عكست جولة وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في كلّ من ليبيا وتونس ومصر حرص بلاده على مضاعفة التحركات لتوحيد المواقف السياسية وتهيئة الأجواء المناسبة لنجاح مؤتمر برلين الخاص بالأزمة الليبية الذي سيضم قادة عدة دول قبل نهاية العام الجاري. وحاول هايكو خلال زيارته للقاهرة، الثلاثاء، الاطلاع عن كثب على الرؤية المصرية بشأن الأزمة، والتقى الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي شدد على أهمية مكافحة الإرهاب، والقضاء على الميليشيات المسلحة كخطوة أساسية نحو الحل السياسي في ليبيا. وتعتبر مصر أن مفتاح حلّ الأزمة، يكمن في توحيد المؤسسة العسكرية، والتخلص من العصابات المسلحة وحث الدول الداعمة لها على وقف مساعداتها، والاستفادة من مجلس النواب كجسم سياسي شرعي ومنتخب، والانفتاح على جميع الأطياف الليبية المؤثرة. وسعى وزير خارجية ألمانيا إلى طمأنة مصر والأطراف المعنية بجدية مؤتمر برلين الدولي، وحرصه على تحقيق اختراق عملي في أزمة تتجاذبها جهات كثيرة، وتجنّب أخطاء المبادرات السابقة، والتوصل إلى تسوية سياسية قابلة للتنفيذ. وأكد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس لدى زيارته لمصر،الثلاثاء، عقب لقاء مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أهميتها بصفتها “شريكا مهما” من أجل ضمان الاستقرار في المنطقة بأكملها، واستشهد بدورها في تسوية النزاعات في ليبيا وكذلك بين إسرائيل والفلسطينيين. وألمحت مصادر سياسية لـ“العرب”، إلى أن طريقة إعداد المؤتمر وما شهده من تجاذبات في الجولات التحضيرية الثلاث في برلين الفترة الماضية، لا تدعو إلى التفاؤل، حيث تتبنّى فرنسا وإيطاليا وتركيا رؤية لا تشجع على منح ملف الإرهاب والميليشيات أولوية، ويغلب التناقض على مواقفهم من الجيش الليبي، وتقف ألمانيا عاجزة أمام الهوّة الكبيرة. ولاحظت ذات المصادر، أن الولايات المتحدة لم تنخرط بقوة في المؤتمر، ووفّرت غطاء سياسيّا لألمانيا في البداية، غير أنها لن تستخدم نفوذها جيدا، بينما تراقب روسيا الموقف عن كثب، وقد تتحيّن الفرصة لتلقي بحجر سياسي ثقيل في الأزمة. وقال المحلل السياسي الليبي، عيسى رشوان، إن جولة هايكو يمكن فهمها على أنها “محاولة لتدارك الفشل الناجم عن عدم وضوح المؤتمر الدولي وتفاصيله، والغموض الذي يلفّ الشخصيات المدعوة والضمانات الواجبة لتطبيق المخرجات وحزمة الإصلاحات المتوقّعة”. وأوضح لـ”العرب”، أن لقاء هايكو ماس مع فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الأحد، دون الاجتماع مع القوى الشرعية، ممثلة في مجلس النواب ومؤسسة الجيش الليبي، “خطأ كبير ورسالة تنطوي على إحراج لهما أمام القوى الدولية، وتجاوز فاضح لحقائق الأرض التي تؤكد سيطرة المؤسسة العسكرية على نحو 75 بالمئة من ليبيا”. وأجمعت قراءات عديدة على وجود انحياز ألماني لبعض الأطراف الليبية واقتراب برلين من قوى تتبنى تأييد التيار الإسلامي، ومساعدتها لتكون رقما مهما في معادلة الحل السياسي، مع أنها تتحالف مع ميليشيات مسلّحة ارتكبت جرائم كثيرة. ووضعت ألمانيا سقفا مرتفعا لنتائج مؤتمرها، وصمّمت على انعقاده على مستوى القمة، غير أن التطورات اللاحقة أوحت بأن هذا الطريق يواجه عقبات كبيرة، في ظل التباين الظاهر في مواقف قوى دولية معنية بالأزمة، وما يستوجب تقريب وجهات النظر قبل وصول محطة برلين. مسار حواري ألماني يوضح أن جولة هايكو في شمال أفريقيا حملت رسالتين مهمتين، الأولى أن استبعاد الأطراف الليبية من المؤتمر الدولي لا يعني تجاهل مطالبها، والثانية تحييد القوى المنخرطة في الصراع منذ سنوات، وترميم مواقف الدول الرئيسية، لأن الخلافات تؤثر سلبا على أي مبادرة سياسية. وكشف غسان سلامة رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا الاثنين، عن أهمية “ترميم مواقف الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين)، لأن الانقسام الحاد داخله أعاق الحل”. وأشار إلى أن مجلس الأمن الدولي اجتمع 14 مرة منذ أبريل الماضي، ولم يصدر قرارا واحدا بخصوص الحرب، أو الدعوة إلى وقف إطلاق النار”. وأكد الباحث السياسي الليبي، عبدالباسط بن هامل، أن “ألمانيا تبحث عن دور في الملف الليبي، وتحاول تجاوز التحديات التي تواجهها على الأرض، فبعد عزمها عقد مؤتمر في برلين وتأجيله أكثر من مرة، تزايدت الشكوك حول انعقاده، وانتشرت قناعات بأن ألمانيا لن تستطيع عقد مؤتمر بشكل صحيح سياسيا، ما يدفعها إلى إنقاذ ماء الوجه عبر الحوار المباشر”. وأضاف لـ”العرب”، أن برلين لن تستطيع الحصول على ضمانات لتأييد قوي من الدول المعنية للتوصل إلى توافق حقيقي، لأن غالبيتها دخلت خلافات بينية عميقة، ولم تتمكن من الالتفاف حول رؤية مشتركة للاستقرار في ليبيا، بل هناك دول مثل تركيا تدعم الفوضى. واعتبر بن هامل، أن الخطوة الأولى لإنقاذ ليبيا، تتمثّل في التخلّص من الميليشيات ووقف تصدير الأسلحة لها، ثم الذهاب إلى الحوار الوطني، قائلا “كذبة الحوار لم تعد تنطلي على أحد، فالشعب يريد جيشا يلبّي طموحاته”.
مشاركة :