ألقت قضية مقتل جراح الأطفال في الأردن، محمد أبو ريشة، الأضواء على عدة قضايا اجتماعية، لعل أبرزها ظاهرة الاعتداء على الكوادر الطبية، خصوصاً أنها القضية الأولى التي يقتل فيها طبيب أردني. الأطباء في الأردن أعلنوا الحداد 3 أيام وطالبوا بحماية الأطباء، واتهموا الحكومة بالعجز عن تقديم حلول لوقف الاعتداءات على العاملين في القطاع الطبي. من بين القضايا الأساسية التي أفرزتها حالة مقتل الطبيب محمد أبو ريشة، وهو في بداية العقد الرابع من عمره وأب لخمس بنات أكبرهن في العاشرة من عمرها، انتشار الظاهرة وزيادتها، وارتباط القضية بظاهرة المخدرات، والوساطات العشائرية في قضايا الاعتداء. قضية أبو ريشة شكل مقتل الطبيب الجراح أبو ريشة، أول قضية قتل لطبيب خلال اعتداء عليه، رغم أن الظاهرة ليست جديدة، لكن ما يبرز في هذه القضية أن القاتل يتعاطى المخدرات، وفقاً لما نقلته صحف ووسائل إعلام أردنية عن عمر أبو ريشة، شقيق الطبيب الراحل. ووفقا لعمر، فقد سبق للجاني أن تعرض للطبيب بعد أيام قليلة على نجاح عملية جراحية لابنة القاتل، حيث عاد الأخير إلى عيادة الطبيب وطلب منه وصفة طبية لمادة مخدرة، وهو ما رفضه الطبيب، فتشاجرا وتم اعتقل المتهم وسجن، لكنه خرج بعد وساطة قبلية من وجهاء عشائر وأعيان. وأوضح عمر أبو ريشة أنه بعد شهرين، عاد الجاني يتردد على الطبيب المغدور ويراقبه، وتعهد الوجهاء بوقفه ومنعه من مطاردة الطبيب، وفي يوم مقتله، فتح الطبيب باب منزله بعدما سمع طرقاً على الباب، فقام الجاني بطعنه بسكين أمام زوجته وأطفاله. انتشار الظاهرة جريمة قتل أبو ريشة تعيد التركيز على حوادث الاعتداء المتزايدة على العاملين في القطاع الطبي، وتحديداً الأطباء، حيث تم الاعتداء منذ بداية العام الجاري 10 حالات اعتداء على أطباء، بحسب ما ذكرت نقابة الأطباء الأردنية. في يناير 2011، نشر فنان الكاريكاتير عماد حجاج 2011-01-02 كاريكاتيراً حول ظاهرة الاعتداء على الاطباء، وفي الرسم يسأل الطبيب المريض أبو محجوب، وهو الشخصية الرئيسية في رسومه: قبل ما أعالجك جاوبلي على هالثلاث أسئلة: معك حساسية؟ معك سكري؟؟ معك ناس؟؟؟ وبحسب النقابة فقد تم تسجيل 29 حالة اعتداء على أطباء في العام 2014، مقابل 87 اعتداء في العام 2013، و135 حالة اعتداء خلال أعوام 2010 و2011 و2012. ويعتبر المسؤولون في القطاع الصحي أنه رغم زيادة عدد الاعتداءات على الكوادر الطبية أثناء تأديتهم العمل، فإنها تظل قضية خارجة عن المألوف في المجتمع الأردني الذي يحترم العمل، مشيرين إلى أن الاعتداءات تتم في الغالب في أقسام الطوارئ وربما في المستشفيات الكبرى، خصوصاً الحكومية منها، التي تشهد ضغطاً كبيراً. يشار إلى أن الأطباء اعتصموا في أغسطس عام 2007 مطالبين بوقف الاعتداءات عليهم، حيث تم تسجيل 29 حالة اعتداء على أطباء وممرضين، الأمر الذي بات في ذلك الوقت يشكل ظاهرة تؤرق العاملين في القطاع الطبي. في العام 2014، قالت مستشار وزير الصحة باسم الكسواني إن الاعتداء على الكوادر العاملة في الوزارة في أثناء تأدية واجبهم المهني والإنساني يشكل حالة خارجة على منظومة القيم والعادات النبيلة التي يحملها المجتمع تجاه العاملين، لاسيما الأطباء والممرضين والفنيين والإداريين في المستشفيات والمراكز الصحية. المعتدون بين القانون والعشائرية في ظل غياب قانون فعال بحق المعتدين على الأطباء، تظهر العشائرية بوصفها الحل الأمثل للصلح، حيث تشير التقارير الصحفية إلى أن غالبية المعتدين على الأطباء لا يتعرضون للعقوبات ويخرجون من السجون بعد أيام قليلة بموجب صلح عشائري، كما هو الحال مع الجاني في قضية مقتل الطبيب أبو ريشة. ووفقاً لاعتصام الأطباء عام 2007، فإن من بين ما أشاروا إليه في أسباب تزايد الاعتداءات على الأطباء غياب التشريعات التي تحميهم وتعاقب المعتدين وعدم توفر الأمن والحماية لهم. المخدرات في الأردن ارتباط مقتل الطبيب أبو ريشة بقاتل يتعاطى المخدرات، تلقي بدورها تساؤلات حول قضية المخدرات في الأردن. فالأردن لا يتعامل مع قضية المخدرات باعتباره مقراً للمخدرات وإنما ممر، فقد قال مدير إدارة مكافحة المخدرات في الأردن العقيد سامي عسكر عام 2014 إن الأردن وفقاً للمعايير الدولية يعد ممراً للمخدرات وليس مقراً، حيث أن النسبة العالمية لتصنيف الدول على أنها مقر للمخدرات يجب أن تبلغ 1 في المائة من السكان. وأعلن عسكر اعتقال 8945 شخصاً في العام 2013، متهمين بالتورط في قضايا تتعلق بالاتجار وحيازة وتعاطي المخدرات. وبحسب دراسة حول المخدرات في الأردن، نشرت عام 2014، فإن معدل أعمار المتعاطين 31.5 سنة وأن أكثر المتعاطين هم طلاب الجامعات، أما الأسباب فهي إهمال الوالدين وعدم الرعاية السليمة والمشاكل بين الوالدين، وقسوتهم في التعامل.
مشاركة :