لماذا لا يهتم العرب بالكتاب السينمائي؟

  • 11/6/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تثير معارض الكتب أسئلة كثيرة ومتشعبة، تتعلق بحضور نوعية معينة من الكتب المتخصصة، مثل الكتب المتصلة بالفنون البصرية نقدياً وجمالياً وتثقيفياً، فثمة اعتقاد شائع بأن الكتاب الفني إجمالاً -والسينمائي في شكل خاص- نادر في معارض الكتب، ولعل معرض الشارقة الدولي للكتاب فرصة سانحة لإعادة طرح سؤال الكتاب السينمائي وأسباب ندرته. رغم قلة وجود الكتب السينمائية، خاصة النقدية منها، إلا أن من يجول بين أروقة ودور النشر بالمعرض، يلاحظ وجود بعض المؤسسات والهيئات المهتمة بطباعة وتوزيع الكتب السينمائية، وهي هيئات تفصح عن توجه ثقافي رصين، ومُؤسَّس على وعي حقيقي تجاه السينما، وأهمية حضورها وتأثيرها، ولكن إسهامات هذه الدور تظل معلّقة بهوى القائمين عليها، ولا تشكل ظاهرة عامة وملحوظة بقوة، رغم جهودها المقدّرة في هذا المجال. وللتعرف على سبب ندرة الكتب السينمائية في معارض الكتب العربية، التقت «الاتحاد» بعدد من المسؤولين والقائمين على دور النشر الإماراتية والعربية، المهتمة بالنتاجات النوعية في الحقول السينمائية المختلفة، من أجل الاطلاع على أحدث إصداراتها المتعلقة بعالم الأفلام وانشغالاتها، وللكشف أيضاً عن العوامل المعيقة لامتداد خريطة النشر بالنسبة للكتب السينمائية، التي لا توازي ولا تماثل الحضور الجماهيري الجامح والمكثّف لمشاهدة الأفلام في صالات العرض التجارية وفي المهرجانات السينمائية. يوضح سعيد حمدان، مدير إدارة النشر بدائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، التي يتبع لها مشروع «كلمة»، أن إصدارات المشروع لها بعد ثقافي وتنويري، يهتم بمختلف المعارف والعلوم، ومن ضمنها سلسلة الكتب التوثيقية والإرشادية في عالم السينما، مثل كتاب «الإخراج السينمائي، تقنياته وجمالياته»، الذي وصفه بالكتاب المهم جداً بالنسبة لكل من يعمل في صناعة السينما، لأنه يغطي كافة جوانب عملية الإخراج السينمائي، وكيف يمكن للمخرج أن يشق طريقه في هذا المجال، ويقوم بتطوير خبراته ومهاراته، وكتاب «جماليات الفيلم»، الذي يقدم الحصيلة النظرية لأهم المقاربات السينمائية التي يتناولها عرضاً ونقداً، وكتاب «السينما والثقافة الفنية العالمية في القرن العشرين»، وهو كتاب يستعرض ثقافة الفن السينمائي ونشأته وتطوره، ويقدم قاعدة معلومات مدعومة بالصور عن أهم الأحداث السينمائية والأفلام العالمية، منذ اختراع السينما وخلال حقب حافلة بالتغيير في العالم برمّته. انحسار السينما وعن سبب قلة الكتب السينمائية تحديداً والفنية عموماً في المكتبة العربية، مقارنةً بالكتب الأدبية والتاريخية على سبيل المثال، أجاب سعيد حمدان بأن السبب يعود إلى أن معظم دور النشر تجارية الطابع، وتسعى لزيادة مبيعاتها وتحقيق أرباح في النهاية، فتعمل على استقطاب المؤلفين المشهورين في مجال الرواية مثلاً، والتي تلقى رواجاً وسط القرّاء العرب، بينما الكتب المهتمة بفن السينما لا يقبل عليها سوى شريحة قليلة تمثل النخبة من هؤلاء القرّاء، واستطرد حمدان قائلاً: «ليس للناشر يد فاعلة في هذا الأمر، لأنه أمر يعود لواقع السينما نفسها في الوطن العربي، والتي لم تعد مزدهرة كما هو الحال في العقود السابقة، لقد انحسر الحضور السينمائي لدينا، وهناك مهرجانات محلية وعربية ألغيت، فانعكس ذلك سلباً على حركة طباعة وترجمة الكتب السينمائية، إلا فيما ندر بالنسبة لمؤسسات وهيئات حكومية غير معنية بالربح