تبدي العديد من الأوساط الرسمية والشعبية في مصر اعتراضها على احتكار الأزهر لسنّ القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية، والتي تعتبرها من مشمولات مؤسسة البرلمان والحكومة، فيما دور الأزهر يبقى استشاريا فحسب. ويثير قانون الأحوال الشخصية الذي أعدته مؤسسة الأزهر لتقديمه إلى مجلس النواب انزعاج سعاد محمد، وهي أم ومحامية مصرية، خاصة في ظل الدعم السلفي والإخواني لمواد القانون والدفاع باستماتة عنه، ما يفتح الباب مستقبلا لأن تكون حياة الأفراد أسيرة للفتاوى، باعتبار الشريعة المصدر الرئيسي لعلاقات الناس. لم يُعرف عن هذه الأم، أن اهتمت بالمعارك السياسية والدينية في بلادها، لكنها للمرة الأولى تتابع بقلق تلك المناوشات الدائرة بين مجلس النواب والحكومة والأزهر حول قانون الأحوال الشخصية الذي يحكم علاقات الأسرة، في الخطبة والزواج والطلاق والنفقة وحضانة الأطفال، وتأمل أن ينتصر البرلمان ويعدّ قانونا مدنيا ينظم العلاقات الشرعية، وليس قانونا كل مواده قائمة على الحلال والحرام. لا تتخيل هذه الأم، أن يكون في مصر قانون يتضمن مادة تعطي الحق للولي على المرأة أن يطلقها قضائيا من زوجها في حال عدم التكافؤ، لأن ذلك يعتبر اعتداء صارخا على حقوق وحريات النساء، ويجعلهن أسرى في بيوتهن ولسن أصحاب قرار. يتمسك الأزهر بأن يكون وحده، الجهة المسؤولة عن إعداد قانون الأحوال الشخصية بذريعة أن ذلك من “الواجب الشرعي عليه وكل مواد القانون لا بد أن تكون مصدرها الشريعة الإسلامية”، في حين يرى الكثير من نواب البرلمان أن موقف الأزهر يمثّل اعتداء صارخا على السلطة التشريعية، ويرغب في تحويل مصر لدولة دينية وتجاهل دستورها الذي شدّد على مدنيتها. وأعلنت الحكومة أنها سوف تقدم قانونها الخاص بالأحوال الشخصية إلى البرلمان ديسمبر المقبل، غير عابئة بإصرار الأزهر على الانفراد وحده بهذه المهمة، ما يمهد لوقوع أزمة سياسية بين الجهات الثلاث، إذا أصر مجلس النواب على دعم قانون الحكومة، أو تجاهلت الأخيرة قانون الأزهر ورفضت تبنيه، أو تقديمه إلى البرلمان لمناقشته. الأزهر جعل معركته مع البرلمان والحكومة تبدو كدفاع عن الشريعة، وصوّر معارضيه على أنهم ضد الارتكان إلى النصوص الإسلامية في تحديد القضايا الأسرية يوجد أمام البرلمان ستة مشروعات بقوانين تتعلق بالأحوال الشخصية، تقدم بها النواب، وحصلوا على دعم النسبة القانونية من عدد الأعضاء المطلوب قبل المناقشة (قرابة 60 نائبا)، فضلا عن ثلاثة مشروعات أخرى مقدمة من نواب لتعديل قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها فعليّا، أيّ أن هناك تسعة مقترحات برلمانية يرى الأزهر أنها والعدم سواء. يبدو أن الأزهر مستعد بقوة لخوض المعركة ضد البرلمان والحكومة، إذ لا يكف عن إصدار بيانات إعلامية تؤكد أحقيته بإعداد القانون، وآخرها حديث شيخه أحمد الطيب، قال فيه “الأحوال الشخصية للأسرة لا تصح أبدا، ولا