عصا قيادة المرأة للسيارة!! (1 من 2)

  • 10/23/2013
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

أؤمن تماماً بأن قيادة المرأة للسيارة حق من حقوقها، وكان المفترض أن تعطَى ذلك الحق منذ زمن بعيد درءاً لكثير من المفاسد التي بتنا نعيشها صباح مساء، وهي مفاسد تأقلم معها المجتمع، وتبلدت مشاعره تجاهها، حتى أصبح لا يشعر بها وبخطورتها. وليس أقل تلك المخاطر دخول السائق الأجنبي المنازل، الذي يُعدّ أكثر خطورة على الأسرة مقارنة بقيادة المرأة، ثم استعطاف المرأة سيارات الأجرة، وغيرها الكثير. وهنالك الكثير من الجدل حول ذلك، ولست في هذا المقال بصدد الرد عليها الآن. ناهيك عن عدم وجود بنية تحتية للنقل العام، تستطيع المرأة استخدامها بأمان، وهي واحدة من أهم جوانب الخلل التي تعيق حركة المرأة في مجتمعنا، فلا باصات ولا قطارات في بلد البترول!! ولا أبالغ إذا قلت إن توفير النقل العام الآمن أحد حقوق الإنسان المُفَرّط به في السعودية، وهو أجدر بمطالبة المجتمع به. كما أنني لست هنا بصدد تبيان معاناة نسائنا من ذوات الدخل المحدود، وهن شريحة واسعة في المجتمع مهمشة، وليس لها صوت مسموع في هذا الشأن؛ وتعاني الأمرين في الحصول على خدمة مواصلات، تفي بكرامتها وخصوصيتها، فإما سائقاً أجنبياً أو سائق أجرة، وفي كلا الأمرين يستهلك ذلك جزءاً كبيراً من راتبها المتهالك أصلاً، الذي يمكن أن تستثمره في شراء سيارة يكفيها سنوات عدة، عدا ما قد يترتب على ذلك من محظورات شرعية!! هذا إذا لم تجد أخاً لها أو أباً أو زوجاً لخدمتها.. وهذا لا يحصل لجميعهن، وإن حصل فقد يعتريه التوسل في بعض الأحيان. سيقول قائل: ولكن من يطالب بقيادة المرأة له مآرب أخرى ذات أبعاد تغريبية للمرأة، وليس من أجل مصلحتها وحقوقها.. فأقول: نعم، هناك فئة واضحة للعيان، لها مآرب أخرى، ولا ينكر ذلك إلا جاهل أو مغرر به!! ولكن أيضاً هناك فئات صادقة واسعة في المجتمع، تطالب بذلك لمصلحة المرأة وكرامتها. وفي الشق الآخر، لم أسمع أحداً من العلماء الربانيين يرى حرمة قيادة المرأة للسيارة في ذاتها، وإنما لما قد يترتب عليها من مفاسد. وهنا تحديداً دعوني أمسك عصا قيادة المرأة من المنتصف!! فلماذا لا يقوم علماؤنا، ممثلين في هيئة كبار العلماء، جنباً إلى جنب مع الجهات المعنية الأمنية والخدمية والرقابية بتحديد تلك المفاسد، وهي واضحة وجلية للجميع، ومن ثم العمل على وضع أنظمة ولوائح لمعالجة تلك المفاسد ودرئها وفق خطط منهجية؟!! لماذا دائماً يكون دور هيئة كبار العلماء تقديم الفتيا دون حراك مؤسسي ومجتمعي لمواجهة قضايا أصبحت تمس شريحة واسعة من المجتمع؟ وعلى سبيل المثال، نحن بحاجة لنظام لمكافحة التحرش الجنسي بكل صوره؛ ما يساعد في الحد من المفاسد التي قد تطرأ عند قيادة المرأة للسيارة. ومن المخجل أننا في بلد الحرمين الشريفين ونحن ما زلنا ندندن حوله!! في حين أن دولاً مجاورة تقدمت علينا كثيراً في هذا الجانب. وفي هذا السياق دعوني أخبركم بأن بعض أنواع التحرش الجنسي في الولايات المتحدة قد يفضي لسجن يتجاوز عشر سنوات!! هل سنتخوف عندئذ على نسائنا لو وجدنا مثل هذه الأنظمة مع صرامة في التطبيق؟ ولهذا، فإن تخوف الفئة المعارضة لقيادة المرأة واضح وجلي ومبرَّر، ويمكن معالجته بصنع أنظمة ولوائح للحد من مفاسده، مع ضمان التطبيق الصارم فيه كما يحدث في ساهر!! بالطبع يجب ألا نهمل جوانب أخرى، ستترتب على قيادة المرأة للسيارة، منها جاهزية الطرق للكثافة المرورية الناتجة من ذلك، وجاهزية رجال المرور للتعامل معهن، واستخراج رخص السير، وتهيئة المجتمع نفسياً واجتماعياً.. وكلها تحديات بحاجة إلى دراسة ووضع خطط عملية طويلة الأمد لمواجهتها - مرة أخرى - جنباً إلى جنب مع علمائنا الأفاضل. باختصار، نحن بحاجة إلى تحديد تلك المفاسد ووضع الحلول الجذرية لها، ومن ثم السماح للمرأة بالقيادة بآلية متدرجة، تمتد لسنوات عدة؛ لضمان عدم إرباك المجتمع. دعوني أصارحكم بأنه لا يمكن لمجتمعنا الاستمرار في منع قيادة المرأة للسيارة للأبد؛ فالمرأة في الوقت الحالي أصبحت أكثر حاجة لهذا الحق من أي زمن سابق، فإما أن يتحرك المخلصون في هذا البلد، ويبدؤوا في صنع الخطوات العملية لذلك الحق المكتسب، وإلا سنجد من يستغل هذا الجانب لمآرب أخرى، وإرباك المجتمع، وربما زعزعة الأمن، وتوسيع الهوة بين أطياف المجتمع، سواء عن قصد أو جهل، وليس حركة (26 أكتوبر) لقيادة المرأة عنا ببعيد!! فهذه الحركة ستحمل الكثير من التحديات للمجتمع، مع قناعتي بوجود المحسن والمسيء خلفها!! وقبل ذلك ستضع الأجهزة الأمنية في موقف مربك للغاية، وقد يكون لها تبعات أمنية غير محسوبة في حال السماح لهم بذلك. وفي المقابل، وأسوة بما يحدث في حركة 26 أكتوبر، قد تظهر فئات أخرى من المجتمع لها مطالب ترى أنها شرعية (في وجهة نظرها)؛ ومن ثم تأخذ ما تم كمبرر لتنظيم تجمعات وتظاهرات أخرى. أرأيتم كيف أن تأخير علاج بعض القضايا (المباحة في الأصل)، التي تمس شريحة واسعة من المجتمع، والأخذ بمنعها من باب سد الذرائع منذ عقود، دون إعادة النظر في مجريات الأمور ومستجداتها وتغير أساليب الحياة، قد يجلب الكثير من المفاسد الأخرى!! أخيراً، أؤمن تماماً بأن الحق أحق أن يتبع، حتى لو طالب به من في قلبه مرض، ولكن وفق ضوابط ومنهجية شرعية. وسأحدثكم في الجزء الثاني من المقال عن أبعاد أخرى لقيادة المرأة في مجتمعنا بعون الله.

مشاركة :