التجاري، لأن هدفها الأساس هو نشر وتعميم الثقافة بصنوفها وتخصصاتها المختلفة». وحول عدم وجود دار نشر عربية متخصصة في نشر الثقافة السينمائية تحديداً، أشار حمدان لعدة أسباب، منها: غياب الفاعلية الثقافية للسينما على المستوى العربي، وقلة الدعم للأفلام الفنية المستقلة، وخفوت الهاجس المحفز على ولادات سينمائية عربية كبرى، ونوّه إلى وجود نماذج نادرة تحقق فيها هذا الحلم سابقاً، بعد انطلاق مهرجان أفلام من الإمارات بالمجمع الثقافي بأبوظبي في العام 2001، والذي رافقه نشر عدد كبير من الكرّاسات السينمائية النوعية، التي وصل عددها إلى ما يزيد على ثلاثين عنواناً خلال الدورات المتعاقبة للمهرجان، مضيفاً: «لكن للأسف توقف هذا الحلم بعد إلغاء المهرجان، وغياب الحافز الحقيقي وراء إصدار تلك المؤلفات ذات البعد الثقافي والمعرفي العميق في مجالات وتخصصات فن السينما». نتاج الواقع بدوره، قال أحمد العلي، مدير تحرير دار «روايات»، التابعة لمجموعة كلمات للنشر والتوزيع بالشارقة، إن الدار تعمل حالياً على إصدار سلسلة متواصلة من الكتب السينمائية، بعد تلمسها لهذا الفراغ الحاصل في المكتبة العربية تجاه عالم الأفلام، لتلبي حاجة الكثير من الشباب المتطلعين لتطوير ثقافتهم السينمائية، مضيفاً أن: أول إصدارات الدار تمثّل في كتاب يحوي الترجمة الكاملة لسيناريو فيلم «أوديب ملكاً» للمخرج والسيناريست والشاعر الإيطالي الشهير بيير باولو بازوليني، حيث تصدى لترجمة سيناريو الفيلم كاملاً، الناقد السينمائي البحريني أمين صالح، مضيفاً أن: الكتاب ملهم، لأنه نقل عملاً مسرحياً عتيداً، كتبه سوفوكليس قبل الميلاد بأربعة عقود، إلى الشاشة السينمائية من خلال إمكانات إبداعية مذهلة لبازوليني، ويمكن لمن يشاهد الفيلم ويقرأ السيناريو في ذات الوقت -كما أوضح العلي- أن يلمّ بتفاصيل دقيقة تتعلق بحركة الكاميرا، وبالعمل السينمائي الاحترافي، مضيفاً أن: القراءة المتمعنة لسيناريو الفيلم سوف تضيف للشباب السينمائيين العرب عدّة معرفية وافية تجاه تقنيات وأساليب الإخراج، ومن منبع أصيل ومنتمٍ بقوة للسينما الفنية والشعرية. وأكّد العلي، أن خطة الدار التالية، هي طباعة سيناريوهات لكلاسيكيات السينما، ثم لأفلام ومسلسلات محلية وعربية، تم إنتاجها ولقيت صدى إيجابياً في السياق النقدي الرصين لحضورها وتأثيرها النوعي، مضيفاً أن: الفقر السينمائي في الخليج وفي الوطن العربي لا يتمثل في غياب المخرجين الجيدين، ولكن في غياب كتّاب السيناريو الجيدين، وقال العلي: إن الهدف من الإصدارات القادمة للدار هو سدّ هذه الفجوة، وخلق قاعدة من كتّاب السيناريو الإماراتيين والخليجيين والعرب المتميزين، والقادرين على إعادة بعث السينما الحقيقية والمؤثرة بمنطقتنا. وحول قلة عدد الكتب السينمائية عموماً في دور النشر العربية، وعدم وجود مكتبات متخصصة في هذا المجال، قال العلي: إن قلة عدد الكتب السينمائية هو نتاج لواقع ثقافي عام، صنعته ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية، وعندما تتعافى المجتمعات العربية من تبعات هذه الظروف الضاغطة، فإن ازدهار الفنون عموماً، وفن السينما خصوصاً، سيدفع بحركة طباعة الكتب السينمائية نحو اتجاه تصاعدي ومغاير تماماً لما نراه حالياً. قحط سينمائي أما تامر مصطفى، مدير المبيعات بالمركز القومي للترجمة بمصر، فيشير إلى أن المركز يقدم للقارئ العربي المهتم بالسينما مجموعة واسعة وطيفاً متنوعاً من الإصدارات السينمائية، وخصوصاً ما يتعلق بصناعة الأفلام الرقمية، والتي تتضمن