عبارات كثيرة ومصطلحات مختلفة بدأ الجميع في إطلاقها واستعمالها في محلها أو في غير محلها، ومن دون معرفة مدلولاتها الحقيقية، ومعانيها الصحيحة، وتعريفاتها العلمية الدقيقة، مثل «أكياس بلاستيكية صديقة للبيئة»، أو «أكياس بلاستيكية قابلة للتحلل»، أو «الأكياس البلاستيكية المتحللة»، أو «الأكياس البلاستيكية الآمنة». فقضية الأكياس البلاستيكية بشكل عام تحولت إلى قضية معقدة ومتشابكة جدًا ذات أبعاد كثيرة اقتصادية واجتماعية وبيئية، وما زاد من تعقيدها هو ولوج الشركات العملاقة الجشعة والمضللة في هذا المجال كفرصة تجارية وتسويقية لا تُفوت لكسب المزيد من الأرباح باسم هذه القضية، والعمل على دغدغة مشاعر الناس وعاطفتهم الجياشة الصادقة نحو حماية البيئة والمحافظة على ثرواتها الطبيعية الحية وغير الحية، وادعاء هذه الشركات أنهم حماة للبيئة والرواد في صيانتها، ويسعون دائمًا إلى المحافظة عليها من الملوثات البلاستيكية المتمثلة في هذه الأكياس التي لا تتحلل فتبقى جاثمة في مكونات بيئتنا آلاف السنين. أما من الناحية العلمية فهناك عبارات لا يوجد لها تعريف محدد ومعروف في القاموس العلمي، كعبارة «الأكياس البلاستيكية الصديقة للبيئة»، أو عبارة «أكياس بلاستيكية آمنة»، فهي مجرد شعارات إعلامية جوفاء خالية من المضمون العلمي، فهي مصطلحات عاطفية تستغلها الشركات للتسويق والترويج للبضاعة، من دون أن تقوم هذه الشركات نفسها بتحديد ما هو «صديق للبيئة» أو ما هو «آمن بيئيًا». ولكن العلم يُقدم تعريفًا واضحًا لكلمة «التحلل الحيوي الطبيعي» (biodegradation) بشكل عام، ومنها يمكن تعريف مصطلح «الأكياس البلاستيكية القابلة للتحلل الحيوي»، ثم تقديم المواصفات والاشتراطات اللازم توافرها ليكون الكيس البلاستيكي قابلاً للتحلل عند دخوله في الأوساط البيئية، سواء أكانت المسطحات المائية العذبة، أو المالحة، أو مياه الجاري، أو كانت مواقع دفن القمامة. فمصطلح التحلل الحيوي يُطلق على عملية طبيعية تقوم بها الكائنات الدقيقة، سواء أكانت البكتيريا أو الفطريات أو غيرهما، فتستخدم المواد العضوية الموجودة في البلاستيك، أو أي مادة عضوية أخرى وتحللها وتفككك الروابط الكيميائية الكربونية في هذه المواد العضوية من أجل الحصول على الغذاء والطاقة اللازمين للنمو وبناء خلايا جديدة، ولذلك فعملية التحلل الحيوي للأكياس البلاستيكية تمر عبر ثلاث مراحل. فالمرحلة الأولى هي أن يكون سطح البلاستيك ملائمًا للكائنات الدقيقة من بكتيريا وفطريات وغيرهما، فإذا كانت البيئة البلاستيكية صالحة لهذه الكائنات فتأتي كل هذا الكائنات لتجعلها بيتًا لها وتستعمرها، ثم تأتي المرحلة الثانية في إفراز هذه الكائنات الدقيقة لإنزيمات خاصة لها القدرة على كسر الروابط الكيميائية الكربونية الموجودة في البلاستيك والقيام بتحللها، وأما المرحلة الثالثة فهي إنتاج المواد الناجمة عن عملية التحلل. فإذا كان