لاجئون أفارقة يرمون أحلامهم في شباك كرة القدم

  • 11/8/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

سلك لاجئون أفارقة في مصر باب تأسيس مدارس رياضية كوسيلة للاندماج في المجتمع عبر بوابة كرة القدم، والحصول على فرص لأبنائهم في اللعب بالدوري المصري أو تأهيلهم للاحتراف في الخارج، وقد حملوا في الوقت ذاته رسالة تتعدّى مجال الرياضة لتبرز قيم الانفتاح والسلام والتسامح. يلتقي صغار أكاديمية المدرب أدوني بترشيو، الشهير بـ”الكابتن جمعة” يوم الجمعة على السابعة صباحا من كل أسبوع، بأحد مراكز الشباب في حي المعادي جنوب القاهرة، ليتعلموا أساسيات تمرير الكرة وفنيات التصويب والضغط على المنافس والدفاع والهجوم، ويختبرون أداءهم في مراكز مختلفة داخل الملعب وصولا إلى التوظيف المناسب لإمكانياتهم. يبدو أن بترشيو، الذي يحمل جنسية جنوب السودان، اختار موعد التدريب بعناية ليواكب الإجازة الأسبوعية في مصر، وفي وقت لا يزال أغلب الناس نياما، ربما قصد تحاشي تعرض الصغار للتنمر حال تحركهم كجماعات، على عكس الشباب الأكبر سنا الذين يتولى تدريبهم مساء الأحد من كل أسبوع. تتعدى أهداف الأكاديمية التدريب على إتقان التصرف بالكرة إلى الاعتناء بالتربية الوجدانية ونشر ثقافة التسامح بين أطفال جاء معظمهم من بيئات شهدت اقتتالا وشروخا نفسية وهجر الأصدقاء والمعارف، أملا في اقتناعهم بحياة تخلو من الفوارق العرقية، وتحقيق شعار الكل في الإنسانية سواء. يسيطر على الأشبال الصغار، الذين يتحدث بعضهم العربية بصعوبة، حلم الانتقال إلى الدوري الإنكليزي؛ يقلد أحدهم حركة المصري محمد صلاح المتشعبة من عالم اليوغا، أو يعيد إشارة السنغالي ساديو مانيه المعتادة بعد إحراز الأهداف لمن صنعها وهيّأها له. أكاديمية الكابتن جمعة تدرب لاعبين من الصومال وجنوب السودان وإريتريا أعمارهم بين 4 سنوات وحتى 22 عاما في فرق مختلفة تتجه أنظار المدرب إلى الإيفواري دروغبا، ويعتبره قديسا نجح قبل 14 عاما في وقف الحرب الأهلية ببلاده الكوت ديفوار، من خلال خطاب شهير عقب وصول الفريق إلى نهائيات كأس العالم، ودعا عبره إلى وقف العنف، وقد نجح في مسعاه حيث أقبل جميع الإيفواريين على مشاهدة فريقهم في أهم بطولة دولية، متناسين ضغائن الماضي الإثنية والدينية. يقول المدرب أدوني بترشيو، لـ”العرب”، إن مؤسستته الشهيرة بـ”أكاديمية الكابتن جمعة”، تضم متدربين من الصومال وجنوب السودان وإريتريا، بإجمالي 215 لاعبا في أعمار تتراوح بين 4 سنوات وحتى 22 عاما مقسمين إلى فرق مختلفة، إلى جانب 5 مصريين فضلوا التدريب، مع عناصر بدنية قوية لاكتساب المزيد من الخبرة، لكنهم يتغيبون كثيرا خلال العام الدراسي. تفتقر الأكاديمية الصغيرة إلى التمويل الكافي الذي يجعلها منافسا لمدراس الكرة التابعة للأندية المصرية، لكنها تلجأ إلى البدائل البسيطة للوصول بلاعبيها إلى الاحترافية، ولا تتشدد في المطالب كي لا ترهق الأسر ماليا، فلا تشترط زيا رياضيا كاملا بلون موحد، وتترك لكل لاعب ارتداء المتوافر لديه، فالمظهر عنصر مكمّل وليس أساسيا و الموهبة هي الأهم بالأساس. تتعلق أعين الصغار بالدوريات الأوروبية، ويبدو الأمر بالنسبة إليهم حلما مزدوجا بأن يعيشوا في مجتمعات متطورة، ويحققوا شهرة وأموالا في الوقت ذاته عبر بوابة كرة القدم، أو ربما قد يحصل بعضهم على جنسية ويلعب باسم منتخب غربي، كالمتجنسين الذين باتوا ظاهرة كروية. يضيف