يظل عالم الروايات مشحونا بالأحداث، وموثقا للفترة الزمنية، وللبيئة المكانية، فقد أكملت قراءة رواية تقع في 230 صفحة من القطع المتوسط، إحدى مطبوعات الهيئة المصرية العامة للكتاب، بعنوان (حريملاء) وعنوان فرعي (قرية رغبة)، وهي عبارة عن أوراق متناثرة من حياة (سمية)، التي رسمت صورة مثالية للقرية، حيث بدأت أحداث روايتها في شهر أغسطس 1990م، وهي على سرير المرض في قسم النساء عندما طلبت من الممرضة الفلبينية (ريتا) أن تأتي لها بأوراق بيضاء، وبعد عشرين عاما عثرتْ أسرتُها على هذه الأوراق مع صور مرسومة بالقلم الرصاص. من خلال السرد يتضح أن القسم يعج بالمريضات أولهن (العنود) من الكويت، والأخريات (حبيبة ونجوى وهتون ومها ونسرين وفدوى) ولكل منهن حكاية مختلفة، وسبب آخر أدى لدخولها المستشفى. الأحداث المتداخلة تأخذ القارئ من مكان لآخر، فعندما توقفت سيارة لأحد المدرسين الوافدين، تجمع حولهم الأطفال مستغربين وجود نساء كاشفات، فطلب منهم أهل القرية مغادرة المكان، لأن القرية (ديرة نشامى)، ولكنه طلب منهم أن يوصلوه إلى بيت الأمير، ولأنهم كرماء على الرغم من قسوة المناخ والطبيعة التفت إمام المسجد قائلا: (وراه.. ما فينا أجواد؟) وعزم عليه كعادة العرب (لازم تنزل عندي)، وقال آخر إلا عندي، وفي الأخير اتفق الجميع على نزوله عند أحدهم، فانقسموا إلى فرقتين الرجال في مجلسهم والحريم في مجلسهن كما هي عادات أهل القرية، وأصالتهم في كرمهم واستقبالهم ضيوفهم، حتى بعد أن استأجر الضيف منزلا لأسرته من الإسمنت المسلح لم ينقطع إمداد المجتمع لهم بالبطانيات والسجاد والقهوة وأدواتها….الخ. عشت مع أحداث الرواية في حقب زمنية متفاوتة، استعرضت العادات والتقاليد البدوية بما فيها الزواج ومتطلبات المهر والمصاغ، وزواج الشيخ الكبير الذي تجاوز الستين بـ(مزنة)، وأحداث حرب الخليج وما بعدها، في تسلسل جميل ومحافظ على الأدوار بعناية فائقة استطاعت أن ترسم لوحة فنية للبيئة الصحراوية وقراها وهجرها، وعاداتها وتقاليدها وطباع أهلها، وشراكة نسائها في كل شيء، كما ألمحت الرواية إلى الفروق السكنية بين القرى والمدن، فهناك فرق بين البيت المسلح في المدينة وبيت الطين في القرية الذي تسطعُ الشمس في جدرانه من الخارج لكنه من الداخل موحشٌ ومظلم، ماعدا بعض الشعاع البسيط الذي يتسرب خلسة من كوة صغيرة، وعرجت الرواية على الحالة التي يعيشها المجتمع وعالم المدارس والكليات،والوافدون من المعلمين والمعلمات، ولم تنس عالم الشباب والشابات، وحشد عدد كبير من الأسماء والحكايات والمغامرات، في رواية ممتعة تستحق القراءة..
مشاركة :