لا تخلو العلاقات الاجتماعية من السلبيات الكثيرة المؤثرة في التفاهم والتعاون والتسامح وغيرها من مكونات أساسية في استقرار المجتمع، ويلاحظ ذلك في أشكال مختلفة من سلوكيات تعكس الخلل وغياب الضوابط أو القواعد الحاكمة للتعقل في التصرفات، وعدم الخروج عن الأعراف والأخلاق والقيم التي ينبغي المحافظة عليها. صور الخلل كثيرة منها الكراهية والتسلط والانتقام باستخدام التدليس والكذب والتحايل والنفاق وغيرها. نقول ذلك بعد أن انتشرت بيننا ظاهرة غريبة تعكس مرضا اجتماعيا ونفسيا عند البعض يتمثل في التصادم وحب المواجهة والانتقام فتكون النتيجة أقرب إلى ما يسمى «تصفية الحسابات» بين الأفراد العاملين في مختلف المؤسسات الحكومية، وحتى داخل الأسرة الواحدة حيث النزاعات بين الأبناء والآباء، أو بين الأمهات والآباء. إن ظاهرة «تصفية الحسابات» أصبحت لافتة للنظر في مختلف القطاعات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتتباين حدتها واتساعها بحسب طبيعة المشكلات وأنماطها، لكن النتيجة واحدة وهي أن مصدرها الصراع أو النزاع بين الأفراد نتيجة لعوامل مختلفة أبرزها العناد والانتقام والفزعة والخصومة. إن الأمثلة على تصفية الحسابات كثيرة يمكن بسهولة الاستدلال عليها والتعرف على خطورتها ودورها في تمزيق النسيج الاجتماعي. فقد يأتي وزير جديد هدفه تصفية حساباته مع القيادات القديمة في الوزارة، أو يستجوب عضو البرلمان الوزير من أجل تصفية حساباته التي تتمثل في إحراج الوزير والمساس بشخصه لأن معاملات النائب لم تنفذ أو لم يوافق عليها الوزير المستجوب، أو نزاع عائلي تافه أو انتقام من مدير لآخر وهكذا من صور النزاعات المرهقة للقضاء. ولقد أشار منذ فترة المستشار بن ناجي رئيس محكمة الاستئناف إلى أن الكثير من القضايا ترفع من أطراف ضد آخرين بينما لا يستدعي الأمر ذلك، و يمكن التفاهم عليها. فلماذا يذهب البعض للمحكمة من أجل ثلاثة دنانير له بينما تكلفه القضية ربما الآلاف؟ ولماذا ترفع أطراف قضايا ضد آخرين رغم علمها بأنها خاسرة لعدم توافر البرهان؟ لا شك أن الخصومات بين الأفراد مشكلة لا ينبغي أن تشغل المحاكم في الوقت الذي ينبغي أن يعطى المجال للقضاء لكي يسخر كل جهده في معالجة المشكلات المهمة وفي زمن معقول. إن تصفية الحسابات لا تقتصر على التقاضي فقط، وإنما قد تحدث في أروقة القطاعات القانونية في الوزارات أو تحال إلى النيابة العامة نتيجة لخصومات أو أسباب كيدية لا توجد لها مبررات وأدلة، وبالتالي تحفظ. لا شك أن التصفية الشخصية في الشؤون العامة للدولة تشكل خطورة بالغة مقارنة بالنزاعات بين أفراد أو أشخاص لديهم ما يدعو للجوء للقضاء، ولعل ما حدث في الآونة الأخيرة من نزاع بين أطراف أدت إلى تدخل القضاء في حفظ ما يسمى «بلاغ الفتنة»، وكذلك اتهام القضاء كل ذلك دليل على الرغبة الجامحة لدى البعض في التحدي وتصفية الحسابات في الوقت الذي ينبغي أن يحترم الجميع القانون، ولا يتعدى على حقوق الآخرين باتباع وسائل تهدف إلى الفتنة والتخريب والمساس بالناس والدولة. yaqub44@hotmail.com
مشاركة :