ذات مرة وصفه زميلنا الكاتب الدكتور علي الموسى بأنه مدير أكبر جامعة سعودية، وكان محقاً في ذلك إذ لم يكن غيره مسؤولا في وقت من الأوقات عن قرابة 150 ألف طالب وطالبة تحت إدارة واحدة. المعني بذلك الوصف هو الدكتور محمد العيسى الملحق الثقافي في أمريكا الذي يغادر موقعه بعد 12 عاماً من العمل الشاق المتواصل الذي يستنزف أقصى طاقات الإنسان ويجبره أن يكون في حالة استنفار دائمة للتعامل مع كل الظروف التي يواجهها ذلك العدد الكبير من المبتعثين في قارة مترامية الأطراف.الجهد الذي تبذله الملحقيات الثقافية، أو التعليمية على الأصح، كبير ومعقد، لكنه في ملحقية أمريكا يتجلى بشكل أكبر وأوضح، وأتذكر أول زيارة لي للملحقية قبل سنوات عندما وصل عدد المبتعثين ومرافقيهم في أمريكا أعلى رقم في تأريخ برنامج الابتعاث. اصطحبني حينها الدكتور محمد وفريقه في جولة على أقسام الملحقية وشرح مهامها ومسؤولياتها المختلفة، شعرت أنني أتجول في وزارة مصغرة، وفي كل زيارة لاحقة كنت أتعرف على خدمات جديدة من خلال برنامج تطوير متواصل. وفي كل مرة كنت أتخيل صعوبة الإشراف على كل ما يتعلق بذلك العدد الضخم، أكاديميا وإداريا وماليا وصحيا واجتماعيا وقانونيا في كل الولايات الأمريكية تقريباً، وتقديم كل أشكال الدعم لتيسير حياة المبتعثين وتحقيق نجاحهم في بيئة مختلفة ومعقدة.كان الدكتور محمد حاضراً في كل الأوقات وسهل الوصول، وله أسلوبه الخاص في ايجاد الحلول للمشاكل المختلفة، لم أكن أعرف متى ينام أو كيف يستقطع وقتاً لأسرته وشؤونه الخاصة لأنه متواجد على مدار الساعة خارج وقت الدوام. آخر مرة قابلته هذا العام كان عائداً من زيارة طبيبه لمتابعة آثار الإرهاق المتواصل، لمّح لي بحاجته إلى تخفيف العبء الذي أصبح مؤثراً على صحته، كنت مشفقاً عليه وأتمنى أن يرتاح لكني كنت أشك في قدرته على التخلي عن إدمان العمل المتواصل الذي أصبح كل حياته، لكنه حسم أمره وقرر تسليم الراية بعد رحلة نجاح استثنائية. وبالطبع لن يكون الدكتور محمد العيسى مختلفاً عن غيره من المسؤولين إذ لا بد أن تختلف حوله بعض الآراء، لكن ما لا يمكن الاختلاف عليه أنه أسس وقاد بنجاح كبير أكبر جامعة سعودية في الخارج لأكثر من 12 عاما. من حقه علينا أن نشكره ونتمنى له التوفيق في أي مهمة جديدة توكل إليه.
مشاركة :