العراق ولبنان.. من الطائفية إلى المواطنة

  • 11/3/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في بلدان ما يسمّى «الربيع العربي»، طغت شعارات الخبز والعدالة والكرامة على ما سواها من الشعارات السياسية، حتى أن المدافعين عن هذا «الربيع» يتوجّسون من «تهمة التسييس»، ويصرون على أن الناس تريد خبزاً وكرامة، وهذا صحيح بالنسبة لمن ينزل إلى الشارع. بعيداً عن امتطاء تنظيمات الإسلام السياسي وبعض التجلّيات الأشد عنفاً وإرهاباً، صهوة المطالب البديهية المحقّة للناس، واختطاف الحدث إلى حيث لا يرغب الناس في معظم بلدان «الربيع»، نشهد للمرة الأولى حراكاً يربط بين مرارة لقمة العيش وأسباب هذه المرارة، ويرفع لهذه الغاية شعاراً عميقاً بعيداً عن الأسطوانة المشروخة المحفوظة، والتي يكرّرها البعض من دون أن يفهم أولاً معناها، وثانياً ما بعد تحقيقها إن تحقّقت. ظهر هذا جلياً في تظاهرات العراق ولبنان، غير المسبوقة في الأول منذ سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين العام 2003، والثاني منذ الاستقلال في نوفمبر 1943. ففي هذين البلدين هتف المنتفضون «الشعب يريد إسقاط الطائفية»، أي أن الهموم والأوجاع التي خرج المنتفضون ضدها واحتجاجاً عليها، رُبطت بالنظام الطائفي في كلا البلدين. لحظة التفجير لم يكن الشعب في العراق أو لبنان غير مدرك لكون الطائفية سبباً في تدهور معيشته وتلويث حياته السياسية، لكن يبدو أن تراكمات الاستياء الكمّية بلغت لحظة التفجير الذي يتطلّبه التغيير النوعي، إذ إن نظام المحاصصة الطائفية لا يمكن أن ينتج مجتمعاً متمدّناً ينعم فيه المواطن بميزات وخيرات بلاده، ويستطيع أن يعبّر فيه عن نفسه كإنسان أو كمواطن مجرّد من خيوط توصله إلى أوتاد لم يستشره أحد بشأن ارتباطه بها. هكذا نظام ينهك البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ويضرب مقومات التعليم والثقافة والفنون، وحتى العلاقة بين الناس على مستوى محطات النقل العام. وهو إذ يجعل الناس يغرقون في هذا البحر الهائج، يفتح منافذ الفساد لمنظومة طائفية ترتدي عباءة السياسة. طيلة عقود من النظام الطائفي في لبنان، تناوب على منصة الحكم رموز تجري مداورتهم ولا يتغيّرون إلا قليلاً. هذه طبيعة النظام الطائفي، يفرز للدولة رموزاً طائفيين وسياسات طائفية، ظاهرها سياسي وباطنها طائفي تحميه ميليشيات مدجّجة أوقعته في كثير من المحطات التاريخية بحروب أهلية دموية كرّست الطائفية وحشدت أناساً بلا أعين حول أمراء الحرب المنتفعين من التعبئة والتحشيد في تثبيت مناصبهم ومحمياتهم، ومفاتيح الثراء غير المشروع، والتي يسميها اللبنانيون المنتفضون اللصوصية وسرقة المال العام. مراكز القوى الطائفية في العراق عمرها قصير، لكنّها نشأت بعد الغزو الأمريكي الذي أسقط نظاماً سياسياً عانى من كثير من السلبيات والعيوب، لكنه لم يتعامل مع الشعب باعتباره طوائف، ولم يربط المناصب السياسية والخدمية والوظائف بالطائفة والمذهب. وعندما جرى حل الجيش العراقي، فقدت الدولة مركزيتها وتهيأت الظروف لسيطرة مراكز قوى طائفية ترتبط بمراكز توجيه خارجية. بعد كل هذه المعاناة، من الطبيعي أن يعلن المتظاهرون في لبنان والعراق، ولاءهم للمواطنة وليس للاعتبارات الطائفية، وبالتالي، وفي ظل هذا الزخم الشعبي وديمومته، يصعب تصوّر أن يكون كلا البلدين بعد هذا الحراك مثلما كانا قبله، وإن لم يكن عاجلاً، فإن النظام الطائفي في كلا البلدين يشهد دقّ المسمار الأخير في نعشه.طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App

مشاركة :