شهدت الأحواز، مركز محافظة خوزستان في جنوب غرب إيران، تظاهرة عارمة ضد طهران رافقت تشييع جنازة شاعر شاب تتهم عائلته النظام الإيراني بتسميمه. ورغم أنها ليست المرة الأولى التي تشهد فيها هذه المنطقة ذات الكثافة السكانية العربية مثل هذه الاحتجاجات إلا أن صداها هذه المرة كان أكثر إثارة لقلق طهران التي أعلنت النفير لقمع أي تحرك احتجاجي يظهر في مختلف أنحاء البلاد وهي تتابع بحذر ما يجري في العراق ولبنان. يمارس نظام طهران سياسة عنصرية وانتقامية ضد جميع الأعراق الموجودة في البلاد، وخاصة ضد عرب الأحواز، حيث يمعن في حرمانهم من حقوقهم المادية والمعنوية، وهو ما دفع بهذه الأقلية إلى الاحتجاج والانتفاض في كل مناسبة في محاولة لفك العزلة عنها ولفت الانتباه إلى معاناتها. وبقدر ما كان يمعن النظام في القمع وسياسات طمس الهوية كان صوت الأقليات يرتفع. ويمكن القول إن من إيجابيات “الانفتاح” الإيراني في السنوات الأخيرة بعد توقيع الاتفاق النووي هو تسليط الضوء على ما يجري في العمق الإيراني وفي أطراف البلاد حيث تتركز أغلب الأقليات. المخابرات الإيرانية أشرفت على دفن الشاعر الحيدري ومنعت إجراء مراسم تشييع له وإقامة صلاة الجنازة عليه ويعتبر عرب الأحواز من أكثر الأقليات إثارة لغضب المركز، لذلك غالبا ما تكون الآلة القعمية أشدّ بطشا بهم، وأبناؤهم من أكثر المعرّضين للاغتيالات. فالأحواز، التي تحمل الهوية العربية وتطالب بالاستقلال، ويحدها من الغرب العراق ومن الجنوب الخليج العربي وبحر عمان من الشرق ومن الشمال إيران بحدود جبال زاغروس، قنبلة موقوتة قد يؤدّي انفجارها إلى فقدان طهران منجم ذهب لا يقدّر بثمن. ورغم أن المخابرات الإيرانية أشرفت على دفن الشاعر الحيدري ومنعت إجراء مراسم تشييع له وإقامة صلاة الجنازة عليه، إلا أن ذلك لم يمنع أهالي المنطقة من الخروج إلى الشارع ما أدى إلى اندلاع مواجهات بينهم وقوات الأمن. وخلال تشييع الشاعر الشاب حسن الحيدري (29 عاما)، بث ناشطون شريطا مصورا لمتظاهرين أحوازيين ينزلون العلم الإيراني من إحدى ساحات المنطقة، ويرددون شاعرات مناهضة للنظام الذي تتهمه عائلة الحيدري بتسميم ابنها عندما كان موقوفا في أحد السجون الإيرانية بسبب قصيدة انتقد فيها النظام. قصيدة جريئة قال جواد الحيدري، ابن عم الضحية، إن “حسن تعرض لمضايقات عديدة من قبل النظام، واعتقل عدة مرات، وهدد بالتصفية الجسدية من قبل المخابرات الإيرانية، بسبب نشاطاته الأدبية والسياسية”، وأشار إلى أن المخابرات الإيرانية منعت تشريح جثة الشاعر الراحل لمنع التعرف على سبب الوفاة. وسبق أن اعتقل الحيدري عدة مرات من قبل مخابرات الأحواز كان آخرها في 11 أغسطس 2018 وذلك بسبب أشعاره ونقده لأباطيل السلطة الحاكمة وسياسات إيران، وهي التي دأبت على تلفيق التهم للمعارضين. وقالت أسرته إن اعتقاله جاء على خلفية إلقائه قصيدة جريئة في وقت سابق تحت عنوان “كله كذب هذا الحكي“. التيار الوطني العربي الديمقراطي في الأحواز يؤكد أن “الطريقة التي توفي بها الحيدري لا تدع مجالا للشك بأن النظام الإيراني هو الذي دبّر هذه الجريمة" انتقدت