تكميم أفواه العراقيين يقتل ادعاءات حرية الرأي

  • 11/8/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

شهدت الاحتجاجات العراقية، التي اندلعت منذ مطلع أكتوبر، أعلى نسبة تهديدات واعتقالات للصحافيين والمدونين، وغلق للقنوات التلفزيونية العاملة، عراقية وعربية وأجنبية، بسبب نقلها أنباء الاحتجاجات وعمليات القمع الحكومي ضد المحتجين. أغلقت السلطات مكتبي قناتي العربية والعربية الحدث في بغداد ومنعت كوادرهما من تغطية التظاهرات نهائيا، كما منعت مكتب قناة NRT التي تبث من السليمانية من مزاولة عملها، بعد اقتحام قوة أمنية لمكتبها في بغداد. وأصدرت قناة الشرقية العراقية بيانا قالت فيه إن بثها تعرض للتشويش المتعمد. وقبل نحو ثلاثة أسابيع اقتحمت قوات ملثّمة عددا من مكاتب القنوات الفضائية المحلية والعربية والدولية في بغداد وحطمت محتوياتها واعتدت على كوادرها. وأكد مسؤول في وزارة الداخلية أنّ الحكومة أوعزت لهيئة الإعلام والاتصالات بممارسة صلاحيات واسعة إزاء “القنوات التي تحرض الشارع على الخروج للتظاهرات” وأنها جهة تنفيذية. وأكدت تقارير اختطاف مراسل صحيفة “المدى” حسين العامل من منزله وسط الناصرية مع ابنه وابن أخيه، واعتقال العديد من الناشطين، أبرزهم: علي منجل، وعدي الجابري، ووسام الذهبي، وأبوجعفر العسكري، وهشام السومري، وكرار الصرايفي، وعمار حمادي، وعلي حسين، وأحمد ساجت الغزي، بسبب نشرهم أحداث التظاهرات في مناطقهم في مواقع التواصل الاجتماعي. وغاب عن العقل السياسي المتحجر أن ثمة عددا لا حصر له من النوافذ الإعلامية في فضاء مفتوح يتعذر على السلطة البائسة الحد من نشاطها وتأثيرها. ما زال الساكنون في المستوطنة الخضراء يعيشون في عصر أبي جهل ناسين أن إغلاق قناة أو تطويق صوت أصبح إجراء عبثيا، إذ بوسع إعلام الثورة أن يستحدث في كل ساعة عشرات القنوات لبث رسائله الإعلامية. حاول النظام البرلماني الذي ولد ميتا منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 أن يضفي، كذبا وادعاء، صبغة الديمقراطية الممزوجة بالتعددية الحزبية الطائفية والعرقية، عبر فتح أبواب تأسيس حركات وتنظيمات سياسية بمسميات متعددة، إلا أن كل ادعاءاته وعمليات التجميل الفاشلة باءت بالفشل الذريع. لم يوفق الأميركان وعملاؤهم، كما أكد لي الدكتور عبدالرزاق الدليمي، المختص بعلوم الدعاية والاتصال الجماهيري، في طرح النموذج، الذي عملت الدعاية الأميركية على تقديمه للعالم على أنه النموذج المناسب لتقتدي به الأنظمة الفاشلة، التي تقود أغلب دول المنطقة، إذ سرعان ما تبين لشعوب المنطقة والعالم زيف ادعاء المحتل، لاسيما بعد فشل التجربة السياسية في العراق. ولعل أكبر المؤشرات على فشل تلك العملية السياسية، ادعاء أصحابها أنهم حريصون على توفير الأجواء السليمة لتعبير الشعب عن آرائه في جميع الأحداث (سياسية وأمنية واقتصادية وثقافية واجتماعية). وتكشفت الحقائق بسرعة، بعد هيمنة القوى المستبدة الفاسدة على الحكومات، لتكشف عن أنيابها وأهدافها من خلال تكميم أفواه ومنع العراقيين من أبسط حقوق التعبير عن الرأي، ضاربة عرض الحائط بادعاءات المحتلين بتوفير الأجواء الديمقراطية. ووصل ذلك إلى منع سلطات الاحتلال في العراق وسائل الإعلام، التي تخدمها وتتعاون معها خشية فضح جرائمها. وكانت ثورة الشتاء العراقية الحالية مناسبة لتعرية جميع الادعاءات الزائفة بوجود حريات للتعبير في العراق ووجود إعلام حر وغيرهما من الأكاذيب، التي طالما تبجح بها المحتل وعملاؤه. وأكد منع القنوات العراقية والعربية، وبضمنها الداعمة والمساندة للحكومة، من تغطية أحداث الثورة ووقائعها، حقيقة النظام الدكتاتوري الفاسد القائم منذ 2003 وعدائه الشديد للديمقراطية المزعومة ومنعه للحريات بأنواعها كافة. وأكبر دليل على ذلك حلول العراق في المرتبة 156 من بين 180 دولة على لائحة “مراسلون بلا حدود” لمؤشر حرية الصحافة لعام 2019 التي اعتبرت سياسات السلطات المستبدة “تقييدا غير مناسب وغير مبرر لحرية الإعلام” في وقت يشكو فيه جميع الإعلاميين المدونين والنشطاء في أنحاء البلاد، من تلقيهم رسائل نصية ومكالمات هاتفية تهددهم وأسرهم. الإجراءات القمعية المطبقة لترهيب وسائل الإعلام منذ عام 2003 تجري في إطار حملات منظمة وقائمة على تخطيط مسبق، تقودها سلطات المستوطنة الخضراء لإسكات الإعلام وحجب الانترنت، وهو العمل الأساس لقمع المتظاهرين، ناهيك عن الاعتداءات الأخرى ضد الاعلاميين، لمنعهم من نقل الانتهاكات والجرائم بحق الثائرين العزل. ويبدو أن المنع هو عنق الزجاجة، التي حشر أبوجهل نفسه داخلها، ليسقط في قمقم الجعفري، الشهير بين العراقيين، والذي لن يستطيع الخروج منه.

مشاركة :