أبدت الولايات المتحدة والدول الأوروبية قلقاً بالغاً إزاء قيام إيران باستئناف تخصيب اليورانيوم في منشأة «فوردو» بما يُعدّ انتهاكاً لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي. وأعلن وزير الخارجية الأميركي عن مخاوفه من تصعيد نووي، محذراً من خطوات إيرانية للوصول إلى خيار امتلاك سلاح نووي، وطالب المجتمع الدولي باتخاذ خطوات «جادة» لزيادة الضغط على إيران.وفي هذا الحوار الخاص، يشرح منسق الشؤون الإيرانية في وزارة الخارجية الأميركية، برايان هوك، الخطوات التي تخطط الولايات المتحدة لاتخاذها، ودفع الدول الأعضاء في الاتفاق النووي لتحميل إيران المسؤولية عن انتهاكاتها. ويلمح هوك خلال الحوار إلى فشل الاتفاق النووي في كبح جماح الطموحات النووية الإيرانية، وأن الولايات المتحدة استطاعت بعد الانسحاب من الاتفاق فرض عقوبات قاسية على إيران، داعياً الدول الأخرى في الاتفاق إلى اتخاذ قرارها بما يؤمّن مصالحها الوطنية، ويحقق الأمن للعالم، سواء بالعمل داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أو بالعمل خارج إطار الاتفاق النووي.يدافع هوك عن التناقض الظاهري في الموقف الأميركي بين تطبيق حملة ضغط قصوى ضد إيران، وجولات من العقوبات التي طالت الطبقة الحاكمة المقربة من المرشد الأعلى الإيراني، من جهة، وإعلانها قبل أيام تمديد الإعفاءات التي تسمح للشركات الأجنبية بالعمل في البرنامج النووي الإيراني دون مواجهة عقوبات أميركية، من جهة أخرى.ويشدد هوك على أن أحد أكبر الأخطاء والعيوب في الاتفاق النووي الإيراني السماح برفع الحظر عن السلاح بعد خمس سنوات من سريان الاتفاق النووي، بما يسمح لإيران بشراء وبيع الأسلحة التقليدية، وأيضاً يرفع حظر السفر عن قاسم سليماني قائد فيلق «القدس» في «الحرس الثوري»، وعن «22 إرهابياً إيرانياً آخرين».أما الدعوة التي أطلقها روحاني ورددها وزير الخارجية جواد ظريف لتأمين الملاحة في الخليج، فيصفها هوك بأنها «مضحكة ولا يمكن لأحد أن يأخذها بجدية».> قامت إيران بتخصيب اليورانيوم في محطة «فوردو» في انتهاك لالتزاماتها بالاتفاق النووي لعام 2015. وعبرت الدول الأعضاء في الاتفاق عن قلقها، فيما وصف وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو تلك الخطة بأنها تصعيد نووي يثير المخاوف، وطالب بخطوات جادة لزيادة الضغط على النظام الإيراني، فكيف ستتعامل الولايات المتحدة مع هذا التصعيد النووي من قبل إيران، وما الخطوات التي تخططون لاتخاذها؟- من المهم على دول العالم تحميل إيران المسؤولية عن هذا التصعيد النووي، والقيام بتخصيب اليورانيوم، لا سيما أنه حدث في وقت أعلنت فيه «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» أنه على إيران أن تقدم بشفافية كاملة كل ما لديها من أمور تتعلق بالبرنامج النووي. وقد أدرك العالم في العام الماضي أن إيران لديها أرشيف نووي ضخم في قلب طهران، وقامت إسرائيل بعلمية استخباراتية وحصلت على نصف طن من الوثائق والفيديوهات حول مواد نووية غير معلنة، وهذا الأمر يجب أن يكون مقلقاً للغاية لجميع دول العالم، لأن إيران التي تُعدّ الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم، تلعب لعبة لقط والفأر مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية».