أبوظبي:علي أسعد أكد مبارك راشد المنصوري، محافظ البنك المركزي، أن إنشاء اقتصاد مستدام ومتنوع والحفاظ عليه ركيزة مهمة في رؤية دولة الإمارات على المدى الطويل. ويتطلب الاقتصاد القوي والمتنوع نظاماً مصرفياً قوياً وقادراً على تحمل الصدمات، إلى جانب الوساطة المالية الناجعة والرقابة الفعالة. وقال المنصوري، في كلمة في الملتقى المصرفي في منطقة الشرق الأوسط الذي عقد أمس في أبوظبي، وفي حديث للصحفيين على هامش المؤتمر: «المصارف في الإمارات تؤدي دوراً بارزاً في تسهيل الأنشطة المالية وتعزيز النمو الاقتصادي غير المتصل بالطاقة. وبفضل ما يحظى به الاقتصاد من تنوع هنا في دولة الإمارات، ازداد دور القطاع الخاص في دعم اقتصادنا زيادةً تدريجية، مدعوماً بقطاع مالي نشط. تشير أحدث التوقعات من مصرف الإمارات المركزي إلى أن الاقتصاد مستمر في الانتعاش؛ حيث يُتوقع أن يبلغ إجمالي النمو 2,4 ٪ في عام 2019، بما في ذلك نمو بنسبة 1,4 ٪ في القطاعات غير المتصلة بالطاقة، ونمو بنسبة 5 ٪ في قطاع الطاقة». وتناول المنصوري أحدث مؤشرات القطاع المصرفي الإماراتي، إضافةً إلى مبادرات «المركزي» وإنجازاته في دعم القطاع المصرفي والنمو المستمر لاقتصاد البلاد. وقال: يُعدّ القطاع المصرفي في دولة الإمارات الأكبر في الشرق الأوسط وإفريقيا؛ حيث يبلغ إجمالي الأصول فيه 824 مليار دولار أمريكي (3022 مليار درهم إماراتي) مع نهاية سبتمبر/أيلول 2019. واتّسم نمو القطاع المصرفي في الإمارات بمؤشرات تعكس متانة الوضع المالي، وتشهد على ذلك كفاية رأس المال الإجمالي ومعدلات كفاية رأس المال من المستوى 1 بنسبة 17.7 ٪ و16.5 ٪. ويذكر أن كلا المعدلين أعلى بكثير من المعدلين اللذين تنص عليهما المتطلبات التنظيمية وهما 13% و8,5% على التوالي. علاوةً على ذلك، ما زال النظام المالي يتمتع بسيولة عالية؛ حيث تبلغ نسبة الأصول السائلة المؤهلة 17,6٪، وهي نسبة أعلى بكثير من الحد الأدنى الذي تنص عليه المتطلبات التنظيمية والبالغ 10٪. وجاء النظام المالي في الإمارات العربية المتحدة في المركز الحادي والثلاثين من بين 141 دولة، وذلك وفقاً لتقرير التنافسية العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي 2019. إضافةً إلى ذلك، تقع جميع التصنيفات الائتمانية للمصارف الوطنية في دولة الإمارات ضمن المستويات «A» أو بالقرب منها وفق ما حددته ثلاث وكالات تصنيف رئيسية. وازدادت الودائع بنسبة 4,3 ٪ على أساس سنوي حتى سبتمبر 2019، مدفوعة في المقام الأول بزيادة ودائع المقيمين بنسبة 5,9 ٪ على أساس سنوي، بينما حافظ نمو الائتمان على قوته، حيث نما بنسبة 5 ٪ خلال الفترة نفسها. بشكل عام، حافظ القطاع المصرفي الإماراتي على ربحيته؛ حيث ارتفع صافي الأرباح بنسبة 9.9٪ على أساس سنوي في الربع الأخير من عام 2018 ليبلغ 41 مليار درهم. وبقي العائد على الأصول (ROA) ثابتاً عند 11,5٪ في عام 2018، وارتفع إلى 12.8% في نهاية الربع الثالث من عام 2019. التوطين ورعاية شبابنا تابع المنصوري: «على سبيل