د. محمد السعيد إدريس على الرغم من القرار الذى اتخذته الحكومة الأردنية فى السابع عشر من أكتوبر/ تشرين أول من عام 2018 بإنهاء العمل بالملحقين الخاصين بمنطقتي الباقورة الواقعة في شمال المملكة والغمر الموجودة في جنوبها، واعتبار أنه قرار قطعي ونهائي، إلا أن حكومة الاحتلال «الإسرائيلى» ظلت تراوغ على مدى عام كامل منذ إعلان هذا القرار الذي كان من المقرر أن يتم تفعيله بعد عام كامل من ذلك التاريخ حسب ما نصت عليه اتفاقية السلام الأردنية- «الإسرائيلية» (اتفاقية وادي عربة) الموقعة عام 1994، أملاً في إقناع الحكومة الأردنية بالتراجع عن هذا القرار والقبول بإعادة تأجيرها لمدة 25 سنة أخرى.خلال هذه السنة التي مضت وحتى الشروع في تنفيذه عندما تم إقفال البوابات «الإسرائيلية» المؤدية لهاتين المنطقتين يوم السبت الفائت (9/11/2019) عمل «الإسرائيليون» كل ما يمكن عمله لاستمرار فرض سيطرتهم على المنطقتين. قدموا الإغراءات واستخدموا التهديدات التي وصلت إلى ذروتها على لسان بنيامين نتنياهو الذي هدد بضم المنطقتين إلى السيادة «الإسرائيلية» على غرار ما حدث في القدس المحتلة وهضبة الجولان السورية المحتلة إذا لم توافق المملكة على إعادة تأجيرهما لمدة 25 سنة أخرى، لكن القرار الذي صدر منذ عام التزاماً بنص «اتفاقية وادي عربة» الذي يقول «بتجديدها لمدة 25 عاماً أخرى تلقائياً في حال لم تطلب الحكومة الأردنية استعادتها قبل عام من انتهاء المدة»، التزمت المملكة بإعلانه، وعلى لسان الملك عبد الله الثاني صبيحة يوم إغلاق بوابات المنطقتين أمام المزارعين «الإسرائيليين».اختار الملك أن يعلن القرار أمام البرلمان الأردني يوم الأحد الماضي احتراماً لإرادة الشعب الأردني الذي ظل على تماس كامل بكل الممارسات الاستفزازية «الإسرائيلية» وتجاوزت مطالبة استعادة هاتين المنطقتين للمطالبة بما هو أهم وبالتحديد قطع كل علاقة أردنية بالكيان ابتداءً من المطالبة بالانسحاب الأردني من صفقة الغاز «الإسرائيلية»، وإغلاق السفارة «الإسرائيلية» في عمان، إلى إلغاء اتفاقية وادى عربة. وفي الوقت الذي كان التلفزيون «الإسرائيلى» ينقل مشاهد «الحسرة» على وجوه المزارعين «الإسرائيليين» الذين أمعنوا في الحديث عن «الصدمة» و«المفاجأة» التي لا يصدقونها بخسران ما يعتبرونه «مصادر رزقهم ومستقبلهم» حسب ما يروجون رغم ما يعرفونه من معلومات تتعلق بظروف قبول الأردن تأجير هاتين المنطقتين للجانب «الإسرائيلى» في محادثات «وادي عربة»، فقد كان هذا القبول محاولة لإنقاذ المحادثات بعد أن رفض الأردن عرضاً «إسرائيلياً» بالتنازل عنهما مقابل الحصول على أراض «إسرائيلية» بديلة.يعرف «الإسرائيليون» ذلك جيداً، لكنهم كعادتهم في سرقة الحقوق، وسرقة التاريخ، كانوا يريدون فرض إعادة تأجيرها لمدة 25 عاماً أخرى على أمل أن يتم الاستيلاء عليها بالتقادم. من هنا جاءت صدمتهم من القرار الأردن.هم يروجون الآن لوجود ممتلكات فعلية وقانونية لعائلات «إسرائيلية»، وسيحاولون فرض التعامل الأردني مع هذه الممتلكات باعتبارها ممتلكات سيادية «إسرائيلية»، ومنها يفرضون الدخول من «إسرائيل» إلى هذه الممتلكات والخروج منها مباشرة، والبقاء فيها ب «منظور السيادة الإسرائيلية»، وهذا ما يجب أن ترفضه الحكومة الأردنية، التي ستكون مطالبة بالتأكد أولاً من صحة مثل هذه المزاعم الخاصة بالملكيات «الإسرائيلية» وحقوق أسر المزارعين «الإسرائيليين»، وإذا ما تم التأكد من وجود مثل هذه الممتلكات والملكيات الزراعية عليها أن تتعامل مع مثل هؤلاء الملاك مثل غيرهم من المستثمرين، أي أن يكون الدخول إلى المنطقتين حيث توجد هذه الملكيات عبر المنافذ الرسمية الأردنية وليس الدخول المباشر إلى المنطقتين من الأراضي «الإسرائيلية» المجاورة، وأن يكون الدخول إلى الأردن بتأشيرات من المراكز الحدودية الأردنية وليس مباشرة إلى أراضي الباقورة والغمر مثلهم مثل كل أجنبي يدخل إلى الأراضي الأردنية. أقصى ما يمكن توقعه شعبياً بعد هذا القرار هو استعادة الثقة الشعبية في حكومة الدكتور عمر الرزاز والقبول تكتيكياً بالإصلاح بدلاً من التغيير، شرط أن تكون الحكومة مستعدة فعلياً للقيام بهذا الإصلاح، وإلا سيضيع زخم فرحة عودة السيادة إلى أرض أردنية كانت مختطفة ويراد اختطافها، في وقت تحيط الأحداث الساخنة بالجوار الأردني في العراق ولبنان حيث تستعر المطالبة بالتغيير وإسقاط النظام ناهيك عن كل ما يحدث فى سوريا، حيث يصعب أن يبقى الأردن بعيداً عن تداعياتها وأثمانها الباهظة. فاستعادة الباقورة والغمر بقدر ما تدعم من الثقة في الحكومة بقدر ما تفتح شهية الشعب للإصلاح الحقيقي المأمول، وهو ما يجب أن تكون الحكومة الأردنية مستعدة له باعتباره استحقاقاً مشروعاً. mohamed.alsaid.idries@gmail.com
مشاركة :