قراءة في رواية حريملاء قرية رغبة

  • 11/1/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

قرأت كثيرا من الروايات لكاتبات وكتاب سعوديين وغير سعوديين، لكني لم أقرأ رواية كتبت عن السعودية بمثل ما كتبت به رواية « حريملاء.. قرية رغبة «. بداية تتكون الرواية (٢٣١) صفحه حجم متوسط. وقد كتبتها كاتبة مصرية عاشت بالمملكة عقدين أو أكثر مما مكنها من امتلاك ناصية اللهجة في نجد مثلما هو واضح وجلي في لقة الحوار. ويبدو أن الكاتبة قد عجنت برمال نجد وهامت بها حتى أنها استطاعت توصيف حياة القرية «قرية رغبة» بطريقة تشعر القاريء بأنه يعرفها ويعرف طرقاتها وحواريها. على سبيل المثال توصيفها الدقيق لرحلة السفر، ووصول أسرة المعلم (أبو البطلة) إلى قرية رغبة، ونظرة الأطفال واستغرابهم لكشف الوجه (حريمهم فاتشين)، وتسابق الناس لضيافتهم. وكذلك توصيف رحلة الصيد لأمير رغبة التي رافقه فيها أبو البطلة «سمية»، وما صاحبهم من خدم، وحشم، وخيل، وصقور، ونياق، وغنم، وبنادق ومناظير، لتمكن من رؤية الحبارى والأرانب والقماري. وكذلك وصف لكيفية استخراج الفقع، وسرد لأماكن جغرافية في رحلة الصيد كروضة ام الشقوق، وأم سدر وشعيب خشم الحصان وغيرها كثير. ومن ذلك أيضا توصيف لجلسة المساء وشب الضو، والمحماس والنجر والقهوه والملقمة. تدور الأحداث الرئيسة في الرواية أثناء حرب الخليج داخل غرف مستشفى الشمسي بالرياض حيث التقت البطلة بمجموعة من النساء تحكي كل منهن حكايتها في سرد مشوق. وفي المستشفى نجد ريتا الممرضة الفلبينية التي أصبحت مصورة بارعة بعد بيع صورة فوتغرافية نادرة لصاروخ اسكود بمليون ريال، ثم هاجرت مع صديقها الأمريكي الذي ترك الجندية إلى أمريكا. العنود الكويتية وقصة هروبها من الكويت أثناء القصف الجوي عليها ومعاناتها مع زوجها محب الكلاب، وخضعت لعملية جراحية في المستشفى. وحبيبه المغربية التي تعمل في قصر الأمير، وأصابت في حديقة القصر في قدمها. ونجوى السودانية مكسورة الذراع وقصتها مع الشاذلي الذي رحلته الحكومة بسبب اتباعة لطريقة صوفيه اسمها الشاذلية. وهتون من جدة سارقة الآثار والذهب من المواقع الأثرية التي يعمل بها والدها أستاذ الآثار، مها المصرية ومعاناتها مع زوجة أبيها، والتي استأصل بها الأطباء من بطنها كيلو من الشعر الذي كانت تبتلعه كلما أصابها الخوف أو الحزن، ونسرين الدرزية التي انفجرت زائدتها، فدوى الفلسطينية وعذابها مع أخيها الذي اغتصبها، واستأصلت مرارتها بسبب التهابها الحاد. هؤلاء النسوة وظفن في الرواية توظيفا اجتماعيا بديعا استطاعت الكاتبة أن تربط بين حكاياتهم بنسيج جميل مما يشوق القاريء ويجعله يسافر برضا في زمن الرواية (أربعين عاما)، عشرون في الماضي (ويمثله قرية رغبة) والحاضر (ويمثله النساء في المستشفى) وعشرون في زمن المستقبل ويمثله (أسرة سمية) عندما عثرت على مخطوطة ( الرواية) التي تركتها سمية. تعتبر الرواية وثيقة تاريخية أنثروبولوجية أثريه اجتماعيه، حيث وظفت الأمثال في كتابتها وشرحت وأسهبت في وصف التفاصيل الدقيقة للعادات والاحتفالات والتقاليد.وقد فعلت هذا في حبكة راوئية، بقلم روائية وباحثة توظيفها بشكل مبهر، وقدرة فائقة للأبطال الذين تنوعوا في الجنسيات والميول والانتماءات الدينية مثل الشاذلية الصوفية والإسلام الدرزي. كما لامست جوانب اجتماعية تتعلق بالفتيات كزنى المحارم والخروج من الجامعة لطالبات وتعدد الزوجات والزواج بالقاصرات، والمغالاة في المهور مثل مهر زوجة رابعة لرجل مقتدر ماليا وله منصب وجاه عمره في الستينات ٣٠ بعيرا وسياره جيب ورشرش ذهب دورين وصقر للصيد وبشوت لأقربائها وشنطة مليئة بملابس غالية الثمن هذا كله لفتاة قاصر (١٤) عام. ومما يعطي للرواية بعدا تاريخيا وأنثروبولوجيا توظيفها للأغاني الشعبية وأناشيد الأطفال في أماكنها الصحيحة كالمدرسة، والشارع، والأعراس، مثل نشيد المدرسة الذي كان مقررا على الصف الأول الابتدائي منذ أربعة وخمسة عقود:مع الصباح المشرق بكل أخت التقي، ونشيد طاق طاق طاقية رين رين يا جرس، مبارك عرس الاثنين ليلة ربوع وقمره، ونشيد صبوحه خطبها نصيب، ويالسمرانية. وكذلك أغنية طلال المداح: يانسمة الوادي. ولم تغفل الأحداث للجانب العنصري الذي كان سائدا ولكنها عبرت عنه من خلال المعلمه فايزه التي لم تخف عنصريتها تجاه جميلة العاملة، ونعتتها بالعبدة السوداء، كما نعتت الحارس بالعبد الأسود. وتطرقت لقصة موت الملك فيصل، والملك خالد، وحبيبه وزيدون المغربيين الجنسية ويعملان في قصر ولي العهد الأميرعبد الله ـ رحمه الله ـ والأميرة حصة زوجة الأمير عبد الله صاحبة الجود والكرم والأخلاق الطيبة، وابن الخشيم جد الأميرة حصه الشاعر الفارس الكريم. وزين السورية مربيه الأميرة الجوهرة ابنة الأميرة حصة. سلطان الأطرش أمير الدروز، نور الدين رضوان أحد اقطاب الطائفة الدرزية. شخصيات وأحداث كثيرة مضفورة بسرد إنساني إجتماعي نفسي . كاتبة هذه الرواية أسماء عواد القاصة والروائية التي كتبتها بقلم مبدع وباحث في نفس الوقت وذلك لقرب موضوع الرواية من تخصصها الأكاديمي الدقيق الذي تقدم فيه أبحاثها وتجمع فيه بين الأنثروبولجيا والتربية. أعتبر هذه الرواية وثيقة تاريخية اجتماعية أدبية تستحق أن تترجم، وتستحق أن تقرأ على نطاق واسع وخاصة في السعودية.

مشاركة :