التأكيد، توضح مؤشرات أداء القطاع المالي قوة النظام المصرفي في دولة الإمارات ومرونته. ولكن، باعتبارنا مجتمعاً مصرفياً، يجب ألا نفرط في شعورنا بالرضا في ظل عدم الاستقرار العالمي والتباطؤ الاقتصادي في العديد من الأسواق الناضجة». وقال المنصوري: من الأهمية بمكان أن نؤكد أن التوطين ورعاية شبابنا يقعان في صميم أنشطتنا عندما اعتمدنا استراتيجية التوطين تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر عام 2015. تشير أحدث البيانات إلى أن 26,1 ٪ من القوى العاملة في القطاع المصرفي من الإماراتيين. وبرأينا، يمكن أن يحتضن هذا القطاع المزدهر المزيد من الإماراتيين، وإننا نهدف إلى تحقيق زيادة في عددهم بما لا يقل عن 40 ٪ في السنوات الثلاث المقبلة. سيتم تحقيق ذلك من خلال تطبيق نظام النقاط؛ لضمان توزيع معقول لأولئك العاملين بين المصارف على أساس حجمها. يراعي نظام النقاط أيضاً المواقع التي يشغلها الإماراتيون في التسلسل الإداري للمؤسسات. ويبلغ عدد النقاط المستهدفة الذي نسعى لبلوغه بنهاية هذا العام 29736 نقطة، وقد أنجزت المصارف حتى الآن 28050 نقطة. وأضاف المنصوري، نراقب عن كثب التقدم الذي تحرزه المصارف ومبادراتها الرامية إلى إنجاز التوطين، وأودّ أن أؤكد هنا أن بعض الكيانات بحاجة إلى تسريع وتيرة توظيف الإماراتيين وتطويرهم. وأكد محافظ البنك المركزي أن المصرف يواصل رصد تدابيره وتعزيزها بغرض: ضمان أمان نظامنا المصرفي وسلامته. وحماية مصالح المودعين، مع تعزيز الشفافية والمعاملة العادلة. ولتحقيق هذه الأهداف، شرع «المركزي» في تنفيذ عدد من المبادرات، بما في ذلك تطبيق الإشراف المستند إلى المخاطر، وذلك بما يتوافق مع مبادئ بازل الأساسية للإشراف المصرفي الفعال. وتماشياً مع رؤية دولة الإمارات في أن تصبح مركزاً مالياً معترفاً به دولياً، وبصفتها عضواً مراقباً في لجنة بازل للإشراف المصرفي، نفّذ المصرف المركزي لوائح بازل 3 في دولة الإمارات. وتضمّن ذلك لوائح التعرض الكبير عام 2013 ولوائح مخاطر السيولة عام 2015 ولوائح رأس المال عام 2017. شارف تنفيذ إطار عمل بازل 3 لرأس المال في الإمارات العربية على الانتهاء، وذلك مع نشر المعايير والإرشادات التفصيلية في شهر يونيو/حزيران 2019. ويُقدّر التأثير الإجمالي لتنفيذ لوائح رأس المال المتوافقة مع إطار عمل بازل 3 على نسب المستوى 1 من الأسهم المشتركة لكل المصارف في دولة الإمارات بأقل من 100 نقطة أساسية. وأُنجِزَ نصف هذا التأثير في عام 2018، بينما سيرى النصف الثاني بحلول الربع الثاني من عام 2020. ويمنح ذلك القطاعَ المصرفي الوقت لاعتماد اللوائح الجديدة. وبفضل المستويات العالية لرأس المال والسيولة، لم يسبب تنفيذ معايير بازل 3 ضغطاً كبيراً على المصارف في دولة الإمارات. إضافةً إلى ذلك، يجري إنشاء فرق متخصصة للإشراف على أمن معلومات مكافحة غسل الأموال والسلوك السوقي والامتثال لأحكام الشريعة الإسلامية. وسينضم إلى هؤلاء المتخصصين فريق من المحللين الكميين الذين سيدرسون