التحذير من حرب أهلية شيعية لا يوفر مخرجا للأحزاب الحاكمة في العراق

  • 11/12/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

دخلت الولايات المتحدة على خط الأزمة العراقية مبدية دعمها بشكل جلي للمحتجين، مظهرة تحديا واضحا لإيران وحلفائها الذين باتوا تحت ضغوط متعددة قد تفشل خططهم في احتوائها عبر مبادرات لامتصاص غضب الشارع، وبينها التحذير من الحرب الأهلية. ومرر الكثير من الساسة العراقيين المقربين من إيران مصطلح “الحرب الأهلية”، عندما يتحدثون عن مستقبل حركة الاحتجاج العراقية، التي دخلت أسبوعها الثالث، واعترف رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي بأنها كانت بمثابة “زلزال” ضرب القوى السياسية في البلاد. ويتحدث الساسة المقربون من إيران في الفضائيات، فيما ينشر كتاب ومدونون مقربون منهم في المواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي هذا المعنى، إذ يرون أن استمرار ضغط الاحتجاجات في العراق سيطلق اقتتالا أهليا بين شيعة يمسكون بالسلطة ويقصون الجميع، وشيعة ثائرين على نظام الحكم. ويستخدم هذا الخطاب لإثارة الذعر في أوساط فقراء الشيعة، من خلال ربط التظاهرات الشعبية بنظريات مؤامرة متعددة المستويات، تشمل تحالفا متوهما بين حزب البعث المحظور والولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية، لقلب نظام الحكم في البلاد، وتسليم السلطة إلى قيادة من المكون السني. ويقول رئيس المرصد العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون، إن “الطبقة السياسية الحالية، لا تريد أن تفهم أن هذا الجيل لم يعد منقطعا عن العالم، فهو ضمن القرية الصغيرة إن صح القول، ولا يمكن أن يقبل الهوان وهو أيقن بأن الحرية، أساس الوجود، فمن لا حرية له، لا وجود له”. ويعتقد مراقبون أن دخول الأمم المتحدة وواشنطن على خط الأزمة العراقية، وهو التطور الأهم خلال الساعات الماضية، سلاح ذو حدين، فهو قد يردع الحكومة عن ممارسة المزيد من العنف ضد مواطنيها، لكنه قد يكرس نظرية المؤامرة الخارجية التي تسوقها الأحزاب العراقية الموالية لإيران. وكانت المبعوثة الأممية الخاصة إلى العراق جينين بلاسخارت صعدت لهجتها ضد القمع الحكومي للتظاهرات قبل أن تتوجه إلى زيارة المرجع الشيعي الأعلى في النجف الاثنين، الذي يوصف بأنه عامل حاسم في ترجيح كفة أي من طرفي النزاع في هذه الأزمة، وهما الحكومة والمحتجون. من جهتها، باشرت الإدارة الأميركية حديثا صريحا عن الهجمات الحكومية ضد المتظاهرين، والقيود المفروضة على استخدام الإنترنت في العراق. وقال المكتب الصحافي للبيت الأبيض في بيان إن الولايات المتحدة تشعر “بقلق بالغ إزاء استمرار الهجمات ضد المتظاهرين والناشطين المدنيين والإعلام فضلا عن القيود المفروضة على إمكانية استخدام الإنترنت في العراق”، مضيفا أن العراقيين لن يقفوا مكتوفي الأيدي “بينما يقوم النظام الإيراني باستنزاف مواردهم واستخدام الجماعات المسلحة والحلفاء السياسيين لمنعهم من التعبير عن آرائهم بسلمية”. وتابع البيت الأبيض أنه “على الرغم من استهدافه بالعنف المميت وحرمانه من استخدام الإنترنت، فإن الشعب العراقي قد جعل من صوته مسموعا، بالدعوة