> استئناف تخصيب اليورانيوم وتطوير أجهزة طرد مركزي أكثر قوة يُعد الخطوة الرابعة لإيران في تقليص التزاماتها بالاتفاق النووي، وكان تعليق تخصيب اليورانيوم في محطة «فوردو» أحد القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني بموجب الاتفاق النووي مقابل رفع العقوبات، هل ترى أن إيران تستخف بالعقوبات الأميركية والمجتمع الدولي؟- هذه بالفعل ليست أول مرة تحاول فيها إيران إحداث اختراق نووي سريع، لذا لا بد لجميع الدول اتخاذ خطوات جادة لتقييم واضح لطموحات إيران، واتخاذ خطوات تمنعها من الحصول على سلاح نووي مطلقاً، لأن وصولها إلى تصنيع سلاح نووي سيغير الشرق الأوسط بأكمله، وآن الأوان للمجتمع الدولي أن يبدأ في وضع عقوبات على برنامج إيران النووي، وعلى برنامجها الصاروخي، وعلى تمويل أنشطتها الإرهابية، وعلى تسليح وكلائها في منطقة الشرق الأوسط. إيران أصبحت أكثر خطراً بسبب الاتفاق النووي، ونعتقد أنه على الدول الموقّعة على الاتفاق أن تدرك ذلك.> الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حذر من تحول خطير في الاتفاق النووي، ودعا إلى زيادة الضغط على إيران وفرض عقوبات جماعية. في رأيك ما نوع العقوبات التي يمكن القيام بها؟ وهل يمكن أن تمهد خطوة تخصيب اليورانيوم من قبل إيران إلى إعلان نهاية الاتفاق النووي الموقع عام 2015؟- لقد انسحبنا من الاتفاق النووي، ولكل دولة الخيار في القيام بهذه الخطوة. وقد قال الرئيس الفرنسي إنه يبدو أن إيران تريد إنهاء الاتفاق النووي وتريد إحداث اختراق نووي. وهناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، وأعتقد أن كلاً من بريطانيا وفرنسا وألمانيا عليها القيام بقرارات لحماية أمنها القومي وأمن العالم. وقد طالبت الدول الثلاث إيران بقبول المفاوضات للعمل على اتفاق جديد يتضمن ويعالج ليس فقط ما يتعلق بالبرنامج النووي وحدوده، وإنما أيضاً بالبرنامج الصاروخي وأمور أخرى. وقد حذرت مراراً على مدار العام الماضي من أن برنامج إيران الصاروخي يزيد من مخاطر إشعال حرب في منطقة الشرق الأوسط. وبدا ذلك واضحاً حينما قامت إيران بفعل من أفعال الحرب، حين هاجمت المملكة العربية السعودية في 14 سبتمبر (أيلول) الماضي، وهو ما يؤكد خطر البرنامج الإيراني الصاروخي، وهذا ما كنتُ أحذّر منه. ونأمل أن تدرك الدول الأخرى أن المكاسب القليلة والمؤقتة والمتواضعة من الاتفاق النووي الإيراني لا يمكن مقارنتها بالكلفة العالية التي تتحملها منطقة الشرق الأوسط، فإيران هي العامل الرئيسي لعدم الاستقرار في المنطقة.> إيران تدعي أن خطوة تخضيب اليورانيوم وخفض التزاماتها تأتي متسقة مع المادتين 26 و36 من الاتفاق النووي، اللتين تعطيانها الحق في التحلل من بعض أو كل الالتزامات في الاتفاق إذا تمت إعادة فرض العقوبات. هل تتوقع أن تستخدم الدول الأوروبية المادة 37 من الاتفاق في إحالة الملف إلى مجلس الأمن، لا سيما أن بعض التقارير البريطانية تحدثت عن أن الدول الأوروبية وجهت تهديدات لإيران؟