دعونا نقر أولاً، أن الحرية تمثل جوهر الإنسانية، لكن المطلق منها، يقود للتشتت والهلاك، فيما الحرية المسئولة، طريق الحياة وانتظام الإنسان في كيان، يضمه والآخرين، سواء كان ذلك في شكل أسرة أو مجتمع أو دولة. وتظهر بين الحين والآخر، دعاوى مفادها أن الحرية يجب ألا تكون هناك قيود تحكمها؛ لأنها حق إنساني، لكن القراءة الأولى لهذا الطرح، تثبت أننا أمام «حق يراد به باطل» فعلي سبيل المثال لا الحصر، فإن مزيج الحرية والجهل يقود إلى الفوضى، وهذه معادلة، جسدها التاريخ في مفاصل كثيرة، إذ ليس معنى الحرية الانفلات وتجاوز كل القيود والضوابط، كما أن القاعدة التي يتم الترويج لها في كثير من الأدبيات الإعلامية ومفادها «أنت حر ما لم تضر، وحريتك تنتهي عند حدود حرية الآخرين» ليست دقيقة أبدا، وقد يكون مفيدا أن نتوقف هنا مع مقولة المبدع الفرنسي الشهير فيكتور هوجو «الحرية هي الحياة، ولكن لا حرية بلا فضيلة» أي أن هناك حدودا لهذه الحرية ومن بينها الفضيلة، فليست الحرية خروجا عن التقاليد وتمردا على القيم العليا، ليست الحرية في ارتداء ملابس خارجة عن سياق المجتمع أو القيام بسلوكيات وأفعال لا تتفق مع قواعده العامة، حتى لو كانت لا تمس حريات الآخرين.. الحرية قيمة وفضيلة وما لم تتوافق معها المسئولية فإنها تعد ضربا من الفوضى، وإذا كانت المسؤولية، مشروطة بالحرية فإن الحرية تستوجب قيام المسؤولية، ما يعني أن الاثنتين، وجهان لعملة واحدة لأن الحرية المطلقة تدخل الإنسان إلى دوامة الفوضى والشهوات، فيما الحرية المسئولة تعلي من قيمته وتفكيره واحترامه للآخر، وقد كان النبي يوسف عليه السلام من الناحية المادية «عبدا» لكنه كان أرفع من ذلك بكثير من حيث الروح، ولذا رفض الانصياع لإغراءات امرأة العزيز، وقال «رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه». وختاما.. كيف يكون ترك الحبل على الغارب من أجل الانفلات، حرية؟ كيف تكون الفوضى والشتم والسباب والغيبة واتهام الآخرين، حرية؟ هذه باختصار حرية باطلة زائفة، يتم تسويقها بدعاوى كثيرة، هدفها ضرب القيم المجتمعية والثوابت التي تنهض عليها مجتمعاتنا العربية الإسلامية.. حيث إن حرية الفكر يجب أن تبقى تحت مظلة استقامة الدين والذي هو منبع الحرية باعتبارها قيمة وفضيلة وليست أمرا آخر، ويا أيتها الحرية: كم من الجرائم ترتكب باسمك؟
مشاركة :