إلى إجراء انتخابات وإصلاحات انتخابية”. وقال البيان إن الولايات المتحدة تنضم “إلى بعثة المساعدة التابعة للأمم المتحدة في العراق (يونامي) في دعوة الحكومة العراقية إلى وقف العنف ضد المتظاهرين والوفاء بوعد رئيس الجمهورية (برهم) صالح بتمرير الإصلاح الانتخابي وإجراء انتخابات مبكرة، كما ندعو بقية المجتمع الدولي إلى الانضمام إلينا في دعم مستقبل أفضل للشعب العراقي”. ووفقا لمراقبين، فإن هذا الدخول الدولي على خط الأزمة العراقية، ربما يمثل أوضح اختبار للنفوذ الإيراني في بغداد، ومدى قدرته على المضي نحو دفع الحكومة الخاضعة له إلى ممارسة المزيد من العنف ضد مواطنيها. وكشف مصدر رفيع في مكتب رئيس الوزراء العراقي لـ”العرب” أن “عبدالمهدي يجهز مفاجأة، ربما تصدم بعض الأحزاب الكبيرة”، مضيفا أن “التعديل الوزاري الذي أشار عبدالمهدي إلى قرب إجرائه، سيقلص مساحة النفوذ الحزبي داخل الحكومة بشكل كبير”. لكن من غير الواضح ما إذا كان التغيير الوزاري هو مجرد استدارة شكلية أقرتها الأحزاب الموالية لإيران، على أن تكون مؤقتة، بهدف عبور هذه الأزمة فحسب، وليس من الواضح أيضا ما إذا كان المحتجون سيقبلون بها. وبغض النظر عن التعديلات الوزارية التي وعد عبدالمهدي بإجرائها فإن المحتجين لم يتراجعوا عن مطالبهم التي يعتبر إسقاط الحكومة نتيجة طبيعية لها، لذلك فإن الإطالة من عمر الحكومة لن يكون الهدف منها سوى الاستمرار في ممارسة العنف ضد المحتجين. وقال مراقب سياسي إن الصوت المندد باستهداف المحتجين بدا يرتفع عالميا، بعد أن صار مؤكدا للولايات المتحدة أن إيران هي الطرف الذي يشجع على التعامل مع المحتجين بقسوة وصولا إلى توجيه الرصاص الحي إليهم. وأشار المراقب في تصريح لـ”العرب” إلى أنه إذا ما كانت الولايات المتحدة قد تأخرت في التعبير عن موقفها فلأنها كانت تأمل أن يكون الإعلان الرئاسي في طريقه إلى التنفيذ. أما وقد تأكدت من أن إيران عازمة على ضرب عرض الحائط بالوعود التي تقدم بها الرئيس العراقي والضغط من أجل إبقاء كل شيء على حاله وتوجيه الميليشيات التابعة لها لقتل المتظاهرين فإنها أنهت صمتها الذي كان يعتبر موقفا مريبا وهو تحول سيكون بمثابة بداية لموقف عالمي جديد من الأزمة العراقية. وأكد أن إخافة المجتمع العراقي بأن استمرار الاحتجاجات ينذر بوقوع حرب أهلية تكون هذه المرة بين شيعة إيران الذين هم شيعة الحكم وشيعة العراق الذين يمثلون الأغلبية لا يمكن أن تجد صداها إلا بين الفئات المستفيدة من الوجود الإيراني والنظام الطائفي القائم على الفساد. وأضاف أن المحتجين الذين عزموا على التغيير السلمي يمثلون شريحة الشباب الواعي المنتفض على استمرار النظام الطائفي وهم لا ينظرون إلى احتجاجاتهم من جهة طائفية بل إنهم يسعون إلى طي صفحة التجاذبات الطائفية التي تأكدوا من أنها كانت السبب الرئيس لحرمانهم من وطنهم. ومن المؤكد أن صمود المحتجين في مواجهة القتل كان عنصر حث للولايات المتحدة على أن تنهي صمتها وفي المقابل فإن موقفها المندد بأساليب الحكومة، ومن ورائها إيران، في قمعهم سيكون بمثابة عنصر دفع لاستمرارهم في الاحتجاج وصولا إلى تحقيق مطالبهم التي سيكون من الصعب تجزئتها.

مشاركة :