عطاء مفتوح بابه على مصراعيه لكل زمان ومكان

  • 11/15/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

شهر ربيع الأول وهو ربيع الزمن لكل عام، يحمل هذا الشهر المبارك إشارات بليغة، منها إشارة مسرة وابتهاج بميلاد رسول هذه الأمة العظيمة الخالدة التي لها في ميزان التاريخ ثقل ليس لغيرها على مدى التاريخ الإنساني. فليس الشهر من عامة الشهور، بل هو مهرجان وذكريات سعيدة مبارة كريمة تشعر فيه الإنسانية بالأفراح والمسرات والبهجة والنعيم ما دامت تملك في ضميرها وجداناً إنسانياً لطيفاً، وشعوراً ملائكياً رقيقاً وفهماً فاضلاً سديداً. في شهر ربيع تلقى الإنسان أعظم درس لصلاح حياته ولفضيلته وخيره، ونالت فيه طبقاته المظلومة إنصافا ورحمة، ورأت البشرية مولد أعظم بطل من أبنائها، كان بحياته وسلوكه وتفانيه في سبيل خير الإنسان وإسعاده نموذجاً نادراً ومثالاً فاخراً. ومن المعروف أنه ما من حدث من أحداث السيرة النبوية ولا موقف من مواقفها إلا ينضب من العبر والعظات والدروس التي تصلح لتربية الأمة جيلاً بعد جيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. تحمل السيرة في طيها أمثلة نادرة ونماذج فريدة من هذا النمط أودعها الله سبحانه وتعالى في حياة نبيه صلى الله عليه وسلم لكي نتبع فيها رسوله ما استطعنا، وننسج على منواله ونهتدي بهديه، فإن في حياته وشخصيته خير قدوة للإنسانية كلها. إن حياته الكريمة قد بلغت من معاني الفضل والرحمة والبر ما لم تعؤفه الإنساية قبله، إنها جوانب متعددة وأنواع مختلفة وأطراف كثيرة. إن هذه السيرة المباركة تصغي إليها آذاننا وتهفوا إليها قلوبنا، لتحمل في طياتها ما يضيئ لنا الطريق وينير السبل في أطوار الحياة المختلفة. فالسيرة النبوية روحا للإسلام وتجسيداً حيًّا لجميع تعاليم الإسلام. والسيرة النبوية هي عبارة عن الرسالة التي حملها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المجتمع البشرى قولًا وفعلًا وتوجيهاً وسلوكًا. فبدَّل مكان السيئة الحسنة وأخرج بها الناس من الظلمات إلى النور ومن عبادة العباد إلى عبادة الله. فهي ربانية المصدر. إذ قال الله سبحانه وتعالى «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً» (القرآن: سورة النساء: 170) ولا توفر السيرة النبوية تفسيراً دقيقاً للقرآن الكريم بالمعنى اللغوي فحسب بل هي مرجعاً تاريخياً حيث دراسة السيرة النبوية جزء من دراسة التاريخ. والتاريخ له أهمية خاصة في حياة الأمم صاحبة الرسالة المستمرة المتصلة لأنه يعينها على فهم طبيعة الرسالة والثقة في إمكانية تحقيقها على أرض الواقع كما تحققت في عهود سابقة. والإسلام على وجه الخصوص والتحديد قد ردم الفجوة بين النظرية والتطبيق. فما ظهرت نظرية من النظريات على وجه الأرض إلا وحدث بينها وبين التطبيق الواقعي فجوة طبيعية لاستحالة تطبيق النصوص تطبيقاً كاملاً على أرض الواقع. وليس هناك شاهداً على إمكانية تطبيق النصوص تطبيقاً واقعياً كاملاً خير من السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي في عصور الالتزام بالمنهج العلمي والتاريخي. إن السيرة النبوية تجربة غنية فيها من الدروس والعبر. فهي زاخرة بدلالاتها متنوعة بمعطياتها ومهمة بوقائعها إذ هي عطاء مفتوح بابه على مصراعيه لكل زمان ومكان. وهي أساس الحياة السعيدة في الدنيا والآخرة وهي طريق الرقي في مدارج السمو والكمال فبدون فهم السيرة النبوية، لا يمكن لنا أن نفهم القرآن الكريم بكلمة المعنى. تعلم دراسة السيرة النبوية الحكمة في أرقى صورها. والحكمة هي أن تضع الشيء في مكانه. وحياة النبي كلها مملوؤة بالحكمة والعبرة. إن دراسة السيرة النبوية لها فوائد كثيرة ومنها الفقهية والتشريعية والإدارية والسياسية والمبادئ التربوية والاجتماعية والفنون العسكرية فضلاً عن الشخصية النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى والقدوة الحسنة التي يتخذ منها الفرد المسلم شعاعاً ينير له الطريق نحو الهداية وأداء الرسالة عبر رحلته في الحياة ومحركاً لسلوكه في معاشه وحياته كلها. إن المثل الأعلى الذي ضربه النبي في حياته الكاملة من الأخلاق العالية شئ لا مثيل له في التاريخ. فكانت أعماله نبراساً للأمة تستضيء بنورها وترشف من معينها الذي لا ينضب، فلا تبحث عن شيء من مناحي الحياة إلا وله أصل في سيرته صلى الله عليه وسلم. فإن السيرة النبوية الطيبة الجامعة لشتى الأمور، هي ملاك الأخلاق وحماع التعاليم لشعوب العالم وللناس كافة في أطوار الحياة كلهاوأحوال الناس على اختلافها وتنوعها. وقد كتب العلامة السيد سليمان الندوي في كتابه الشهير «الرسالة المحمدية»- «أيا من كنت، وفي أي شأن كان شأنك، فإنك مهما أصبحت أو أمسيت، على أي حال بت أو أصبحت، فلك في حياة محمد صلى الله عليه وسلم هداية حسنة وقدوة صالحة». إن السيرة النبوية تعطي كل جيل ما يفيده في مسيرة الحياة وهي صالحةٌ لكل زمان ومكان وستبقى السيرة النبوية المنارة التي تهتدي بها الإنسانية. وسوف تبقى السيرة النبوية نبعاً صافياً ينهل منه كل دارس على مر العصور فهي بكر متجددة للاهتداء بها في كل موقف وحدث وكل عصر ومصر. * الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها جامعة عالية، كولكاتا - الهند

مشاركة :