العراق ولبنان .. تجاوز الطائفية

  • 11/23/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تسارعت الأحداث السياسية في الوطن العربي في الأسابيع الأخيرة، وتركتنا نجري وراءها في لهاث. وعادة ما تكون الأحداث في الأيام التاريخية الحرجة – كما هي هذه الأيام – سريعة، ودراماتيكية ومفاجئة، فمن بعد السودان والجزائر في المغرب العربي، فاجأتنا – في المشرق العربي – الثورة في العراق الذي ينزف شعبها دماءً طاهرة، وها هي الثورة في لبنان تتناغم مع ثورة العراق، وتبشرنا بميلاد تاريخ عربي جديد يسطره اللبنانيون ببراعة ووعي وفرح.  وهذا الخريف العربي الذي يبدو أبديًا، مخالفًا سنة الكون في التطور والارتقاء لن يظل على حالة الثبات، فدوام الحال من المحال. فالأوضاع بعد هاتين الثورتين الباهرتين، لن تعود إلى سابق حالها، رغم أن السلطات تتباطأ عن تحقيق المطالب، وتناور، وتراهن على الوقت، فالكثير من الهبًّات والثورات تهدأ وتخمد مع الوقت. السلطة في العراق تتأخر في تنفيذ المطالب بزعم أن البديل للحكومة الحالية غير موجود في الوقت الراهن، تصوروا، أربعون مليون عراقي ليس بينهم عدد قليل من الكفاءات لتشكيل وزارة،  وزارة غير فاسدة، وفي لبنان تناور السلطة بالطريقة ذاتها، فالرئيس عون يتلكأ في إجراءات تشكيل الحكومة التي يطالب بها المتظاهرون، ويريد هو ومن معه في سدة السلطة من الحلفاء الذين نسوا أوطانهم، تشكيل حكومة لا تفقدهم سلطاتهم الحالية، التي يعضون عليها بالنواجذ. ما يحدث في لبنان يحدث في العراق بالتطابق، فالمشكلة واحدة والحلول واحدة.  يريد الشعب اللبناني حكومة تكنوقراط، وتقدم السلطة أنصاف الحلول، حكومة نصفها تكنوقراط ونصفها سياسيون، لكي تبقى خيوطها في أيديهم كما هي الآن، وحتى الورقة الإصلاحية التي قدمتها السلطات في لبنان والعراق كان الهدف منها امتصاص النقمة، فقد كان على السلطة أن تنهض بالإصلاحات في أوانها، قبل هذا الوقت بكثير، قبل انفجار البالون الذي نفخوا فيه فسادًا وهدرًا للأموال الطائلة.  الإصلاح الوحيد الآن هو استبدال السلطات الفاسدة بسلطات جديدة نقية، لم تتلوث بالفساد الذي دمر البلاد. ذلك الفساد السياسي والاقتصادي، الذي يتكئ عاجزًا على المحاصصة الطائفية في تقاسم السلطات. والفساد السياسي والاقتصادي هو داء سرطاني توغل في البلدين حتى العظم، ولو تركت بعض خلاياه حية سيعود لينمو ويتكاثر من جديد. لم يعد للبلاد رمق أخير، ولا قدرة للناس على احتمال فساد آخر ولو قليل، فالأزمة وصلت حد الانتحار، حد الانفجار، (واشتدي أزمة تنفرجي)، فالأزمة وصلت حدها الأخير، طفح الكيل وبلغ السيل الزبى وقُضي القضاء وانتهى الأمر، فالميزانية العامة تحتضر والطبقة السياسية الفاسدة، سلمت قيادها للأجنبي الدخيل، والناس يهيمون على وجوههم بحثًا عن حياة، بحثًا عن نجاة.  ما حدث في لبنان والعراق، هو هزيمة فادحة للطائفية والطائفيين وللإسلام السياسي بشكل عام في الوطن العربي، بعد أن واجه هزائم متعددة في مصر والسودان والجزائر، والآن في العراق ولبنان.  وفي المشهد العربي العام نحن أمام تحول، في انعطافة تاريخية في اتجاه سكة النجاة. والمتتبع للشأن العراقي واللبناني، سيكون قد لاحظ في السنوات الأخيرة، قبل الانتفاضتين، ارتفاع أصوات فاضلة نادت بنظام سياسي عابر للطوائف، بالحتم فهذه الأصوات كانت تعرف حجم الأضرار  التي يعاني منها الشعبان، والغريب أن هذه الأصوات ظهرت من داخل الأحزاب الطائفية ذاتها، فهو إذن تأكيد بفشل التقسيم الطائفي، يأتي من أشخاص من قادة الطوائف ذاتها، ممن تنبهوا إلى عمق الداء الطائفي البغيض. المحاصصة السياسية أضحت الآن شكلاً مقننًا للواقع الطائفي، وفي ظل التورم والتضخم الطائفي، كانت الأحزاب الطائفية في كلا البلدين تقدم ولاءها للطائفة على حساب المواطنة، ما أدى إلى تدخلات أجنبية كان رداءها المذهب، وباطنها الهيمنة.  الثورتان بذرتا بذورًا لتخصيب دولة المواطنة والانتماء الوطني لا الطائفي، وبعد، لقد عانى الغرب طويلاً من التقسيم الطائفي قبل قرنين. ولم يجد مخرجًا له من مأزق الطائفية، إلا بقيام الدولة /‏ السلطة على أساس مدني، فظهرت الدولة المدنية الحديثة التي أنهت الصراعات الطائفية إلى الأبد، ففي الدولة المدنية تذوب  الطوائف في بوتقة الوطن، ويتكرس الرباط الوطني والقومي. لقد فرزت الثورتان العربيتان في العراق ولبنان، نتائج بالغة الأهمية، وأسست بدايات إنعطافة تاريخية، ستترتب عليها قناعات جديدة عند العرب – من مختلف الطوائف – تؤصل فكرة المواطنة في المجتمعات العربية، وسيكون ذلك تجاوزعائق صلب  يعرقل التقدم.

مشاركة :