عبد الله الرفاعي-العمارة يقف مسؤول وسط الحشود وهو يرتدي بذلة رسمية سوداء ويتحلق حوله حراس أمنيون، ويبدأ كلمته بالقول أيها الشعب، ثم يسرد على الحضور عشرات الوعود التي تبدو وكأنها تسبق حملة انتخابية، قبل أن يقاطعه رجل بملابس العشائر العراقية المعروفة ليتهم المسؤول وأمثاله بالضحك على ذقون السكان البسطاء للحصول على أصوات الناخبين. كان هذا جزءا من مسرحية شعبية جرت بإمكانيات بسيطة وعرضت على الهواء الطلق في إحدى ساحات مدينة العمارة، جنوب بغداد. واصطف لمشاهدة المسرحية التي أطلق عليها الحايط والدنكة، والتي تحاكي -بحسب مُعدّيها - حال المواطن العراقي والمشاكل التي يعانيها في العمارة وغيرها من المحافظات، وعلاقة المسؤول بالسكان. رصاصة وواجهت المسرحية معارضة من مسؤولين في الحكومة حاولوا منع عرضها بحجة أن المسرحية تستهدفهم بشكل شخصي. واعتبر فنانون في مدينة العمارة أن مطالبة مسؤولين بمنع عرض مسرحي بدعوى أنه يسيء لهم يشكل رصاصة في جبين الحرية ومحاولة جديدة لتقييد حرية التعبير، وقالوا إن موقف رئاسة مجلس المحافظة -الذي وجه بإقامة العرض- جاء حاسما لصالحهم. وأبدى الفنانون عزمهم المضي قدما بعرض المسرحية تحديا منهم لمن يحاول فرض القيود على حريتهم، ومن أجل ترسيخ الديمقراطية في العراق. من جانبه، قال مؤلف ومخرج مسرحية الحايط والدنكة عبد القدوس الحلفي إن بعض المسؤولين في الحكومة العراقية طالبوا بمنع مسرحية الحايط والدنكة التي عرضها نخبة من الفنانين في مهرجان الحرية الثقافي الذي أقيم في مدينة العمارة. وأضاف الحلفي للجزيرة نت أن العرض لم يمس أي طرف أو جهة أو شخصا سياسيا، بل كان يتكلم بصورة مباشرة عن حال المواطن، علما أن أغلب العروض التي تقدم في بغداد من مسرحيات ودراما تتناول الحياة السياسية بصورتها الكاملة. وأشار الحلفي بالقول كنا نتوسم بالسادة المسؤولين أن يدافعوا عن المظلومية التي تعرضت لها ميسان (العمارة) والمطالبة بحقوق الشهداء والمحرومين، وأن يشكرونا على ما قدمنا من عمل فني في تأسيس الرصيف المعرفي، لا أن نتفاجأ بهذا المنع غير المبرر من حضراتهم، لافتا إلى أن الحرية لن تتقيد بعد التغيير ولن يفرض أحد شرطا على حرية التعبير والحرية والديمقراطية. والرصيف المعرفي في مدينة العمارة (320 كم جنوب شرق العاصمة بغداد) هو نشاط ثقافي على غرار شارع المتنبي في بغداد، وتقام فيه مختلف الفعاليات الثقافية والفنية. خط أحمر وأضاف الحلفي أنهم عرضوا المسرحية بمساعدة مجلس المحافظة الذي دعم موقفهم، وأن هذا العرض هو تكملة لمشوارنا الفني بعد إتمام 47 أسبوعا ثقافيا وفنيا وإبداعيا في الرصيف المعرفي الذي اصبح جوهرة زاخرة في الوسط الثقافي على مستوى البلد. وتعاني أغلب المحافظات العراقية -ولا سيما الجنوبية والوسطى منها- من ندرة قاعات العرض السينمائي والمسارح، بسبب المواقف المتطرفة لبعض الأحزاب والحركات الدينية المهيمنة عليها، وهو ما ينذر باحتمال اضطرار المبدعين مغادرة البلاد بحثا عن فرص يطلقون من خلالها إبداعاتهم. وفي السياق نفسه، قال عضو مجلس محافظة مدينة العمارة عدنان الغنامي في حديث للجزيرة نت إن المسرحية لم تمس أحدا أو تستهدف شخصا معينا، مبينا أنها تناولت بصورة عامة الوضع السائد في البلد، ونحن في المجلس رفضنا التدخل في الأعمال التي تحتوي على عمل بنّاء وهادف، خصوصا من قبل الفنانين والناشطين، بالإضافة إلى عدم المساس بالعمل الصحفي مطلقا لما يمثله من خط أحمر. بدوره، قال رئيس اتحادات نقابات عمال ميسان سعد جاسم، والذي كان أحد الحاضرين، في حديث للجزيرة نت إن على الجميع أن يفهم ما معنى حرية الرأي والديمقراطية، فالمسرحية تنطبق على وجهة نظر الفنانين وواقع المسؤولين في العراق. وأضاف جاسم ليفهم السياسيون أنهم اليوم في السلطة وغدا خارجها وعليهم احترام آراء الاخرين.
مشاركة :