دخلت السلطات الإيرانية في مغامرة جديدة باعتماد خطة تقنن تجارة الوقود، والتي يتوقع أن تلاقي اعتراضات واسعة من المواطنين بسبب ضعف قدرتهم الشرائية في ظل قسوة الحظر الأميركي. وتفاقم انتشار آثار العقوبات الأميركية في جميع مفاصل حياة الإيرانيين، حيث أدى انهيار الريال إلى غليان الأسعار وإرباك حركة تجارة التجزئة. وأفاد التلفزيون الإيراني الرسمي أن طهران بدأت في تقنين توزيع البنزين ورفعت أسعاره الجمعة، بالتزامن مع تصريحات مسؤول حكومي قال إن “حصيلة ذلك ستستخدم في تمويل دعم الأسر المحتاجة”. وتعد أسعار البنزين في إيران من بين الأرخص في العالم بسبب الدعم الكثيف، لكن البلد يكافح تهريبا متفشيا للوقود إلى الدول المجاورة. وأعلنت الشركة الوطنية لتوزيع المشتقات النفطية الإيرانية رفع أسعار البنزين بنسبة 50 بالمئة تماشيا مع الحصة الشهرية على أن تتضاعف خمس مرات خارج الحصة الشهرية. وسيزيد سعر لتر البنزين العادي إلى 15 ألف ريال (12.7 سنت أميركي) من 10 آلاف ريال على أن تكون الحصة الشهرية للسيارة الخاصة عند 60 لترا في الشهر. وسيبلغ سعر أي مشتريات إضافية 30 ألف ريال للتر. وتعكس الخطوة فشل الحكومة في معالجة تداعيات اقتصادية سلبية للغاية، خاصة بعدما قارب مؤشر التضخم السلعي حاجز 51.4 بالمئة بنهاية أبريل الماضي، وفق مركز الإحصاء الإيراني. ونقل التلفزيون الرسمي عن مدير منظمة التخطيط والميزانية محمد باقر نوبخت قوله إن “حصيلة زيادة الأسعار ستستخدم لتمويل دعم إضافي يستهدف 18 مليون أسرة أو نحو 60 مليون شخص”. ورغم احتياطاتها الضخمة من الطاقة، تجد إيران صعوبة منذ سنوات في تلبية الطلب المحلي على الوقود بسبب نقص السعة التكريرية وعقوبات دولية تحد من توافر قطع الغيار اللازمة لصيانة المجمعات. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحب من اتفاق نووي دولي مع إيران العام الماضي، وأعاد فرض عقوبات على صناعتها النفطية الحيوية وقطاعات أخرى. وأحبط البرلمان الإيراني قبل فترة خطة حكومية أعلنها الرئيس حسن روحاني تتضمن رفع أسعار رسوم ناقلات النفط ضمن الموازنة العامة للعام المالي الجديد، التي بدأت في مارس الماضي. ومن الواضح أن عجز العوائد النفطية بنحو 40 بالمئة ضمن الموازنة العامة سيدفع حكومة طهران إلى التخلي عن الدعم تدريجيا واتخاذ المزيد من إجراءات التقشف في النفقات. وتأمل طهران من الخطوة في تحصيل عوائد تقدر بنحو 60 تريليون ريال يوميا دون اكتراث بمعاناة المواطنين المتضررين من موجات الغلاء المستمرة. وفي شهر سبتمبر الماضي، كشف نوبخت أن مشروع موازنة السنة المالية القادمة لن يأخذ بعين الاعتبار إيرادات النفط المتراجعة. وحذر صندوق النقد الدولي في وقت سابق هذا العام من أن العقوبات الأميركية المشددة على إيران قد تتسبب في ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوى منذ أربعة عقود. ويأتي هذا التحذير في وقت يعاني فيه الاقتصاد الإيراني من أزمات كثيرة، في ظل ضعف العملة والعقوبات الأميركية على صادرات النفط. وانكمش الاقتصاد الإيراني 3.9 بالمئة العام الماضي بحسب تقديرات الصندوق، وتوقع أن ينكمش الاقتصاد 6 بالمئة خلال العام الجاري. وقال مسؤول أميركي في وقت سابق إن العقوبات الأميركية بحق إيران حرمت الحكومة من إيرادات نفطية تزيد عن عشرة مليارات دولار. وفقدت العملة الإيرانية أكثر من 60 بالمئة من قيمتها العام الماضي، وهو ما أضر بالتجارة الخارجية ورفع معدل التضخم السنوي. وحاولت طهران منذ بداية العام الجاري إخفاء الانهيار الكبير لقيمة العملة، والذي يكشفه أي حديث عن تعاملات اقتصادية، إذ تتردد أرقام التريليونات دون أن تشير سوى إلى مبالغ متواضعة. واقترح البنك المركزي الإيراني في يناير الماضي حذف أربعة أصفار من العملة المحلية، بعدما تسارع انحدار قيمتها منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في مايو الماضي. ونسبت رويترز لمستشار ترامب للأمن القومي، جون بولتون، قوله في أغسطس الماضي “أعتقد أن عودة العقوبات كان لها أثر مدمر على اقتصادهم وأعتقد أن الأمر سيزداد سوءا”. ويتوقع مراقبون أن تواجه الحكومة الإيرانية سخطا شعبيا جديدا مثلما حصل في أواخر 2017، بعد أن أدى ضعف العملة وانفلات التضخم إلى احتجاجات متقطعة في الشوارع.
مشاركة :