الحديث عن الحرب قد يجده البعض حديثًا لا مناسبة له في عالم تحكمه المعاهدات والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان، بل حتى الأسرى من الحروب لهم حقوق خاصة بهم لا يمكن مخالفتها، وهذا الكلام صحيح لو كان الأمر كما تقرره هذه المواثيق والمعاهدات، ولكن الأمر ليس كذلك، بل إنه جد مختلف عن الواقع الذي نعيشه، ومن هنا فلنا الحق نحن المسلمين في الحديث عن الحرب، بل تكرار الحديث عنها لأننا لا نزال نواجه حروبًا معلنة وخفية، وستظل هذه الحروب مستعرة ومستمرة بكافة أشكالها وألوانها ما دام عند المسلمين من الثروات ما يطمع فيه خصومهم، وخاصة في غياب الموازين القسط، والكيل بمكاييل كثيرة، فالأسرى في العالم، وخاصة في الدول الغربية, لهم حقوق مصانة لا يمكن تجاوزها والتمرد عليها أما أسرى المسلمين فلا حقوق لهم، وحتى تتخلص الولايات المتحدة الأمريكية من العهود والمواثيق الخاصة بالأسرى، والتي تحفظ لهم حقوقهم حتى يأذن الله تعالى لهم بالفرج، أمريكا تقوم بالتحايل على هذه الحقوق والمواثيق، فتقوم بنقل أسرى الولايات الأمريكية من المسلمين وغيرهم إلى مستعمراتها التي لا تخضع للمواثيق والعهود الدولية، وكمثال على ذلك نقلها لأسراها إلى مستعمرتها جوانتنامو، وهذه المستعمرة لا تنطبق عليها القوانين التي تحفظ للأسرى حقوقهم. إذًا، فالحروب فرضت علينا نحن المسلمين وذلك ما دام عند المسلمين من الكنوز ما يحتاج إليه الغرب، بل لقد بلغ الاستهتار والاستفزاز بأمريكا أنها تفتعل الأزمات في دولنا العربية والإسلامية، وتقوم بإشعال حرائق الحرب فيما بينها، ثم تلبس أمريكا ثياب المصلحين وتكون وسيطًا لحل هذه الأزمات وهي تتقاضى الملايين بل المليارات من الدولارات على إشعال هذه الحروب، وتتقاضى مثلها في إطفاء هذه الحروب، ولقد شهد شاهد من أهلها وهو الكاتب والمفكر الأمريكي نعوم تشومسكي الذي وصف ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية في العالمين العربي والإسلامي بأنه: تفتعل الأزمات في الخارج، وبالأخص في العالمين العربي والإسلامي من خلال تصديرها لأزماتها الداخلية، فهي حين تريد حل مشكلة البطالة عندها تتوسل إلى ذلك بإشعال الفتن في ديار المسلمين من أجل إدارة عجلة الإنتاج العسكري، وخدمة رؤوس الأموال والشركات العملاقة، بل لقد بلغت أمريكا في استفزازها واستخفافها بأنظمة وشعوب هذه الدول بأنها تصدر إليهم الخطط والمؤامرات، والتي تبدو في ظاهرها الرحمة وفي باطنها من قبلها العذاب، ومثال على ذلك ما أطلقت عليه وزيرة الخارجية الأمريكية (السابقة) كونداليزا رايس حين شغلت المسلمين بشعار «الفوضى الخَلاقة» وحين سمعنا بهذا الشعار تعجبنا كيف تجتمع الفوضى والخلق والإبداع في إيهاب واحد حتى تبين لنا المكر الذي هو يشبه مكر الصهاينة في التحايل على المواثيق والمعاهدات التي تنظم العلاقات بين الدول، نعم لقد تعجبنا في البداية من طرح مثل هذا الشعار ولكن بشيء من التدبر اكتشفنا أن الجهتين منفكتان أي أن الفوضى لجهة، والخلق والإبداع لجهة أخرى، أي أن الفوضى من نصيب المسلمين حين تسقط الأنظمة التي انتهت تواريخ صلاحيتها وكان يجب أن تسقط، ولكن بيد منَ؟، بيدنا لا بيد أمريكا، وأما الخلق والإبداع، وجني الثمار فهو لأمريكا حين تقوم بإعادة تشكيل الأنظمة السياسية وفق مصالحها حيث تستعملها كوسائل لحل أزماتها الداخلية، وإخراجها من حالة العسر الاقتصادي إلى حالة اليسر. لقد أثبتت هذه النظرية (الأمريكية) فاعليتها، وها هي الشعوب العربية تعاني الأزمات المتلاحقة جراء هذه الفوضى التي حققت لأمريكا مزيدًا من السيطرة والاستعلاء في ظل ضعف الأنظمة، وتمزق وحدة العرب والمسلمين. لقد كانت الأنظمة السابقة سيئة وكان يجب أن تسقط، ولكن السؤال هل أوضاع الدول التي حدثت فيها هذه الثورات أفضل الآن عن ذي قبل أم أسوأ؟ السؤال سوف يظل حائرًا وهو يبحث عن جواب يرضي جميع الأطراف المتصارعة على مقاعد السلطة في كل بلد عربي، ويبدو أن الجواب ليس موجودًا ولا متوافرًا عند من قاموا بهذه الثورات، وربما ينتظرون أن تأتيهم الإجابة معلبة ومعقمة من الخارج، وبالأخص من الولايات المتحدة الأمريكية ومكتوب عليها صنع في أمريكا (made in u.s.a). نعود مرة أخرى إلى أسباب ودواعي إثارة مثل هذه الأحاديث عن الحروب والتسلط، ونقول: إن السبب ليس حبًا في الحرب وافتعالاً لأسبابها كما تفعل أمريكا وبعض دول الغرب، ولكن لأنها حرب مفروضة علينا، وتحاول سلب إرادتنا، ونهب خيراتنا التي اقتضت حكمة الله تعالى أن يجعلها في أراضينا، ويجعل الغير مهما عظمت قوته واشتد بأسه محتاجًا إلينا، كما نحن الآن محتاجون إليه لسد النقص الذي عندنا في وسائل المعايش، والأمن. الحرب عندنا ليست غاية بل هي وسيلة، ولها أسبابها وشروطها، وذلك حين نتعرض للعدوان من غيرنا. واقرأوا قوله تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (8) إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون (9)» الممتحنة. هذا ما تقوم به أمريكا هذه الأيام، وما قامت به بريطانيا في الماضي حين زرعت الكيان الصهيوني الغادر، وكيف اجتمعت أمريكا وبريطانيا والصهاينة على حرب المسلمين وطرد الفلسطينيين من أرضهم، فبريطانيا زرعت، والصهيونية حاربت، وأمريكا ظاهرتهم على حربنا وإخراج أهلنا من أرضهم، وكأن الآية (9) من سورة الممتحنة تتحدث عما تقوم به الولايات المتحدة هذه الأيام، وما قامت به بريطانيا في الماضي، فقد زرعت بريطانيا الكيان الصهيوني في أرض فلسطين، وقام الإنكليز بمساعدة الصهاينة في قتال الشعب الفلسطيني وإخراجه من أرضه. إذا، فرسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يبدأ خصومه بالقتال، وكان ينتظر الإذن من الله تعالى، وكان صلى الله عليه وسلم حين يستعجله أصحابه بالقتال، كان يقول لهم: إني لم يؤذن لي بعد، وكان من وراء ذلك حكمة عظيمة إذ لو بدأ الرسول (صلى الله عليه وسلم) أعداءه بالقتال وهو في قلة من الأنصار الذين تفرقوا في الأمصار منهم من هاجر إلى الحبشة، ومنهم من هاجر إلى المدينة، وكان من الممكن وحالهم كهذه أن يقضى عليهم، فلما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وصارت له دولة، وجماعة نزل قوله تعالى: «أُذِنَ للذين يقاتَلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير (39) الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز (40) الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور(41)» سورة الحج. وحتى تكون الحرب شرعية ويثاب عليها المسلم ولا يؤاخذ جعلت لها شروط لا بد من توافرها حتى يأذن بها الله تعالى ويحرض عليها، بل قد تبلغ درجة الوجوب حين تكون لا بد منها لرفع الظلم عن المظلومين، ولرد الحقوق المنهوبة إلى أصحابها لذلك جعل الحق سبحانه وتعالى لها شروطًا يجب أن تراعى، وأسبابًا ينبغي أن تحترم، وهذه الشروط ثلاثة، أولها: أن تكون في سبيل الله، وثانيها: أن نقاتل من يقاتلنا، وثالثها: ألا نعتدي، أي ألا نتجاوز الحد بعد استرجاع حقوقنا من غاصبيها، لأن الله تعالى لا يحب المعتدين أي المتجاوزين حقوقهم إلى حقوق غيرهم حتى ولو كانوا من المسلمين! وبعد، فهذه هي الحرب في الإسلام، وفي شريعته السمحاء العادلة، وسيلة لرد العدوان الواقع أو المتوقع وليست غاية في ذاتها، وهي لا تطلب من أجل السيطرة والاستعلاء.
مشاركة :