دليلاً عملياً لإنتاج هذه النوعية الخاصة من الأفلام، مضيفاً أن: ما تقدمه الدار في هذا السياق، يغطي نقصاً كبيراً في المكتبة السينمائية العربية، فهي تقدم شرحاً تفصيلياً للأسس النظرية التي قامت عليها صناعة الأفلام رقمياً منذ لحظة البحث عن الفكرة، حتى لحظة الاستقرار على شكل النسخة النهائية، واختيار وسيط لعرضها وتداولها، إضافة لكتب سينمائية أخرى مهمة ترجمها المركز القومي، تتضمن محاضرات لمخرجين سينمائيين عالميين، وكتاب حول فن الإخراج السينمائي، وموسوعة سينمائية شاملة، وكتاب عن كيفية قراءة الأفلام، وكتاب عن فن الكوميديا السينمائية، وترجمة لكتاب «الاحتفالية المئوية للسينما الإسبانية»، وغيرها من الكتب ذات المحتوى التثقيفي، التي تقدم إضاءات حول تجارب سينمائية متنوعة حول العالم. وفي سؤال عن الحلقة المفقودة في الثقافة السينمائية العربية، وكيفية تجاوز حالة القحط المعرفي تجاه السينما، أجاب تامر مصطفى أن: الأمر له علاقة بالحالة الأكاديمية والصناعة السينمائية والاهتمام بالفنون، وهو أمر متفاوت بين الدول العربية، وأكّد مصطفى أن دور النشر الخاصة لا يمكنها أن تعتمد على مجال فني واحد، تكرس له كل جهودها في الطباعة والنشر والتوزيع، ولكن يمكن -كما أضاف- أن تنجح هيئات النشر الحكومية في ذلك، بوساطة الدعم المادي ورأس المال الذي لا ينتظر مردوداً، بل يقدم خدمة للمجتمع ترقى بذائقته، وتنمي فيه روح المعرفة والإبداع والشغف بالفنون. طغيان الحس الاستهلاكي من جهته، يرى إيهاب الرفاعي، مدير التسويق بدار الهلال -مصر، أن الإشكالية المتعلقة بالكتب السينمائية وقلة تداولها بين القراء، تعود بالأساس إلى الحس الاستهلاكي الطاغي على هذا الجمهور، وإلى الثقافة العابرة والمتبخرة المهيمنة عليه فيما يتعلق بخياراته السينمائية، فهو يختار المجلات الفنية، والأفلام ذات الطابع الترفيهي، القائمة على الإثارة والعنف والرعب والكوميديا، وبالتالي فهو جمهور لا يهتم بالأبعاد الجمالية للأفلام، ولا بمدارس السينما وتياراتها، على عكس ما يحدث في الغرب، حيث نجد مكتبات متخصصة في بيع الكتب السينمائية المهتمة بنقد الأفلام، والقراءات المعمقة، والجمهور السينمائي هناك - كما أشار- متابع للمهرجانات السينمائية العريقة، مثل كان وفينيسيا وبرلين وغيرها، لذلك فهو جمهور واعٍ ومثقف تجاه تحولات السينما في بلدانها، وفي بلدان العالم المشاركة بأفلامها في هذه المهرجانات، والتي تجد لها مكاناً في صالات العرض بالمدن الأوروبية، وتكون متاحة للجميع، بينما نرى في بلداننا العربية أن الأفلام التجارية ذات الخطاب السطحي هي المهيمنة على معظم صالات العرض العربية، ما يترجم بالتالي حالة الضعف الملحوظ في بنية الطباعة والنشر للكتب السينمائية، بما تتضمنه من مناهج ودراسات وتيارات ومتابعات نقدية وتحليلية. وأضاف الرفاعي، أن دار الهلال قدمت لقرائها عدداً من الكتب السينمائية، مثل: «فن الأفيش في السينما المصرية»، وكتاب «السينما ما زالت تقول لا»، وكتاب «أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية»، وكتاب «رحلة في السينما العالمية»، ولكن الإقبال على هذه الكتب -كما أشار- لا يقارن بالإقبال على كتب الروايات والقصص والكتب التاريخية والدينية، وهذا التراجع الملحوظ في تداول الكتب السينمائية - كما أوضح الرفاعي- هو رهن الثقافة العامة للمجتمع، والتي تميل في فترات معينة لنوعية خاصة من الكتب، تخاطب تبعات المرحلة وتفاصيلها السائدة، وتستقطب بالتالي الشريحة الأكبر من القرّاء.

مشاركة :