون مبررا لأي شكل من أشكال الصمت حيال ما تتعرض له هذه الدولة العربية أو تلك من اعتداءات واستهداف يمس أمنها الوطني وسيادتها، سوءا جاء ذلك من جانب تركيا أو غيرها، كما هو الحال إزاء الاعتداءات «الإسرائيلية» ضد سوريا أو لبنان.

مشاركة :