عنيت الشريعة الإسلامية بتأسيس المجتمع الإسلامي على التآلف والمودة والرحمة مع الآخرين، فالمؤمنون في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، وذلك لبناء مجتمع متماسك يحب بعضه بعضا.. مجتمع يتحاب في الله ويبغض في الله. وقد أراد الإسلام تهذيب طبيعة الإنسان البشرية في حالة الحب والبغض، بحيث لا يجعله يسير وراء هواه في حب الناس وبغضهم؛ لهذا لم يترك الإسلام مقاييس الحب والبغض وفقا لهوى النفس البشرية، بل وضع لها موازين محددة، بحيث يكون حب الإنسان وبغضه في الله، فيقول صلى الله عليه وسلم: (من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان) (صحيح سنن أبي داود). ولأن منزلة الحب في الله تسمو لأعلى المراتب، فقد ترتب على الحب في الله آثار عظيمة، منها أنه استكمال لمراتب الإيمان. ولعظم وأهمية هذا الحب، فقد جعله الله تعالى عبادةً يُثاب عليها المؤمن يوم القيامة، ففي الحب في الله راحة نفسية، وسعادة للمحب قبل المحبوب فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنَّ رَجُلًا زارَ أخًا له في قَرْيَةٍ أُخْرَى، فأرْصَدَ اللَّهُ له، علَى مَدْرَجَتِهِ، مَلَكًا فَلَمَّا أتَى عليه، قالَ: أيْنَ تُرِيدُ؟ قالَ :أُرِيدُ أخًا لي في هذِه القَرْيَةِ، قالَ: هلْ لكَ عليه مِن نِعْمَةٍ تَرُبُّها؟ قالَ: لا، غيرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ في اللهِ عزَّ وجلَّ، قالَ: فإنِّي رَسولُ اللهِ إلَيْكَ، بأنَّ اللَّهَ قدْ أحَبَّكَ كما أحْبَبْتَهُ فِيهِ) (أخرجه الإمام مسلم في صحيحه). ويؤكد الطبيب النفسي الدكتور محمد كمال الشريف في كتابه سكينة الإيمان أن: الحب لا يكون حقيقيا، ولا يكون قادرا على تخليص الإنسان من إحساسه بالوحدة والعزلة في هذا الوجود، إلا عندما يكون حبا منزها عن الغرض، والمصلحة، والاحتياج. ولقد حرص الإسلام على القواعد التي تجعل هذا الحب واقعاً ملموساً يعيشه المسلم، ويستظل به في هذه الدنيا، فيقول صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه) (رواه أبو داود والترمذي). كما أكد الشريف أن السبيل الوحيد لتحقيق هذا الحب المجرد عن الغرض، هو أن ينقي المؤمن قلبه من مشاعر العداوة والحسد والتعالي، إذ لا حب بلا احترام.. مع محاولة أن يسبق هذا الحب، مرحلة تمهيد له، وهي أن يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه. والإسلام بحق دين قائم على الحب والوئام، وخير دليل على ذلك المحبة التي غرسها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار -والتي جاءت بعد أن كان الناس أعداء في شحناء وبغضاء وخصام- تلك المحبة التي عجزت الدنيا أن تأتي بمثلها إلا في الإسلام. حقا إنها عبادة عظيمة.. لكنها منسية! كاتبة وباحثة مصرية
مشاركة :