* لم يشهد الصراع العربي - الإسرائيلي انحيازًا سياسيًّا وإعلاميًّا في بريطانيا لصالح الحركة الصهيونية، كما شهدته حقبة الزعيم العمالي هارولد ويلسون Wilson، ولكن حرب 1967م أنتجت وعيًا جديدًا داخل الحزب الذي كان يحكم بريطانيا في الحقبة (1964-1970)، حيث استطاع بعض نواب الحزب المدافعين عن الحقوق الفلسطينية -عن اقتناع- تنظيم أنفسهم، وذلك من خلال إنشاء مجلس حزب العمال لقضايا الشرق الأوسط، وكان ذلك في عام 1969م، وتم اختيار السياسي والكاتب الراحل كريستوفر مايهو Mayhew رئيسًا له، ولعل الأمر يبدو ضئيلاً ومتأخرًا بالمقارنة بالهيئات الصهيونية التي كانت تدافع عن سياسة إسرائيل، حيث يعود تاريخ إنشاء المنظمة الاشتراكية الصهيونية داخل حزب العمال والمعروفة باسم: Paole-Zion، إلى ما يقرب من قرن من الزمن، أي مع البدايات الأولى لإنشاء حزب العمال نفسه. * عند اندلاع حرب أكتوبر 1973م، كان حزب المحافظين يحكم بريطانيا، وذلك بعد أن خسر حزب العمال الانتخابات لصالح المحافظين بزعامة إدوارد هيث، وكان وزير خارجيته سير دوقلاس هوم أعلن -آنذاك- في مجلس العموم أن حكومته لن تبيع قطع غيار السلاح البريطاني الصنع -أثناء الحرب- لأطراف النزاع الرئيسة، بما فيها إسرائيل، إضافة إلى عدم السماح للطائرات الأمريكية، والتي تحمل عتادًا لإسرائيل من التزوّد بالوقود في المطارات البريطانية، ومثّل هذا القرار صدمة لأنصار اللوبي الصهيوني داخل مجلس العموم البريطاني، وفي مقدمتهم زعيم المعارضة (ويلسون)، وبسبب الحظر النفطي الذي مارسته منظمة أوابك (OAPEC) تضررت بريطانيا كبقية الدول الغربية من جرّاء ذلك، مع أنه لم يغب عن سياسة المملكة العربية السعودية -آنذاك- والتي كانت رائدة لذلك الحظر، الموقف الإيجابي لحكومة المحافظين، والتي استقبل رئيس وزرائها -آنذاك- هيث Heath، بعض المسؤولين العرب، والسعوديين في محاولة لدعم «هيث» الذي كان يواجه ضغطًا سياسيًّا من النقابات العمالية، وخصوصًا ذات التوجه اليساري المتشدد والتي تسببت في سقوط حكومة المحافظين، وصعود ويلسون من جديد رئيسًا للوزراء في حكومة أقلية عمالية في الانتخابات التي جرت في شهر مارس 1974م. * لم يعترف حزب العمال بالحقوق الفلسطينية إلاّ مع نهاية السبعينيات الميلادية -أي مع بداية بروز الحركة اليسارية- والتي كان من أهم رموزها النائب مايكل فووت Foot، الذي أضحى زعيمًا للمعارضة عام 1980م، حيث عاد المحافظون من جديد للمشهد السياسي بزعامة مارجريت تاتشر Thatcher، والتي كانت تمثل دائرة فينشلي: Finchley، ذات الغالبية اليهودية، واستطاع السياسي اليهودي ذو الميول اليمينية المتشددة سير كيث جوزيف Joseph، أن يؤثّر في شخصية تاتشر، وانعكس ذلك على موقفها السلبي من القضية الفلسطينية، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث تخلصت من الشخصيات المتعاطفة مع الفلسطينيين مثل: إيان غليمور Gilmour، وبيتر كارينغتون Carrington، وفرانسيس بيم Pym. * تداعت لذهني هذه الدراما السياسية بعد خسارة حزب العمال الانتخابات البريطانية الأخيرة لصالح المحافظين، وكان «العمال» هو الحزب الوحيد الذي أشار في حملته الانتخابية لخيار الدولة الفلسطينية، وذلك يعود للعقلية المتفتحة التي يملكها زعيم الحزب إد ميلباند: Miliband، على الرغم من جذوره اليهودية، ولعل الفارق في معظم الأحوال بين اليهودي الأمريكي واليهودي البريطاني هو أن الأول ولاؤه للحركة الصهيونية، بينما الثاني لا يرتهن لمثل هذه الأيدلوجية، ولعلي أستشهد أكثر من مرة بموقف النائب العمالي المعروف ذي الجذور اليهودية -أيضًا- جيرالد كوفمان Kaufman، والذي ربما يفوق تحمسه لقيام الدولة الفلسطينية بعض الشخصيات العربية التي تقطن الغرب ولكنها تنسى قضاياها المصيرية.
مشاركة :