النماذج التي تستخدمها المصارف حالياً، بما فيها IFRS9. وبعد مشاورات واسعة النطاق في أوساط القطاع المصرفي، نُشرت لائحة حوكمة شركات خاصة بالمصارف في دولة الإمارات في شهر أغسطس/آب. ويعد هذا تطوراً كبيراً يؤكد أهمية ثقافة الحوكمة الرشيدة والكفاءة المنتظرة من كبار الموظفين الذين يديرون المصارف ويشغلونها. وقال «المنصوري» يعمل مصرف الإمارات المركزي مع القطاع المصرفي لمواصلة تطوير التمويل الإسلامي، وذلك بما يتماشى مع رؤية دولة الإمارات في أن تصبح مركزاً دولياً رائداً للتمويل الإسلامي. وفي الوقت الراهن، تمثل المصارف الإسلامية نسبة 18,7% من إجمالي أصول القطاع المصرفي في الإمارات، بينما بلغت نسبتا تمويلها الإجمالي وودائعها 21,4% و22% على التوالي من القيمة الإجمالية، وذلك مع نهاية شهر سبتمبر/أيلول 2019. دعم البنية التحتية ويتضمن الإطار المقترح من قبل مصرف الإمارات المركزي بشأن التمويل الإسلامي لوائح وتحسينات جديدة لدعم البنية التحتية، إضافةً إلى التدريب والتعليم. وهو يحدد الأهداف على المديين المتوسط والطويل لتطوير بيئة عالية المستوى ومتوافقة لتشجيع التمويل الإسلامي وتسهيله في دولة الإمارات. وسيتضمن الإطار التنظيمي الثنائي الناتج معايير تحوطية معترفاً بها دولياً للمصارف الإسلامية.وسيتم إشراك أصحاب المصلحة من القطاعات المحلية؛ للمساعدة في تحديد إطار العمل والبنية التحتية للسوق والتحسينات اللازمة لنمو هذا القطاع. وتدعم هذه المبادرات، جنباً إلى جنب مع عملنا المتواصل، الرؤية الوطنية للنمو المستمر والقادر على تحمّل الصدمات للتمويل الإسلامي في البلاد. وقال «المنصوري» يعدّ تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة أولوية قصوى لدى المصرف المركزي، حيث لا يحظى هذا القطاع بالقدر الكافي من الخدمات من مصارفنا فيما يتصل بتأمين التمويل المناسب. ولحشد مزيد من الدعم لهذا القطاع الحيوي من حيث إيجاد فرص العمل والتنويع وتعزيز الصادرات، أطلقنا في مصرف الإمارات المركزي مسحنا الأول عن الشركات بالغة الصغر والصغيرة والمتوسطة. شمل هذا المسح عيّنة كبيرة من الشركات بالغة الصغر والصغيرة والمتوسطة ذات الأنشطة المتنوعة والتي تنتمي إلى قطاعات مختلفة. وقد انتقينا عينة متنوعة من حيث أحجام الشركات ومواقعها وأسلوب ملكيتها بقصد تمثيل الشركات الصغيرة والمتوسطة في الإمارات على نحو مناسب. ومن شأن هذا المسح أن يوفر معلومات قيّمة وكمية بغرض استخدامها كأساس للبحث الذي يجريه المصرف المركزي باستمرار عن «عوامل تمكين حشد المزيد من الدعم للشركات الصغيرة والمتوسطة وتخفيف قيود التمويل، والذي يركز على القيود المالية التي تعرقل قدرة هذه الشركات على النمو بناءً على القوى السوقية الحالية. وقد صُمّم هذا المسح أيضاً لإلقاء الضوء على القيود الرئيسية التي يعدّها المقرضون عوائق مهمة تحول دون تأمين التمويل من المصارف وصناديق التنمية. وفي هذا الصدد، قال المنصوري: أود أن أشدد على أهمية التعاون القائم حالياً مع أصحاب المصلحة