منذ أسابيع وحفيدي طارق يطرز ليلي ونهاري بالمرح والضحك ثم يتعكر مزاجه بدون سبب ظاهر فيصبح نكديا واضطر الى تقديم رشوة إليه لتطويق انفعالاته ومنعه من زيادة جرعة الدلع، والأمر الوحيد الذي نجحت فيه تماما معه هو منعه من ممارسة الدمار الشامل، وقد نجحت في جعله يفهم أن «لا» تعني «لا». وجميعنا تقريبا نتمنى ألا تزورنا عائلات معينة مصطحبة عيالها لأنهم يقلبون البيت فوق تحت، ولا ينفع معهم تهديد او زجر او وعيد؛ ربما يتضايق الآخرون من زياراتنا لهم مصطحبين عيالنا، ولكن معظمنا يعرف ما إذا كان طفل ما قد نشأ مدركا للحد الأدنى من الخطأ والصواب في السلوك العام، والدليل القاطع على أن رأيك بأن عيال زيد أو عبيد فالتون تماما هو ما إذا كانوا يمارسون نفس السلوك الأهوج والمزعج في بيتهم كما في البيوت التي يزورونها كضيوف. نعم ينبغي «تفويت» أمور وسلوكيات معينة يأتيها الأطفال باعتبار ان مدى إدراكهم محدود ولا ينبغي -بل يتعذر- إخضاعهم لضوابط وقواعد السلوك العام المرعية في سن مبكرة، ولكن الطفل أذكى وأكثر مكرا مما يتصور الكثيرون، ويعرف كيف ينال ما يريد بالبكاء تارة والإضراب عن الطعام أحيانا وبنوبات الهيجان وتكسير وتمزيق الأشياء تارات أخرى، وليس من العسف القول بأن هناك عيالا هم «بالجملة» فالتون ومرعبون وبهم نزعات إرهابية، ويكون مثل هذا الحكم صادقا لو كانوا مثلا 3 أو 5 أشقاء وجميعهم من النوع الهباش، وفور دخول الواحد منهم أي مكان، متجرا كان أم بيتا، يمد يده الى كل ما تصل او لا تصل اليه، ويتعمد إسقاط السلع من الرفوف، ويمسك بمزهرية فخارية او زجاجية ويرمي بها أرضا، أو يصعد على كرسي او سرير من دون ان يخلع الحذاء وهو يعلم انه ملوث بالطين وبلاوي أخرى قد يكون مصدرها الحمام. وبعض العيال ينشأون فالتين لأن أهلهم يربونهم بالكتالوج: علم النفس التربوي ينهى عن النهي والزجر والنهر والتقريع، والضرب بجميع أنواعه فإنه يدمر الطفل نفسيا ويعرضه للإصابة بعقد نفسية. والبعض الآخر ينشأ فالتا لأن الوالدين مش فاضين.. لا وقت لديهما لتوجيه العيال او تصحيح سلوكهم إذا اخطأوا، وقد تكون «المشغولية» هذه لأن الأبوين غير معنيين سوى براحة الجسد والبال، وبلاش من دوشة العيال ووجع الرأس، وقد تكون بسبب ضغوط الحياة ومتطلباتها، ولكن لا توجد مشغولية أهم من مراقبة صحة وسلوك العيال. العالم خارج اسوار البيت لا يرحم، والآخرون ليسوا ملزمين بجعل الأشياء كما يشتهي عيالنا، ولهذا تجد كثيرا من العيال المدللين الفالتين يعودون كل يوم من المدرسة إما باكين لأنهم تعرضوا للزجر أو دخلوا في مشاجرات غير متكافئة، أو لأن المناخ المدرسي العام لا مجال فيه لفعل ما تريد «على كيفك» بلا محاسبة، وبدخول الحياة العملية يكون الإنسان قد دخل غابة لا يضمن فيها حتى الأسد سلامته. ما فتح شهيتي لطرح هذا الموضوع رسالة تشكو فيها سيدة من سلوك أولادها (الذكور) الذين يلجأون الى العنف والصراخ لنيل ما يبتغونه، سواء كان شيئا او نظرة حنان، ولأنها سيدة مستنيرة فقد توصلت الى انهم يعانون من الاضطراب المسمى نقص الانتباه attention deficit disorder وهو اضطراب كثيرا ما تتداخل أعراضه مع اضطراب آخر هو فرط النشاط hyperactivity.. وهي على حق وشجاعة، لأن غالبيتنا تعتبر الاضطراب النفسي «عارا» على العائلة فلا نعترف بأن - مثلا - طفلنا فلان يحتاج الى «مساعدة» لأنه مستعد حتى إيذاء نفسه للفت الانتباه الى نفسه او لا يستقر على وضع وحال حتى لو أعطيته دواء للكحة معروف أنه «ينوم الفيل»، يعني قد نظلم طفلا ونصفه بأنه قليل الأدب و«عديم التربية»، بينما سلوكه صرخة استغاثة ويحتاج الى رعاية متخصصة اكثر من حاجته الى الزجر او الإفراط في التدليل، تماما كما يظلم مدرس تلميذا ويصفه بالغباء بينما هو يعاني من اضطراب صعوبة التعلم (ديسلكسيا).
مشاركة :