مع الطيّ الرسمي لمحاولةِ تزكية الوزير السابق محمد الصفدي كرئيسٍ يتم تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان، عادتْ البلادُ إلى الدوران في المربّع الأوّل من الأزمةِ التي انفجرتْ مع انطلاقِ «ثورة 17 أكتوبر» التي أطاحت بحكومة الرئيس سعد الحريري وحشرتْ السلطةَ في زاويةِ عدم القدرة على «إشاحة النظر» عن الانتفاضة التي لا تستكين ومطالبها الثابتة (بدءاً من حكومة اختصاصيين مستقلّين تمهّد لانتخابات مبكرة) وعدم الرغبة في الإطاحة بقواعد اللعبة التي حكمتْ المَشْهد السياسي أقلّه في العقد الماضي وأفضتْ إلى فرْض توازناتٍ لا يمكن قياسها إلا في «الميزان» الإقليمي. وغداة طلب الصفدي «سحب اسمي من التداول كأحد الأسماء المطروحة لتشكيل الحكومة العتيدة على أمل أن يتم تكليف الرئيس الحريري من جديد»، شخصتْ الأنظار إلى المساريْن المتوازييْن اللذين يتسابقان «فوق فوهة» واقعٍ مالي بدأ يستدرج سيناريواتٍ مُخيفة ما لم تتم لملمة الوضع مؤسساتياً بما يُحْدث الصدمة المطلوبة داخلياً وخارجياً. وهذان المساران هما:* الأول الثورة التي تمْضي منذ 32 يوماً في مُراكَمة الإنجازات، من إسقاط الحكومة قبل 20 يوماً باستقالة رئيسها، والإطاحةِ بجلسة تشريعية كانت مقرَّرة للبرلمان الثلاثاء الماضي وعلى جدول أعمالها بنودٌ اعتبرها المنتفضون «تهريبة» مثل قانون العفو العام، وصولاً إلى «الاحتراق» السريع لورقة الصفدي رغم تفاهم كل أطراف السلطة على اسمه، وليس انتهاءً بأوّل «انتصارٍ انتخابي» للثورة تَمَثّل أمس في فوز ملحم خلف بمركز نقيب المحامين في بيروت في مواجهة أحزاب السلطة. * والمسارُ الثاني هو الواقع السياسي الذي يزداد إرباكاً و«عصْفاً» بين أعضاء الائتلاف الحاكم، ما جَعَل من شبه المستحيل تَوَقُّع اختراقاتٍ قريبة في جدار المأزق.وفي هذا الإطار شكّل انسحابُ الصفدي رسمياً من مشهد التكليف بعد لقاءٍ عقده مساء الأحد مع رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، «فتيلاً» جديداً ساهم في إذكاء «نار» الخلافِ الذي انفجر بين التيار والحريري على خلفيةِ ملابسات تسريب اسم الصفدي ثم التنصل منه قبل ترْك المجال للأخير لـ«حفْظ ماء الوجه» بإعلان عزوفه عن قبول أي تكليف، ليدخل بعدها على خط «التوتر العالي» بين الحريري وفريق رئيس الجمهورية ميشال عون. وبدأ هذا «التقاصف» أمس مع رواية «التيار الحر» حول اقتراح تسمية الصفدي وفيها أنه «تم الاتفاق بين الحريري والصفدي على 3 أمور التزم بها الحريري لتأكيد دعمه: دعْم مفتي الجمهورية، دعم رؤساء الحكومة السابقين ودعم علني واضح من الحريري. ولم ينفّذ الحريري أيّاً من الأمور الثلاثة»، موضحاً «هناك مماطلة وتأخير لحرق الأسماء والضغط بالظروف الصعبة».ولم يتأخر الردّ «الناري» من الحريري عبر مكتبه الإعلامي على تحميله من «التيار الحر» مسؤولية انسحاب الصفدي «بحجة تراجعه عن وعود مقطوعة وبتهمة أن هذا الترشيح لم يكن إلا مناورة مزعومة لحصر امكان تشكيل الحكومة بشخص الرئيس الحريري»، لافتاً إلى أن بيان الانسحاب «يكذب كلياً مزاعم التيار الحر ومسؤوليه». ولم يكد أن يجف حبر كلام رئيس الحكومة المستقيل، حتى عاجَلَه الصفدي بموقف مفاجئ اعتبر فيه أن بيان الحريري «تضمّن تفنيداً لما صدَر عني وذلك في إطار الاستخدام السياسي»، موضحاً أن انسحابه جاء نتيجة عدم التزام الحريري «بالوعود التي على أساسها قبلتُ أن أسمّى لرئاسة الحكومة والتي كان قطعها لي لكنه لم يلتزم بها لأسباب ما زلت أجهلها». وصدر عن اللجنة المركزية للإعلان في التيار الوطني الحر: «(...) اصبح واضحاً ان سياسة الرئيس الحريري لا تقوم فقط على مبدأ أنا أو لا أحد على رأس الحكومة، بل زاد عليها مبدأً آخر وهو أنا ولا احد غيري في الحكومة، وذلك بدليل إصراره على أن يترأس هو حكومة الاختصاصيين؛ وتبقى شهادة الوزير الصفدي المقتضبة واللائقة كافية لتبيان من يقول الحقيقة». وعشية الموعد الثاني للجلسة التشريعية المؤجَّلة للبرلمان غداً، تتدافع الأسئلة حول إذا كانت الثورة ستنجح في منْع انعقادها مجدداً، وسط ملاحظة أوساط سياسية تحريك «شارع مضاد» أمس في الضاحية الجنوبية (معقل حزب الله) تحت عنوان دعْم إقرار قانون العفو وعدم السماح بقطْع الطرق لعرْقلة انعقاد جلسة مناقشته.وكان لافتاً في غمرة هذا المناخ خروج قائد الجيش العماد جوزف عون عن صمته، غداة الاشاعات عن كفّ يده على خلفية أداء المؤسسة العسكرية، إذ أعلن بعد جولة على الوحدات العسكرية في بيروت وجبل لبنان أن «الجيش مسؤول عن أمن المتظاهرين وباقي المواطنين»، مجدداً التأكيد أن اقفال الطريق أمر غير مسموح به وأن حرية التنقّل مقدّسة في المواثيق الدولية». وإذ أبدى الأسف «لاستشهاد الشاب علاء أبو فخر»، موضحاً أن هذه الحادثة هي الوحيدة التي حصلت خلال شهر من التحركات الشعبية، لفت الى أن الوضع مختلف في عدد من الدول التي تشهد أحداثاً مماثلة، والتي يسقط في بعضها عدد كبير من الضحايا وهذا ما نعمل على تفاديه.وأكد ان «التوقيفات التي حصلت أخيراً شملت عناصر عملت على إحداث شغبٍ وواجهت الجيش وحاولت منعه من تنفيذ مهمّته وتعرّضت له، كما شملت أشخاصاً من غير اللبنانيين وآخرين تبيّن أن بحوزتهم مخدرّات».
مشاركة :