قدّمت حركة النهضة الإسلامية الفائزة بالانتخابات التشريعية في تونس، الجمعة ما أسمته بوثيقة التعاقد الحكومي وذلك في إطار خطواتها السياسية للتعجيل بتشكيل الحكومة الجديدة. وأكد الناطق الرسمي باسم الحركة عماد الخميري في ندوة صحافية أن مشروع وثيقة التعاقد الحكومي هي مشروع برنامج حكومي سنتقدم ونطرحه على كل الأحزاب الفائزة في الانتخابات وكذلك المنظمات الوطنية الكبرى. وشدد الخميري على أن مشروع الوثيقة التي تعد بمثابة برنامج الحكومة المقبلة يشمل خمس نقاط أساسية وهي مكافحة الفساد وتعزيز الأمن وتطوير الحوكمة ومقاومة الفقر ودعم الفئات الهشة ومتوسطة الدخل وتطوير التعليم والنهوض بالاستثمار والتشغيل، علاوة على وجوب استكمال إرساء مؤسسات الدولة. وقوبلت هذه الوثيقة التي قدّمتها حركة النهضة بالكثير من الانتقادات، حيث يصفها المتابعون للساحة السياسية بأنها فضفاضة ولا تتضمّن أي جديد مقارنة بما طرح سابقا على كافة الحكومات المتعاقبة منذ ثورة يناير 2011. وتساءل طيف واسع من الطبقة السياسية سواء من الأحزاب البرلمانية التي تتشاور معها حركة النهضة أو من الأحزاب الخاسرة في الانتخابات التشريعية عمّا يمكن أن تتميز به وثيقة النهضة الجديدة مقارنة بوثيقتي قرطاج 1 و 2 اللتين طرحهما الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي منذ 2016. وطرحت مؤسسة الرئاسة خلال فترة حكم الراحل الباجي قائد السبسي وثيقة “قرطاج 1” التي تم على إثرها تشكيل ما سمي بحكومة وحدة وطنية التي ترأسها يوسف الشاهد. وفي أواخر عام 2018، دفعت رئاسة الجمهورية مجدّدا إلى تحيين الوثيقة بوثيقة أخرى أطلق على تسميتها “قرطاج 2” وتضمنت خطوطا عريضة لبرنامج الحكومة لكن لم تتم المصادقة عليها من قبل حركة النهضة بسبب تضمنها لبند يدعو إلى وجوب إقالة حكومة يوسف الشاهد. وسبق لغازي الشواشي القيادي بحزب التيار الديمقراطي، وهو من الأحزاب التي تتفاوض معها حركة النهضة بشأن تشكيل الحكومة الجديدة، أن انتقد وثيقة النهضة بقوله “الوثيقة شبيهة بوثيقتي قرطاج 1 و2 “، مبرزا أن ما ورد بها مجرد مبادئ عامة ولا تتضمن أي تفصيل لعمل الحكومة. وأضاف الشواشي أن الفكرة من حيث المبدأ جيدة لكن إذا “دخلنا في الجزئيات والتفاصيل فمن المؤكد أنه ستكون هنالك اختلافات وخلافات”، ملاحظا أن حزب التيار لا يختلف مع حركة النهضة في ضرورة وضع برنامج واضح للحكم تلتزم به جميع الأطراف وتنفذه. وفي ما يتعلق بنسق المشاورات، قال عماد الخميري إن حركة النهضة بصدد التفاوض رسميا مع أحزاب التيار الديمقراطي وحركة الشعب، إضافة إلى عقد لقاءات أولية مع ائتلاف الكرامة وحزب اتحاد الشعب الجمهوري وبعض المستقلين، وذلك في إطار تواصل مسار المشاورات مع الأحزاب السياسية لتشكيل الحكومة الجديدة . كما أكد الخميري أن نية حركة النهضة تتجه نحو عقد لقاءات مع حزب تحيا تونس والمنظمات الوطنية. وتحاول حركة النهضة في كل مرة التأكيد على تشبّثها بوجوب التشاور والتقارب مع المنظمات الوطنية الكبرى للتباحث في شكل الحكومة القادمة وبرنامجها، خاصة مع الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة أرباب العمل وذلك قصد إحاطة الحكومة بحزام سياسي قوي. لكن الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي أكّد مجدّدا في تصريحات صحافية الجمعة أن المنظمة الشغيلة لن تكون طرفا مشاركا في الحكومة المقبلة. وقال إن ما يعني الاتحاد اليوم هو التعجيل بتشكيل حكومة قادرة على إنقاذ البلاد ومعالجة المشاكل المتراكمة، مبينا أن “الوقت ينفد والإدارات التونسية في حالة ترقب وهو ما ينعكس سلبا على الاقتصاد وله تأثير كبير على المشاكل الاجتماعية”. وأضاف أن “الأحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية لها الكلمة الفصل في تحديد ملامح التشكيلة الحكومية والبرامج التي ستنفذها، ولا بد من التعجيل بتشكيل حكومة تكون قادرة على إنقاذ البلاد وتطوير المؤشرات الاقتصادية ومعالجة المشاكل”. وكان الاتحاد العام التونسي للشغل قد دعا بمناسبة عقد اجتماع لمكتبه التنفيذي الموسع الأسبوع الماضي، إلى “الإسراع في تكوين الحكومة والشروع في تنفيذ البرامج، نظرا إلى أن العمل الحكومي الحالي يشهد حالة شلل تام منذ مدة”. وفي السياق نفسه، تؤكّد تفاصيل وكواليس اللقاء الذي جمع الخميس راشد الغنوشي بزهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب، وهو حزب قومي عروبي فائز بـ17 مقعدا برلمانيا، أن الأخير عبر عن رفضه المشاركة في حكومة تقودها النهضة التي تروج لإمكانية تكليف زعيمها الغنوشي بتشكيل الحكومة الجديدة. وتصنّف خطوة النهضة الأخيرة بتقديم مشروع وثيقة حكومية، على أنها بمثابة المحاولة لإحراج الأحزاب التي تتفاوض معها بتأكيدها على أنها تطرح برامج ولا تقتصر كغيرها من الأحزاب المشاركة معها في المشاورات على طرح الأسماء، خاصة وأن حركة الشعب قدّمت مقترحا عنوانه “حكومة الرئيس” أي أن يكلف الرئيس قيس سعيّد شخصية وطنية بتشكيل الحكومة الجديدة.
مشاركة :