يُقبل أن يترك الحديث فيها لمن هبَّ ودَبَّ”، واصفا دعوات البعض بعدم مشاركة الأزهر في صياغة القانون بأنها “عبث لا يليق لمن يحترم نفسه ويحترم غيره”. رأى البعض في تصعيد الطيب، أنه جاء ردا على كلام محمد محجوب مساعد وزير العدل، عندما أكد أن الحكومة شكّلت لجنة لإعداد قانون للأحوال الشخصية، أيّ أن هناك نية حكومية لتجاهل قانون الأزهر، لأن الحل الوحيد أمام المؤسسة الدينية أن تقدّم قانونها إلى البرلمان عن طريق الحكومة، إذ لا يخوّل لها الدستور تقديم قوانين من تلقاء نفسها. وتدرك السلطات المصرية حدود المناورة المسموح بها، فمنذ خمسينات القرن الماضي مثّلت مؤسسة الأزهر واجهة دينية للمؤسسة الرسمية السياسية، حيث بدأت خطوات عملية للسيطرة على المؤسسة سنة 1955 في عهد الرئيس جمال عبدالناصر من خلال إلغاء المحاكم الشرعية ما اعتبر أكثر الضربات إيلاما لها. ليتبعها عام 1957 قرار بحل الأوقاف الأهلية، ليردف ذلك بصدور قانون تطوير الأزهر الذي سمح بتحويله من مؤسسة دينية إلى توسيع نطاقه ليصبح مؤسسة عامة من مؤسّسات الدولة، وأعطت بذلك المجال للدولة بالتغلغل في نظامه الداخلي حسب مصالحها. وقالت سعاد محمد لـ”العرب”، وهي محامية في قضايا الأحوال الشخصية، إنها رغم موقفها المناهض من تصرفات البرلمان، وابتعاده عن طموحات الشارع، لكنها تدعم موقفه ضد قانون الأزهر، لأن نصوصه تفتح الباب على مصراعيه لرجال الدين للتحكم في مصائر وعلاقات الناس والمجتمع.يعتقد معارضو الأزهر، أن خوضه معارك ذات صبغة أسرية تبدو متعمدة، حتى يبتعد بنفسه عن الدخول في جدل يرتبط بتجديد الخطاب الديني وتنقيح التراث وتطهير نفسه من المتشددين، مقابل بناء قاعدة شعبية من طبقات عدة في المجتمع تكون الظهير الشعبي للمؤسسة ضد محاولات التغيير بالأمر الواقع، ومواجهة الضغوط المتلاحقة لإرغامها على التطوير. ما يلفت الانتباه، أن الأزهر يبدو وهو يخوض معركة الدفاع عن حقه في إعداد قانون الأحوال الشخصية، كأنه يدافع عن هيبته ومكانته الدينية، ويعتبر تجاهله يمثل اعتداء على الشريعة، حتى أن الطيب قال في لقائه الأسبوعي على التلفزيون المصري قبل أيام، “الأزهر لن يفرط في رسالته قيد أنملة، في ما يتعلق بالشريعة الإسلامية”، مضيفا “نحن حراس على هذه الأمانات”. يقود كلام الطيب، إلى أن الأزهر جعل معركته مع البرلمان والحكومة تبدو كدفاع عن الشريعة، وصوّر معارضيه على أنهم ضد الارتكان إلى النصوص الإسلامية في تحديد القضايا الأسرية، وهي محاولة تبدو مقصودة لدغدغة مشاعر الناس وحشد دعم الأغلبية للأزهر في موقفه، ومن ثم يحرج الحكومة ومجلس النواب ويدفعهما إلى التراجع والرضوخ إليه. تصعيد الأزهر الأخير باعتماده آراء دينية وقانونية لبعض الأصوات الهامشية التي تسنده، يكشف بوضوح أن المؤسسة الدينية، تسعى حثيثة عبر إظهار دفاعها عن الشريعة إلى التمسك بآخر مبررات وجودها، وهي التي فقدت الكثير من بريقها.
مشاركة :