التحلل في ظروف هوائية، أي ظروف يوجد فيها الهواء بأحجام كافية، فإن الناتج من التحلل سيكون غاز ثاني أكسيد الكربون، والماء، والكتلة الحيوية، في حين إذا كان التحلل في ظروف لا هوائية، أي خالية من الهواء، فإن الناتج من التحلل الحيوي يكون ثاني أكسيد الكربون، وغاز الميثان، إضافة على بعض الأحماض العضوية، والكتلة الحيوية. وبناءً عليه فإن الشركة التي تدَّعي أنها تُنتج أكياسًا بلاستيكية قابلة للتحلل، عليها تقديم البيانات والمعلومات حول منتجها والتي تتطابق مع التعريف المذكور أعلاه، وتتوافق مع عملية التحلل الحيوي. فهناك من الشركات من يستخدم عبارة «التحلل» كبديل عن عبارة «التفتت»، وهناك فرق شاسع بين الكلمتين، وهناك في الوقت تضليل متعمد من قبل الشركات لاستخدام كلمة التحلل في غير موقعها، حتى يكون هناك خلط من قبل المستهلك بين الكلمتين وعدم التمييز بينهما. فالتحلل الحيوي معروف، أي تحول الكيس البلاستيكي إلى مواد أخرى مختلفة كليا وغير ضارة كثاني أكسيد الكربون والماء، في حين أن التفتت هو تحول الكيس البلاستيكي إلى قطع أصغر فأصغر نتيجة للظروف المحيطة به، حتى تصل إلى قطع صغيرة جدًا قد لا ترى بالعين المجردة، ويُطلق عليها «الميكروبلاستيك»، أو قطع أصغر ويُطلق عليها «النانوبلاستيك». وهذا يعني أن الكيس البلاستيكي قد تحول وتجزأ وتفتت من قطعة كبيرة يمكن مشاهدتها إلى قطع دقيقة لا ترى، ولكنها مازالت هي البلاستيك، ومازالت خطورتها على الإنسان والبيئة والحياة الفطرية قائمة، بل إن وجودها على هيئة دقائق بلاستيكية صغيرة تُعد أشد وطأة وأكثر تنكيلاً بالأمن الصحي للإنسان وبيئته، حيث إن هذه الدقائق البلاستيكية بلغت كل شبر صغيرا كان أم كبيرا من مكونات البيئة، سواء أكانت قريبة أم موجودة في مناطق نائية بعيدة كأعماق المحيطات وثلوج القطب الشمالي، والأدهى والأمر من ذلك كله أن الدراسات أجمعت على انتقال هذه القطع البلاستيكية الدقيقة إلى أعضاء جسم الإنسان وإلى الكائنات الفطرية الحية في البر والبحر والسماء. كما أن هناك حيلاً كثيرة أخرى يمكن أن تلعبها الشركات المنتجة لتضليل المستهلكين وإقناعهم لشراء منتجاتهم من الأكياس البلاستيكية، منها تقديم المعلومات لعملية التحلل البلاستيكي تحت ظروف المختبر الخاصة التي يسيطر عليها الإنسان كليًّا ويتحكم في الحرارة، والرطوبة، ونسبة الهواء، والفترة الزمنية، والمكان، وهذه الأجواء المخبرية تختلف كليا عن ظروف الأوساط البيئية الطبيعية، وبخاصة مواقع الدفن التي تكون عادة مقبرة البلاستيك والمثوى الأخير له. ولذلك يجب الحذر من الشركات التي تبيع هذه الأكياس البلاستيكية مُدعية أنها قابلة للتحلل، ويجب طلب كافة المعلومات والاختبارات التي أجروها، والشهادات الرسمية التي حصلوا عليها من الجهات المعتمدة والمنظمات المعنية المستقلة، فثقتي أنا شخصيا معدومة بهذه الشركات. bncftpw@batelco.com.bh
مشاركة :