أعادت التطوّرات السياسيّة والأمنيّة، التي برزت ليل أوّل من أمس، الوضع اللبناني إلى مربّع التعقيد مجدّداً، في حين لم يحسم رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري موقفه بعد، قبولاً بتكليفه أو تسمية مرشح آخر غيره لرئاسة الحكومة. حيث إنّ نقطة الخلاف المركزيّة هي طبيعة الحكومة الجديدة، فهو وحلفاؤه يريدونها حكومة تكنوقراط خالية من السياسيّين، فيما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري و«التيار الوطني الحرّ» و«حزب الله» وحركة «أمل»، مع حلفائهم، يريدونها حكومة «تكنو- سياسيّة». أما الموقف الدولي، فبدا منقسماً أيضاً حيال هذه النقطة تحديداً، فالولايات المتحدة الأمريكية تؤيّد التكنوقراط، فيما روسيا تعارضها وتعتبرها «غير واقعية». وفيما يشرف لبنان على بلوغ شهر من عمر ثورته، فإنّ هناك شبه إجماع على أنّ لبنان دخل في مرحلة ما فوق الخطر، لا سيّما بعد المواقف التي أعلنها رئيس الجمهورية، في حوار تلفزيونيّ ليل أول من أمس، وخلاصتها: لا لحكومة تكنوقراط، ولا فيتو على توزير أحد، مع تهديده بـ«السلبيّة مقابل سلبيّة الحراك الشعبي في الساحات والشوارع». فإنّ الخشية هي أن يأتي ردّ الفعل من الرئيس الحريري على شاكلة إعلان عزوفه عن الترشّح لرئاسة الحكومة. وفي المعطيات المستقاة من مصادر متابعة للمشاورات، فإنّ الأمور ما زالت ضبابيّة، والخيارات مفتوحة على كلّ الاحتمالات. وبانتظار ما سيؤول إليه المشهد الدراماتيكي الدموي الذي عكسته إطلالة رئيس الجمهورية في الشارع، فمن الواضح أنّ التعثّر الحكومي مستمرّ فصولاً. وأنّ فشل السلطة في الخروج من مأزقها السياسي والاقتصادي والمالي أضحى عنوان المرحلة حتى إشعار آخر، وسط تسجيل دخول فرنسي خجول على خطّ الأزمة، مع المحادثات الاستطلاعيّة لمدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو في بيروت. التعثّر الحكومي وعلى خطّ التكليف والتأليف، تردّدت معلومات مفادها أنّ مطلب تشكيل حكومة تكنوقراط ليس هدفه مراعاة الشارع أو تشكيل حكومة إنقاذ من اختصاصيّين مستقلّين، بل هدفه الاستجابة للضغط الخارجي، ولا سيّما الأمريكي منه، لاستبعاد «حزب الله» عن أيّ تشكيلة حكوميّة. وبالتالي استبعاده عن مركز القرار السياسي. وهو الأمر الذي يدفع الحزب إلى التمسّك أكثر بتشكيل حكومة تضمّ سياسيّين، ولو من غير الحزبيّين، لكنّها تمثل القوى السياسيّة الأساسيّة لمواجهة متطلّبات المرحلة الصعبة التي تمرّ بها المنطقة، والتي لا يمكن لحكومة تكنوقراط مواجهتها. في المقابل، كان الاتّجاه لدى رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري إلى الاعتذار يتنامى في اليومين الأخيرين، لاقتناعه بأنّ حكومة تكنو- سياسيّة، تضمّ وجوهاً غير مقبولة لدى الشارع المنتفِض، لن تتمكّن من العمل والإنقاذ في هذه المرحلة الحسّاسة والدقيقة على كل الصعد، بل إنّها يمكن أن تسقط مجدّداً تحت وطأة الحراك الشعبي الحاصل. وفي هذا السياق، أشارت مصادر سياسيّة مطلعة لـ«البيان» إلى أنّ الواقع اليوم يقول بأنّ الحريري يرفض تماماً الحديث عن التشكيل قبل التكليف، الأمر الذي يرفضه رئيس المجلس النيابي نبيه بري و«حزب الله»، كونهما يعتبران تسمية الحريري لتشكيل حكومة، غير متّفق على شكلها مسبقاً، يعني الدخول في فراغ طويل يقع بين التكليف والتشكيل. لأن لا قدرة على إلغاء التكليف، ولا مهلة محدّدة دستوريّاً لإنجاز التشكيلة. وبين محاولات استمالة الحريري لترؤّس حكومة تكنو- سياسيّة، والتوجّه لشخصية جديدة، فرق كبير جداً، فالتوجّه نحو الخيار الثاني قد يعني معركة أقسى مع المجتمع الدولي. فهل سيكون لبنان أمام خيارين وحيدين: الحريري، أو لا أحد، وبالتالي استمرار الفراغ؟طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :