كانت المصادفة وحدها وراء إلقاء سوزان آثي نظرة خاطفة من نافذة مطبخها، عندها لمحت كلبا شرسا يهرب بعيدا ممسكا بين أنيابه إحدى الدجاجات التي تقوم أسرتها بتربيتها. أمسكت آثي مكنسة لمطاردة الكلب، وذهبت بفيولا، دجاجتها ذات اللون الأصفر المائل للبرتقالي، إلى الطبيب البيطري لمعالجتها. وبعد فترة نقاهة استمرت شهرا في منزل الأسرة في حرم جامعة ستانفورد، عادت فيولا إلى عشها مع تسع دجاجات أخر. وتقول آثي، أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد، "فكرة احتفاظي بدجاجة في منزلي لمدة شهر قد تبدو مرعبة "لأقاربي في ألاباما"، حيث كانت جدتها تقوم بتربية الدجاج. وبالنسبة لاختيار الدجاج لتربيته في المنزل فقد كان ذلك تفكيرا اقتصاديا بحتا قائما على مفهوم توزيع الموارد، كما يقول جيدو إمبنز، أستاذ الاقتصاد القياسي في جامعة ستانفورد الذي تزوج آثي عام2002. إذ لا تتطلب تربية الدجاج جهدا كبيرا مقارنة بالكلاب أو القطط، كما أنها تبيض بضع عشرة بيضة أسبوعيا. ولم تكن الفترة التي لقبت فيها آثي بالمرأة الخارقة مثار استغراب لمن يعرفونها بوصفها نجمة أكاديمية متألقة. ففي عمر الـ48، عملت آثي أستاذا لاقتصاد التكنولوجيا في كلية ستانفورد للدراسات العليا في إدارة الأعمال، كما حصلت على جميع الجوائز التي يمكن تخيلها. ونشرت مجموعة من الدراسات عن بعض أكثر القضايا الاقتصادية جدلا، وهي أول عالمة في مجال اقتصاد التكنولوجيا، كما ساعدت على التصدي لتاريخ التمييز الذي يقترن بمهنتها. تقلدت عددا من المناصب الأكاديمية في جامعات ستانفورد وهارفارد وييل ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إلى جانب العمل مستشارا لدى شركة مايكروسوفت وغيرها، بدأت في دراسة اقتصاد الإنترنت، وطبقت نظرية المزادات على الخدمات المقدمة عبر الإنترنت، مثل الإعلانات المرتبطة بالبحث على شبكة الإنترنت، وعملت على تطوير اقتصاد التكنولوجيا الذي كان لا يزال مجالا وليدا. ويقول روبرت مارشال، أستاذ الاقتصاد في جامعة ولاية بنسلفانيا "إنه لأمر مدهش مدى اتساع وعمق المجالات، التي عملت عليها. فليس ذلك بالأمر المعتاد. وكما قال سكوت آدامز مؤلف العمل الكوميدي "ديلبرت" يوما ما سيكون هناك 100 شخص على هذا الكوكب سيحدثون فرقا. وهي واحدة منهم". وفي عام2007، فازت آثي بوسام جون بيتس كلارك للاقتصاديين البارزين تحت سن 40 عاما، وهي أول امرأة تحصل على هذه الجائزة. وغني عن القول إن الفائزين به تزداد احتمالات ترشيحهم لجائزة نوبل. وقد قالها مارشال على أي حال. وكان مارشال أحد الأساتذة الذين لجأت إليهم آثي للنصح والإرشاد أثناء دراستها الجامعية في جامعة ديوك أواخر الثمانينيات. وقبل عملها مساعدة بحثية لمارشال، ركزت آثي على علوم الرياضيات والحاسب الآلي. وكانت آثي قد حصلت على وسام كلارك تقديرا لعملها في حل مسائل إحصائية معقدة، وتطوير المعرفة بتصميم الأسواق وآليات المزادات، والاقتصاد القياسي، والتنظيم الصناعي. وأيدت بعض النتائج التي توصلت إليها في بداية عملها استخدام الاحتياطي الفيدرالي لسياسة استهداف التضخم في إدارة السياسة النقدية. وبالنسبة لأستاذة أكاديمية بأهمية آثي، فإن نقادها المعروفين قليلون على حد قول من يعرفونها ويعرفون عملها عن قرب. ويشير بعضهم إلى احتمالية وجود امتعاض كبير من نجاحها في المجالين الأكاديمي والاقتصادي لكونها امرأة. ويقول ماثيو جينتزكو، أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد الذي فاز بوسام كلارك عام 2014 "تعد سوزان بالفعل نموذجا لما ينبغي أن يكون عليه الاقتصاديون. فهي تجمع بين الانخراط في أبحاث متطورة للغاية في جميع المجالات الاقتصادية المعروفة، إلى جانب المشاركة المتعمقة في دوائر أخرى بخلاف الاقتصاد، لتحول بذلك العلم إلى أثر في العالم الحقيقي. وتنظر آثي إلى العناصر المتفرقة التي تشكل مسيرتها المهنية باعتبارها سلسلة متصلة. فتقول إن أبحاثها الأولية عن مزادات الأخشاب ونظم التسعير أفضت إلى عملها على أسواق التكنولوجيا، كتصميم مزادات الإعلانات المرتبطة بالبحث على شبكة الإنترنت. وعندما أدركت عدم وجود أدوات للمساعدة في تحديد الروابط بين الأسباب والنتائج باستخدام التعلم الآلي أو الذكاء الاصطناعي، عكفت على وضعها. وأفضى ذلك، حسب قولها إلى شغفها الحالي باستخدام التكنولوجيا والتعلم الآلي وغير ذلك من أدوات الاقتصاد التكنولوجي للمساعدة على التصدي لمشكلات اجتماعية. وتقول آثي "إن تصميم الأسواق من الأفكار الجامعة المتداخلة مع مختلف المجالات. وينبغي أن ننظر إلى الاقتصادي باعتباره مهندسا يستخدم أدوات الاقتصاد في تطوير عمل الأسواق في العالم الواقعي". وتعرف آثي بمثابرتها واجتهادها. ففي اليوم التالي لعيد الميلاد عام 2004، ذهبت إلى الكلية لمساعدة كاثرين تاكر في إعداد عرض مهم، وكانت كاثرين طالبة دكتوراه آنذاك في جامعة ستانفورد وتعمل حاليا أستاذا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. ويقول جوناثان ليفن، عميد كلية إدارة الأعمال في جامعة ستانفورد، إن آثي كانت تعمل طوال الوقت عندما كانت أستاذا مساعدا. فقد تلقت آثي رسالة إلكترونية من جوشوا جانس، أستاذ الاقتصاد في جامعة تورونتو وزميل سابق في الدراسات العليا، وهاتفته في أستراليا من غرفة الولادة حيث كانت تلد أول أبنائها الثلاثة.
مشاركة :