- للدول الأوروبية هذا الخيار، ولا أستطيع أن أوجِّه نصيحة للدول الباقية في الاتفاق النووي عما يجب القيام به، لكنهم بالفعل يستطيعون استغلال الآلية الخاص بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يعطي الحق للدول في الاتفاق باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي إذا لم تفِ إيران بالتزاماتها. ويمكنهم فرض عقوبات جديدة وإعادة فرض العقوبات التي رفعها الاتحاد الأوروبي. لكن هذا قرار يرجع للدول الباقية في الاتفاق، نحن - الأميركيين - انسحبنا من الاتفاق، ونعتقد أن قرار الانسحاب كان قراراً صائباً، وأعطانا مزايا للضغط على النظام الإيراني، ونرى الآن أن نظام طهران في حالة ضعف ورعب وكساد، ولكننا نحتاج إلى دول أخرى للانضمام إلى الولايات المتحدة في محاسبة إيران.> في رأيك أيهما أقوى تأثيراً لمحاسبة إيران وتحميلها المسؤولية؛ فرض عقوبات جديدة - أحادية أو جماعية - أم إعلان إنهاء الاتفاق النووي أم طرح الملف على مجلس الأمن الدولي؟- أعتقد أن أفضل طريقة لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي العمل خارج إطار الاتفاق النووي. ونحن سعداء بما حققناه خلال عام ونصف العام خارج الاتفاق، فقد فرضنا عقوبات أميركية أحادية أقوى بكثير من هيكل العقوبات الجماعية المنصوص عليه في الاتفاق النووي. وأستطيع أن أقول إن الاتفاق النووي كان عائقاً للدول الأخرى لمعالجة الأمور والتهديدات غير النووية التي قامت إيران بتطويرها خلال السنوات الأربع الماضية.> الخطوة الإيرانية بتخصيب اليورانيوم تأتي بعد أيام من إعلان الإدارة الأميركية تمديد الإعفاءات التي تسمح للشركات الأجنبية بالعمل في البرنامج النووي الإيراني دون مواجهة عقوبات أميركية، بينما في الوقت ذاته، تقوم واشنطن بفرض حملة ضغط قصوى وجولات من العقوبات على إيران؛ فكيف تفسر هذا التناقض؟- لقد أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو فرض عقوبات جديدة على العلماء النوويين (الإيرانيين)، وفي الوقت نفسه سمح بإعفاءات للشركات العاملة بالبرنامج النووي الإيراني، ونحن بذلك نسمح باستمرار اشتراطات وقيود على «البرامج النووي الإيراني»، ولسنا ملزمين بأي اشتراطات، لكن إيران ملزمة بقيود محددة في العمل في «فوردو» و«بوشهر» ومحطة «آراك» للماء الثقيل. وهي إعفاءات لمدة 90 يوماً، ويمكن وقفها في أي وقت. ولذا فهي تسمح للشركات الأجنبية بوضع قيود وإبقاء إيران تحت هذه الاشتراطات والقيود، مثل بريطانيا التي تعمل معنا لنتمكن من مراقبة الأنشطة النووية التي تقوم بها إيران، وتكون لنا أعين على ما تقوم به إيران من نشاط. ولكن طهران تتمكن من إخفاء عدد من الأمور عن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، وهو أمر خطر ونعتقد أن هناك تحولاً كبيراً بعد الهجمات الإيرانية على منشآت «أرامكو» في السعودية، وما قامت به إيران مؤخراً من ضخ الغاز وزيادة أجهزة الطرد المركزي. وقد أعلنت «وكالة الطاقة» أن إيران بالفعل تقوم بإخفاء كثير من الأمور النووية. ونعتقد أنها أمور يجب على الدول الباقية في الاتفاق أن تتخذ قراراً حول الخطوات اللازمة لتحميل طهران المسؤولية.