القصيدة المسؤولين الذين يستغلون عواطف المواطنين البسطاء لمآربهم وبث الفرقة في المجتمعات الواحدة. ووصف الشاعر كل ما يقوله الملالي على منابر الحسينيات بالكذب، وشبّه في قصيدته أن ما يحدث في المدن الأحوازية مثل عبادان والمحمرة من عطش وفقدان للمياه على يد السلطات الفارسية يشبه لما حدث للحسين في كربلاء. وقالت المنظمة الأحوازية لحقوق الإنسان إن قوات الأمن الإيرانية اعتقلت شقيق الشاعر الراحل حسين الحيدري بعد مواجهات حصلت أثناء مراسم العزاء بين الحشود الشعبية الأحوازية والأمن الإيراني. وذكرت مصادر أحوازية أن قوات الأمن قامت برمي المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع واعتقلت العشرات من المتظاهرين من بينهم شعراء وفنانون قاموا برثاء الحيدري. وطالبت المنظمة الأحوازية لحقوق الإنسان المؤسسات الإنسانية الحكومية وغير الحكومية بوقف الاعتقالات العشوائية والإفراج الفوري عن كافة المعتقلين الأحوازيين. ونددت حركة التحرير الوطني الأحوازي باغتيال الشاعر الأحوازي حسن الحيدري الذي اعتبرت أن موته يؤكد الأسلوب المتبع من طرف النظام الإيراني في التعامل مع المعارضين والمناوئين لحكمه، القائم على تكميم الأفواه والاغتيال. الملف الأسود تعتبر الاغتيالات والاختطاف من الثوابت الإيرانية، التي بدأها النظام منذ سنواته الأولى في الحكم، حيث نفذت ميليشيا حزب الله اللبناني، ذراع الملالي في لبنان، عملية اختطاف لـ96 أجنبيا سنة 1982، استمرت لمدة 10 أيام. وعادت إيران عبر حزب الله عام 1983 مجددا بعملية إرهابية أخرى، تمثلت بتفجير السفارة الأميركية في بيروت، ما أسفر عن مقتل 63 شخصا. ونفذ الحرس الثوري الإيراني في العام نفسه هجوما انتحاريا على مقر مشاة البحرية الأميركية، أدى إلى مقتل 241 شخصا وجرح أكثر من 100 من أفراد البحرية والمدنيين. كما نفذ الحرس الثوري الإيراني العديد من الاغتيالات في صفوف المعارضة الإيرانية، تمثلت باغتيال عبدالرحمن قاسملو، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، ومساعده عبدالله آذر في فيينا بالنمسا عام 1989. وعرفت الأحواز مقتل عدد من المبدعين من بينهم الشاعر نبي نيسي الذي توفي في حادث سير مدبر في 1979، والشاعر أيوب أمير خنافرة في 2006 بعد حادث سير مدبر، والشعراء طاهر السلامي وعباس عاولة وناظم الهاشمي، الذين قتلوا في حوادث سير مدبرة في 2008، والشاعر أبوسرور الصياحي في 2012، بعد تسميمه في السجن، إلى جانب الشاعر أحمد مولة الأحوازي الذي اغتيل بهولندا في2017. وأكد بيان التيار الوطني العربي الديمقراطي في الأحواز أن “الطريقة التي توفي بها الحيدري لا تدع مجالا للشك بأن النظام الإيراني هو الذي دبّر هذه الجريمة“. كما دعا الأمين العام للمركز الخليجي الأوروبي لحقوق الإنسان فيصل فولاذ إلى إجراء تحقيقات دولية حول الوفاة، وأكد أن “المركز يرفض أي إهمال من قبل المنظمات الدولية بشأن هذه القضية لأن الشعب الأحوازي والنشطاء يعانون من التهميش والقتل المبرمج والاعتقالات التعسفية من قبل السلطات الإيرانية وهو ما يعد انتهاكا للقانون الدولي لحقوق الإنسان“.
مشاركة :