قراءة في ديوان الشاعر فواز اللعبون مزاجها زنجبيل

  • 11/1/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ثلاثة وأربعون قصيدة ليس بينها ما يحمل عنوان الديوان، بوتقة جامعة وعتبة رئيسة تطوف بقصائدها وتحدو إلى مساءلتها ماذا عن المزاج الزنجبيل، هناك معنى لافت في المعاجم (الخمر وعروق تسري في الأرض ونباته كالقصب) بما ينطوي على معنى النشوة واللذة والتغلغل، والمزاج حالة من حالات النفس يستنبتها الطبع. يستهل الشاعر الديوان بقصيدة عنوانها (مدينة التيه) عنوان ينداح في فضاء شعري تتلاقح فيه الرموز والنصوص وألوان من الأساليب التي تمتح من بئر المعاني وتفتح أبوابا للتأويل والتأمل واصفة حينا، ساردة حينا آخر، ومناجية شاكية تارة ثالثة في إطار استقراء منقوص لجوانب التجربة في أبعادها الروحية والنفسية والواقعية مفترشة مساحة زمنية ممتدة بين الماضي والحاضر حائرة أمام بوابة المستقبل، متفرّسة قسمات القوم وملامح الرفاق. ولعل الاستهلال بالوقوف على تخوم الزمن الماضي والمستقبل يأخذ بأيدينا إلى نسيج تتآلف خيوطه، وتتشابك مساراته فيستمهله ويستوقفه لينكفئ إلى دواخله فاحصاً ذاته مستكشفا دنياها، وفي مقابل تحييد الزمن وتثبيته تتحرك عواصف عالمه الداخلي وبين الثبات والحركة أمواج من الأسئلة الحائرة والحيرة القلقة، وارتداد يسترجع الموقف ويستجلب سلسلة من الصور والمشاهد التي تتحول إلى تجلّيات حوارية حينا، وبوحية ساردة حينا آخر، وما بين الحوار والوصف تتراءى سرديته الذاتية في غنائية حزينة. شبكة من العلائق تتساوق مع الحركة الداخلية، وتتوازى مع الشذرات النصية التي تتجمّع لتبرز تجربته التي تتمركز في قرارتها معضلته الوجودية حيث تتبدّى الذات في جدلية متعددة الأطراف تناوشها نزعات ورغبات تتراءى في ساحة للصراع والانتظار والمعاناة معبراً عن ذلك بحمولات دلالاية للزمان والمكان، فالمدينة التي شكلت إحدى مفردات العنوان تشعّ بالرمز الذي لا يستجيب للتأويل المحدود، فهل المدينة ذاته التي تاه في سراديبها وعجز عن اكتناه أسرارها أم هو المكان الذي يكتظ ّبالرفاق والأصدقاء و الناس و تخلو منهم في آن، هل نحن أمام أزمة الذات التي تعاني المآزق و الإكراهات؟. ثمة نصوص منقولة تم امتصاصها وتحويرها من سياقها القديم في الصبابة والعشق والحب العلوي في قصيدة ابن القيم كما في قوله: (أسائل عنها كل غاد ورائح) إلى سياق جديد حيث يستحضر أحزان أبي فراس الحمداني والمتنبي ووقائع التاريخ وأعلامه منذ عهد النبوة إلى عصر الفتوحات، وثمة جماليات تقبس من تراثنا الشعري المتدثّر ببلاغتنا القديمة والإيقاع الذي ينساب كل ذلك يأخذ بالألباب والبصائر. وتأتي تقنية المشهد في إطار التداعي عبر ما يعرف في أدبيات السرد بالاسترجاع حيث تتراكم الصور لتفضي إلى دلالات تفصح عماهو مستكنّ في وعي الشاعر ووجدانه، فثمة صور تقوم على التخييل والتمثيل؛ كتلك التي بدأ بها القصيدة مستمداً لها من مخزون ثقافي رابض في تلافيف الذاكرة، ينثال استجابة للحالة النفسية تدخر مخزونا من شحنات عاطفية تنتمي إلى زمن العشق العذري. وقد استثمر لونا من ألوان التناص الكلي مع قصة يوسف عليه السلام في قصيدته (أوجاع يوسفية) فيما يتشكّل قناعا يفضي من خلاله الشاعر بما يعاني،فهو ييتحدث من خلاله عن تجربة إلقائه في غيابة الجبّ حيث أتى إخوانه على قميصه بدم كذب إلى أبيهم، وكيف خذله إخوته بما يستدعي أيضا نص محمود درويش في قصيدته (أنا يوسف يا أبي) وقد نسج قصته مرة ثانية وأعاد تمثّلها. وفصائد الديوان يتوزّعها محوران: محور الذات وهمومها الوجودية والروحية العميقة ومحور الإخوانيات والمناسبات، وشاعريته الحقيقية تتبدى في المحور الأول وثمة كثير مما يمكن أن يقال.

مشاركة :