إلى متى الصبر؟... سؤال يتردد دائماً من جيل الشباب، وتختلف فيه الإجابات، وتزداد الحيرة، وذلك في ما تبثه وسائل الإعلام، التي نجدها تتفنن في قلب الحقائق وشيطنة جميع الأنظمة بلا استثناء. فالسياسيون ثوروا الشارع وأصحاب الأجندات ركبوا الأمواج، وأصحاب المصالح حصدوا الثمار وراء الكواليس وهكذا.والإسلام يتعرض إلى تشويه بصورة مرتبة في كل مجتمع، ليحصل الضجر وصولاً لإحباط الشباب واليأس ومن ثمّ العزلة فالعنف .وقد يتعرض الشباب الملتزم إلى بعض المضايقات، إما في العمل أو المدرسة وإما في السوق، فما موقفنا من هذه الأمور، وهذه المضايقات؟!فأقول علينا أن نصبر ونحتسب، وألا يمنعنا هذا من الدعوة إلى الله عز وجل، لأن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، ولما قام يدعو إلى الحق هل تُرك وشأنه أم أوذي؟! وهل الرُسل الذين بعثوا قبله تُركوا وشأنهم أم أوذوا؟!قال تعالى: (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا).فقد كانوا يُلقون على عتبته صلى الله عليه وسلم الأنتان والأقذار، ومع ذلك كان يصبر ويحتسب ويقول: أي جوار هذا، يعني: كيف تؤذونني بهذا الأذى؟! فأي جوار يكون هذا الجوار؟!وعندما خرج إلى ثقيف في الطائف ومعه زيد بن حارثة يدعو إلى الله، ماذا صنعوا به صلى الله عليه وسلم؟! أمروا سفهاءهم أن يصطفوا على الطريق صفين، وأن يرجموه بالحجارة، فرجموه حتى أدموا عقبه.وكان النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً تحت الكعبة يعبد الله في مكان آمن ومن أشد الأمكنة أمناً، فعند قريش، حتى وإن وجد الرجل قاتل أبيه في الكعبة فلا يقتله! ولكن لما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً عند الكعبة ماذا صنعوا به؟ أمروا رجلاً منهم أن يأتي بسلا جزور ويضعه على ظهر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ساجد!فماذا تقولون في هذه الأذية والتي ليس لها نظير حتى في تاريخ الجاهلية؟!ومع هذا كله فقد صبر واحتسب صلى الله عليه وسلم، وبقي ساجداً لله عز وجل حتى جاءت ابنته فاطمة الصغيرة رضي الله عنها فأزالت الأذى عن ظهر أبيها، ولما أتم الصلاة رفع يديه يدعو على قريش.وعليه، نقول للشباب اصبروا وصابروا ورابطوا على الطاعة، واعلموا أن الله مع الذين اتقوا، والذين هم محسنون.ولكن هل مع الصبر ندعو من حولنا أم نغضب ونسكت؟!الجواب ندعو ولا نيأس، ولكن بالحكمة واللين، وعدم الشدة والغلظة، لأن بعض الناس قد يكون شديداً لقوة غيرته في دين الله فيفسد أكثر مما يُصلح، فالواجب أن يكون عند الإنسان حكمة، يُقدر الأمور فيضعها في مواضعها.ومن المهم أن نعلم طبيعة النفس البشرية، والناس لن يهتدوا بين عشية وضحاها إلا ما شاء الله، لكن جرت سنة الله سبحانه وتعالى، أن الأمور تأتي شيئاً فشيئاً، فالنبي صلى الله عليه وسلم بقي في مكة ثلاث عشرة سنة وهو يدعو الناس، ومع ذلك لم تنجح دعوته النجاح التام.فلا تعتقد أن الناس سيرجعون كما كانوا عليه بين عشية وضحاها أبداً!، ولابد أن يكون الصبر والمصابرة والمرابطة على الخير، حتى يأتي الله سبحانه وتعالى بأمره .فعليك أن تصبر وتصابر والذي لا يصلح اليوم يصلح غداً، وابدأ بالأهون فالأهون في تهذيب أخلاق الناس، وبحول الله فإن الإنسان إذا صبر وصابر ورابط، فإن مآله الفلاح. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).الخلاصة:من يتصبّر يصبره الله وعلى الداعية أن يتمسك بأخلاق الدعاة، بحيث يظهر عليه أثر العلم في معتقده وفي عبادته، وفي هيئته وفي جميع مسلكه، حتى يتمثل دور الرُسل عليهم السلام في دعوتهم إلى الله عز وجل. أما أن يكون على العكس من ذلك، فإن دعوته ستفشل وإن نجحت فإنما نجاحها قليل.
مشاركة :