الدنيا زي بداية ونهاية.. مأساوية التضحية والجحود!!

  • 10/30/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لعله لم يجتمع ممثلون عظماء في عمل فني تراجيدي كما اجتمعوا على النحو الذي شهدناه في رائعة الكاتب العالمي نجيب محفوظ ومخرج الروائع صلاح أبوسيف "بداية ونهاية" .. فما بين الفنانة القديرة أمينة رزق ووحش الشاشة فريد شوقي وفتى الشاشة الأول عمر الشريف والفنانة العظيمة سناء جميل ، حفر أبطال الفيلم أدوارهم في ذاكرة وقلب كل من شاهدوا التحفة الفنية الخالدة .ويقدم الفيلم حياة أسرة تعيش أيامها براتب معيلها الموظّف الحكومي ، وبعد موت الأب ، عائل الأسرة الوحيد ، وأبناؤه ما زالوا طلاّباً في المدرسة ، وتتأخر الحكومة بصرف المعاش الشهري ، ما ينعكس على حياة الأسرة فتبدو للمشاهد مشتتة ومبلبلة بسبب الحاجة الماسة للمال والاستقرار النفسي، ما انعكس أيضاً على سلوكها، فالأمّ التي تخطط لسياسة تقشفية تقي أبناءها ذلّ العوز والسؤال لا تُرضي سياستها الأبناء الذين اعتادوا رخاءً نسبياً مكّنهم من السكن في حي للطبقة الوسطى والتعليم في المدارس، ومن هذه اللحظة تبدأ الأحداث بالكشف عن مآلات الأسرة المفجوعة حيث يتّجه حسن، فريد شوقي الابن الأكبر الفاشل في الدراسة، نحو العالم السفلي حيث البلطجة والدعارة والمخدرات بإرادته.بينما تظهر آثار النقمة والغضب على حسنين، عمر الشريف، الذي يبدو طوال أحداث الفيلم كشخصية متطّلعة للخلاص من الفقر والصعود إلى مرتبة أعلى، فعمل على أن يكون ضابطاً في الجيش بانتسابه إلى الكلّية الحربية، وبذلك فإن متطلّباته وضغوطه المعنوية على أخوته ستتزايد باستمرار.أما نفيسة ، التي أبدعت في أداء شخصيتها الفنانة سناء جميل ، فهي الرقم الأصعب في العمل الفني التي أخذت على عاتقها التضحية لأجل حفظ كيان أسرتها وتلبية طلبات وتطلعات الأخ الناقم حسنين الذي دائما ما كان يطلب فيجاب من دون أن يكلف نفسه عناء التفكير فيما قدمته أخته من تضحيات وصلت حتى إلى بيه شرفها ، عرضها أو طولها لا يهم فالضروري فقط تحقيق أحلام الأخ المتمرد الذي لا يقدر أي تضحية بل حتى لا يحس أن هناك تضحية من الأساس .وتشير فكرة الفيلم الأساسية، إلى الرغبات الجامحة للشاب حسنين، في الانتقال من طبقته الاجتماعية المتوسطة والقريبة إلى الفقر إلى حياة الطبقة الأرستقراطية، وتظهر هذه الرغبات سلوكاً منذ أن يتخرّج من الكلّية، فهو لن يلتفت مجرّد التفاتة إلى ماضيه وواقع أسرته المفكك ، وأوّل سلوك من هذا القبيل أنه يتخلّص من خطيبته وابنة الجيران "بهية" ويسعى للزواج من فتاة أرستقراطية راقية المستوى وتعيش في قصر كبير .وتتجلى مأساة النظام الاجتماعي الظالم الذي تحكمه مجموعة من القيم الأنانية ليمارس عنفه على الغلابة الذين دائما يكون قدرهم التضحية فقط وليس لهم أي حقوق في الحياة سوى تنفيذ طلبات من يحبون الذين بدورهم لا يتكلفون عناء النظر إليهم بعين تقدير أو وفاء ، ويصل قطار الظلم إلى محطته الرئيسية حيث يجبر الضابط حسنين أخته نفيسة بخَيار الموت قتلاً أو انتحاراً، ولكن قبل هذا الإلزام يرصد لنا نجيب محفوظ بذكاء امتثال هذا الضابط الصغير لقيم المجتمع، إذ تتحوّل نفيسة خلال لحظات، من ملاك إلى شيطان، أو من الطهر إلى الدنس.ويكون الموت خير نهاية لهذه القصّة المفجعة، وبذلك فإن نفيسة تتخلّص من معاناة كبيرة يفرضها عليها مجتمع لا يرحم، وستقول لأخيها: «إن ما ورائي في الحياة أفظع من الموت». والمعنى واضح هنا، أي أن العقاب من قبل المجتمع سيكون عنيفاً..وأن الموت بكلّ بشاعته سيكون رحمة لها من العنف الذي ستلقاه. وفي الوقت نفسه، فإن حسنين بانتحارها يتخلّص من عبء قتلها انتقاماً للشرف، وسيحافظ على مرتبته الوظيفية والاجتماعية ، لكنّ الإنعطافة المفاجئة لحسنين في ختام المشهد السينمائي ستكون قمّة في الإثارة الدرامية، سيقدّمها المخرج بدءاً من دخوله قسم البوليس واصطحاب نفيسة الموقوفة في قسم العاهرات، وبما يشبه التراجيديات الكبرى، سيذهب بها إلى مصيرها المحتوم: الانتحار في النيل..وفي تلك اللحظات السريعة، سيكتشف حسنين أنّه الأولى بالانتحار، كونه ما صار ضابطاً إلاّ بما كان أخوه المتاجر بالمخدرات وأخته التي ضحت بكرامتها وفرطت في شرفها ليحققا مطالبه ، سيدرك أيضاً أنه لم يعد له قيمة في هذه الحياة التي سعى جاهداً لكي ينتمي إليها. فلم تقبل به سابقاً، ولن تقبل به الآن ولاحقاً.. لن تقبل سوى بموته.الخلاصةهذا هو حال الدنيا .. أناس يضحون بكل ما يملكون من أجل أشخاص لا يقدرون ولا يشعرون

مشاركة :