> حث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مجلس الأمن، الشهر الماضي، على تجديد حظر الأسلحة المفروض على إيران، الذي تنتهي مدته العام المقبل، وهو ما سيسمح (في حال رفع الحظر) لدول، مثل روسيا والصين، ببيع أسلحة متطورة للنظام الإيراني، ويسمح لها أيضاً بالحرية في بيع الأسلحة لأي جهة، وهذا سيؤدي إلى سباق تسلح في الشرق الأوسط. ما الجهود التي تقوم بها الولايات المتحدة لتجديد هذا الحظر والدفع بموجب القرار «2231» لحظر الأنشطة الصاروخية الإيرانية؟- في الحقيقة، أحد أكبر الأخطاء في «الاتفاق النووي الإيراني» البند الخاص بالسماح برفع الحظر عن السلاح بعد مرور خمس سنوات من سريان الاتفاق النووي، لذا لدينا أقل من عام ونصبح أمام إيران قادرة ليس فقط على شراء الأسلحة التقليدية وإنما أيضاً على بيعها. وإذا كان لدى دول العالم قلق من قدرات إيران في الوقت الحالي على زعزعة الاستقرار في المنطقة، خصوصاً خلال الشهور الست الماضية، فتخيلوا كيف سيكون الحال بهذه القدرات إضافة إلى القدرة على شراء وبيع الأسلحة، لذا فإنه يتعين على الدول الأعضاء في مجلس الأمن تجديد حظر الأسلحة قبل أن ينتهي. وقد قمت مع وزير الخارجية بومبيو بعدة زيارات وإفادات، وتحدثنا مع أعضاء مجلس الأمن، وحذرنا من أن القرار أيضاً يرفع حظر السفر عن قاسم سليماني و22 شخصاً آخرين من أخطر الإرهابيين الإيرانيين. وهذا كله جزء من إطار «الاتفاق النووي الإيراني» الذي نعتبره خطراً كبيراً، وعلى مجلس الأمن تصحيح الخطأ وتجديد الحظر، ونعمل على ذلك مع مجموعة «الخمس» (الدول الموقعة على الاتفاق النووي) وأيضاً بقية الدول الأعضاء في مجلس الأمن.> في الجولة الأخيرة من العقوبات الأميركية فرضت الإدارة عقوبات على تسعة أشخاص من النخبة الحاكمة والدائرة المقربة من المرشد الأعلى الإيراني على خامنئي، من بينهم ابنه مجتبى. ما تقييمك لدور نجل المرشد الأعلى داخل إيران وعلاقته مع الحرس الثوري الإيراني؟- فرضنا بالفعل عقوبات على تسعة أشخاص من قادة النظام الإيراني والدائرة المقربة من المرشد الأعلى، بما يجعل من الصعب عليهم الوصول إلى النظام المالي العالمي؛ فهؤلاء الأشخاص حققوا الثراء على حساب الشعب الإيراني، وهو نظام فاسد بشكل كبير. وقد فرضنا هذه العقوبات على القادة الأكثر فساداً، منها عقوبات على رئيس النظام القضائي، وهو من أكبر القادة المتهمين بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان داخل النظام. وهذه العقوبات ترسل رسالة مفادها أننا نواجه الفساد في الطبقة الحاكمة داخل إيران، ونساند الشعب الإيراني.> في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، الشهر الماضي، اقترح روحاني تحالفاً لتوحيد جميع دول المنطقة والتعهّد بعدم الاعتداء، وكرر ذلك وزير الخارجية الإيرانية جواد ظريف. كيف تقيم هذا الاقتراح الإيراني، وما أحدث الخطوات الأميركية في جهود تأمين الملاحة في مضيق هرمز؟- وزير الخارجية جواد ظريف له تاريخ طويل في لعب دور مشعل الحرائق ورجل الإطفاء في الوقت نفسه. وقد قام النظام الإيراني لعدة عقود بإشعال صراعات كثيرة في المنطقة، ثم محاولة الظهور بمظهر صانع السلام، وأعتقد أن ما عرضوه من مبادرة أمر مضحك، ولا أحد يأخذ هذه المبادرة بجدية.
مشاركة :