أدوني قائلا، إن أكاديميته “تخدم في المقام الأول المنتخبات الوطنية، ونجحت في توفير عناصر لصالح منتخبات مثل اللاعبين هنري وبتري اللذين التحقا بمنتخب جنوب السودان للناشئين تحت 22 سنة، ويمثلان بلدهما في البطولات القارية حاليا”. يلعب المدرب دورا في متابعة حياة اللاعبين خارج المستطيل الأخضر وينهاهم عن ممارسات قد تهدد حياتهم في كرة القدم كتدخين السجائر، وقد يصادف مواهب شابة تلعب في شوارع المناطق المعروفة باحتوائها على عدد كبير من أبناء اللاجئين الأفارقة، فيتوجه إلى أسرهم ويعرض عليها ضمهم لأكاديميته.لا يتلقى بترشيو سوى 15 جنيها (أقل من دولار) مقابل كل جلسة تدريب يستأجر منها الملعب، لكنه ما زال يجاهد من أجل اجتذاب مكتشفي اللاعبين في الدوري المصري، لحضور جلسات التمارين أملا في تقديم عناصره إليهم كبدلاء للوجوه السمراء الجديدة التي يتم استقطابها من الدوريات الأفريقية، واللعب على وتر التكلفة الأقل ومعرفة لاعبيه باللغة العربية. والحال لا يختلف كثيرا في أكاديمية “جذور النوبة” التي أسسها اللاعب السوداني السابق آدم شيخ الدين عبدالله، الذي كرس حياته للعب كرة القدم، وتضم عددا من أبناء اللاجئين الأفارقة في حي مدينة نصر بشرقي القاهرة، إلا في رعايته لأبناء طالبي اللجوء دون انتظار حصولهم عليه رسميا. يتعاون مع “جذور النوبة”، التي اختارت اسما يخطف أسماع المصريين، مدربون ورياضيون سابقون يقيمون في القاهرة، معظمهم يتبرع بوقته دون مقابل لإنجاح المشروع الذي رفض دعمه ماليا فرع مفوضية اللاجئين بمصر، لعدم وجود الرياضة ضمن أجندتها، رغم الأهداف التي تتضمنها وتنص على توفير متسع لأبنائهم بهدف ممارسة هواياتهم والاحتراف والاندماج في المجتمع. يرى مدربون أن دورهم الأساسي يكمن في توظيف الرياضة كجسر يعبر عليه أبناء شعوب القارة الأفريقية نحو بناء مستقبل مشترك، بعيدا عن الحساسيات الدينية أو التاريخية، فكرة القدم تعتبر الشيء الوحيد الذي يتفق عليه المتنازعون في الدول الأفريقية باستثناء بعض المتطرفين الذين يحرمون مزاولتها. يحمل ريال غوزيف، مؤسس أكاديمية “نجوم المستقبل” بكرة القدم بالقاهرة، رسالة تتعلق بتحقيق وحدة رياضية بين شمال السودان وجنوبه من بوابة كرة القدم عبر 100 طفل يتولى تدريبهم، يتقاسمون معا الضحكات والطعام في شكل مجموعات متنافسة لا تعرف خلال لعبها معنى لحساسيات الحدود وخلافات الماضي واتفاقيات الانفصال. يشترط غوزيف، الذي جاء إلى مصر هاربا مع أسرته من الحرب الأهلية في السودان في عمر 11 عاما وحصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، فرع الخرطوم، ألّا يكون احتراف كرة القدم على حساب التعليم الإلزامي، فهما يسيران في خط متواز ولا أولوية لأحدهما على الآخر. تحاول المدارس الكروية الاندماج في الوسط الرياضي بالقاهرة عبر الدخول في منافسات مع مدارس مصرية مختلفة، والمشاركة في الفعاليات الرياضية الموسمية والاحتفالات الخاصة، لتحقيق الدعاية المجانية، واكتشاف نقاط الضعف لدى لاعبيها عند احتكاكهم بآخرين أكثر احترافا. كما أنها تراهن على الدوري المصري وتنامي الاستثمار في كرة القدم من خلال دخول الاستثمار العربي إليها كتجربة نادي “بيراميدز”، بما يفتح مجالا واسعا للأطفال الصغار، فالأمر مرهون بنجاح لاعب واحد منها في جذب الأضواء إليها لتبدأ الأندية الكبيرة في استكشاف المواهب الأفريقية التي تستوطن مصر.

مشاركة :