الخوف من انفراط عقد النظام يمنع استقالة رئيس الوزراء العراقي

  • 11/4/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عصفت الاحتجاجات المتصاعدة في العراق بصورة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي التي عمل مطوّلا على نحتها لنفسه وتسويقها باعتباره رجلا عمليّا حريصا على مهنيّته ومستعدّا للتضحية بالمنصب في أي وقت، حفاظا على استقلاليته حتى قيل عنه إنّه يحمل دائما استقالته في جيبه، وهو ما ثبت عكسه تماما عندما بدا الرجل متشبّثا بموقع رئاسة الحكومة رغم الحصيلة الكارثية لسنته الأولى في الحكم وعاصفة الاحتجاج الشعبي التي بدأت تخلخل أركان النظام برمّته. وتقول مصادر عراقية إنّ الرغبة الشخصية لرئيس الوزراء في البقاء بمنصبه تلتقي مع أسباب موضوعية وتستفيد منها. وتشرح ذات المصادر أنّ فكرة إقالة عبدالمهدي التي طُرحت للحظة وتمت مناقشتها في كلّ من بغداد وطهران، على سبيل التضحية بالرّجل حفاظا على النظام، تمّ التراجع عنها سريعا، بفعل مخاوف من انفلات الوضع وانفراط عقد النظام ذاته والعجز عن ملء الفراغ الذي سيحدث على رأس السلطة التنفيذية بسبب كثرة الخلافات الداخلية وصعوبة التوافق على من يخلف عبدالمهدي مع وجود أحزاب وشخصيات كثيرة طامعة في المنصب. ومن جهته أكّد مصدر مطلّع على نقاشات دارت بين ممثلين عن إيران وعدد من الشخصيات الحزبية المرموقة والأمنية، أنّ تقييم سيناريو إقالة عبدالمهدي أفضى إلى أنّ الإقالة لن تفضي إلى تهدئة الشارع، بل قد تزيد الحراك الاحتجاجي اشتعالا على غرار ما حدث في لبنان عندما شجّعت استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري المحتجّين على تصعيد حراكهم والرفع من سقف مطالبهم. وأكّد ذات المصدر أن قرار الإقالة أو الاستقالة ليس بيد السلطات والمؤسّسات العراقية من رئاسة الجمهورية إلى البرلمان، ولا هو بيد عبدالمهدي نفسه “فإيران لن تسمح له بالخروج على طريقته من دون ضمان بديل موال لها، وهذا ما جرى إبلاغه بوضوح لجميع الأطراف العراقية، بمن فيها المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني”. إيران لن تتردّد في إشعال حرب أهلية في العراق كحلّ أخير يتمّ اللجوء إليه بعد فشل جميع محاولات إخماد موجة الاحتجاجات وقال المصدر إنّ رئيس الجمهورية برهم صالح يدفع نحو إزاحة عبدالمهدي بأي ثمن، لكنه يواجه ممانعة إيرانية قوية. وبشأن الخلافات التي تفجّرت بمجرّد طرح سيناريو إقالة عبدالمهدي في الكواليس حول الأحقية بمن سيخلفه على رأس الحكومة، كشف المصدر نفسه أن عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة الذي يصنّف تياره ضمن المعارضة، اقترح تكليف وزير الشباب السابق عبدالحسين عبطان بتشكيل حكومة جديدة، وهو خيار لقي ترحيب هادي العامري زعيم ميليشيا بدر ومقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، لكن قاسم سليماني الضابط الإيراني الرفيع في الحرس الثوري الإيراني والمشرف على الملف العراقي رفض بشدة ترشيح عبطان. أمّا مرجعية النجف بقيادة السيستاني -يقول ذات المصدر- فتفضّل أن يكون البديل في حال سقوط رئيس الوزراء، هو رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي الذي طرح اسمه رديفا لعبدالمهدي خلال الجولة الأولى من مفاوضات تشكيل الحكومة. ويعطي هذا الترشيح صورة عامّة عن مقاييس المرجعية في تحديد مواصفات من يتولّى رئاسة الحكومة، وهي أن يكون مثل عادل عبدالمهدي صديقا للولايات المتحدة ومهادنا لدول الخليج، ويمكنه في نفس الوقت التعايش في ظل النفوذ الإيراني. وتريد مرجعية السيستاني أن تضمن بذلك الابتعاد عن إثارة المشاكل مع أي طرف، وبالتالي ضمان الهدوء واستمرار الوضع الذي تستفيد منه كثيرا وتستطيع من خلاله لعب دورها “الأبوي” وممارسة سلطاتها غير المحدودة. ولكنّ كل تلك الترشيحات تصطدم بصاحبة الكلمة الفصل إيران التي تخشى إن هي تخلّت عن عبدالمهدي أن تجد نفسها مضطرة لاستئناف “القتال” من جديد لتضمن ولاء خليفته. وقال مصدر مطلع على لقاء جرى مؤخرا بين عبدالمهدي وسليماني أنّ الأخير تعهّد بوضوح لرئيس الوزراء بالحفاظ عليه مثلما تمّ الحفاظ على الرئيس السوري بشار الأسد. وتسود إيران كما الأحزاب والميليشيات التابعة لها في العراق، حالة من الحيرة الشديدة إزاء موجة الاحتجاجات التي لم تُجْد معها وعود المسؤولين بتحسين الأوضاع، ولا القمع الشديد الذي وُوجه به المتظاهرون المصرّون على مواصلة حراكهم، بل وتصعيده. ووسط دعوات الناشطين إلى عصيان مدني، تزايدت المشاركة في الحركة الاحتجاجية لتشمل نقابات بينها نقابة المعلمين التي أعلنت إضرابا عاما أدى إلى شلل في معظم المدارس الحكومية بالعاصمة ومحافظات الجنوب. كما أعلنت نقابات المهندسين والمحامين والأطباء الدخول في إضراب عام دعما للاحتجاجات. وفي بغداد، قام متظاهرون، الأحد، بقطع الطرق الرئيسية في أحياء متفرقة بينها مدينة الصدر ذات الغالبية الشيعية بسيارات لمنع حركة السير. وشهدت مدن أخرى في جنوب البلاد إضرابات مماثلة بينها الديوانية، حيث علق المتظاهرون لافتة كبيرة على مبنى مجلس المحافظة كتب عليها “مغلق بأمر الشعب”. وامتنع العديد من الموظفين عن الذهاب إلى أعمالهم في مدينة الحلة بمحافظة بابل جنوب بغداد، وسط إغلاق لمعظم الدوائر الحكومية. وفي البصرة، أغنى محافظات البلاد بالنفط وحيث المنفذ البحري الوحيد للبلاد، أغلقت المدارس الحكومية للمرة الأولى منذ اندلاع الاحتجاجات بداية الشهر الماضي. كما واصل المحتجون إغلاق الطريق الرئيسي المؤدي إلى ميناء أم قصر، أحد المنافذ البحرية الرئيسية لاستيراد المواد الغذائية والطبية وغيرها. ويقول متابعون للشأن العراقي، إنّ طهران التي وضعتها الهبّة الشعبية في كلّ من لبنان والعراق أمام تحدّ غير مسبوق لنفوذها لن تتردّد في حال استنفاد كلّ الحلول لحماية النظام العراقي من السقوط في إشعال حرب أهلية وقودها الفصائل الموالية لها من جهة والتيار الصدري من جهة مقابلة. وبات حديث الحرب الأهلية يُسمع بوضوح في كواليس المنطقة الخضراء.

مشاركة :