الرئيسيين لدينا لوضع اللمسات الأخيرة على استراتيجية وطنية لتطوير الشركات بالغة الصغر والصغيرة والمتوسطة، بما في ذلك العوامل التي تمكّن من تعزيز قابلية هذا القطاع لتلقي التمويل من المصارف، مع ضمان استدامة التنمية في دولة الإمارات بما يتماشى مع الرؤية الاستراتيجية للقيادة والمتمثلة في إقامة اقتصاد قائم على المعرفة ومتنوع وموجّه نحو التصدير استعداداً لعصر «ما بعد النفط». مكتب للتكنولوجيا المالية خطط مصرف الإمارات المركزي لتأسيس مكتب للتكنولوجيا المالية في المستقبل القريب؛ بهدف مواصلة الابتكار المالي في القطاع المصرفي لدولة الإمارات، وذلك بدعم من السلطات الوطنية. وستتمثل الأهداف الرئيسية لمكتب التكنولوجيا المالية التابع لمصرف الإمارات المركزي في ترسيخ مكانة المصرف كهيئة تنظيمية مسؤولة عن التنسيق، والجهة التي تعدّ المتطلبات التنظيمية الخاصة بالتحوط والسلوك السوقي، وتعمل على تمكين أنشطة التكنولوجيا المالية وتسهيلها في دولة الإمارات. وضع مصرف الإمارات المركزي استراتيجية للتكنولوجيا المالية وخريطة طريق تضم خمس ركائز استراتيجية للمساعدة في بناء بيئة التكنولوجيا المالية، وهي: الأولى هي البحث وتقديم المشورة وتطبيق حلول التكنولوجيا المالية لتلبية احتياجات القطاع المصرفي. والثانية تأسيس واجهة تنظيمية بين المشاركين في السوق والوظائف التنظيمية لمصرف الإمارات المركزي. أما الثالثة فهي تبادل أفكار التكنولوجيا المالية وتيسير المشاريع المشتركة بين السلطات الرئيسية وأصحاب المصلحة.والرابعة: تلبية الاحتياجات المتنامية للتكنولوجيا المالية في دولة الإمارات. والخامسة إنشاء نموذج شراكة مع السلطات التنظيمية الرئيسية عبر الحدود وأصحاب المصلحة. الإطار الرقابي قال المنصوري، إن مشروع عابر للعملة الرقمية مع السعودية ما زال مشروعاً تحت الدارسة، وحول البنوك الصغيرة التي هي تحت رقابة «المركزي» قال المنصوري: إن «المركزي» يراقب أعمال البنوك وأوضاعها، وأشار إلى أن حكومة الشارقة دخلت كشريك استراتيجي بحصة مهمة في بنك الاستثمار، وإن أوضاع البنك تسير بالشكل الصحيح. وأكد المنصوري أن البنك المركزي يتعاون مع اتحاد المصارف لوضع الإطار الرقابي والسقف لتمويل هذا القطاع بما يخدم مصلحة الاقتصاد الوطني وقطاعي المصارف والعقار، مشيراً إلى أن نسبة سقف التمويل للقطاع القاري حالياً 20% من الأصول المرجحة بالمخاطر، وقال إن هذه النسبة قد تتغير وفقاً لأوضاع القطاع العقاري والمصلحة الوطنية، لكن هذا الأمر ما زال في إطار المناقشات مع اتحاد المصارف. وحول تركيبة أصول القطاع المصرفي الأجنبية ومدى الأمان الذي تتمتع به في حال حدوث إضرابات أو أزمات مالية في الأسواق العالمية، أكد المنصوري على سلامة الأصول الأجنبية، وعدم وجود مخاطر أمام هذه الأصول في الخارج، وقال إن حجم أصولنا الأجنبية في الخارج تصل إلى ما بين 20%- 22% وهي في دول تتصف بقوة اقتصادها وملاءتها المالية، وهي في الأغلب استثمارات خاصة في السندات القابلة للتسييل.
مشاركة :