انتفاضة لبنان تكسر حاجز الخوف: لا للطائفية

  • 11/19/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

في بلد تحكمه حسابات طائفية منذ أمد بعيد يلقي الحراك الشعبي في لبنان ـ على نحو غير مألوف ـ الضوء على تفاقم الغضب بين اللبنانيين من الطائفية. وفي رسالة موجهة بالخصوص لحزب الله، كشفت الاحتجاجات مدى تزايد حالة النقمة في صفوف اللبنانيين على سياسات الحزب وقياداته الذين رهنوا البلاد خدمة لأجندات إقليمية كلفت البلاد ثمنا باهضا سواء على مستوى عزوف الدول الداعمة تاريخيا للبنان عن تقديم يد المساعدة، أو في علاقة بإسقاط لبنان في فخ المساومات الدولية. ويطالب المحتجون في لبنان بإنهاء كافة مظاهر الطائفية، لاسيما في الحكم، إذ توجد في لبنان ثلاث رئاسات، هي رئاسة الجمهورية ويتولاها مسيحي ماروني، ورئاسة الحكومة ويتولاها مسلم سُني، ورئاسة مجلس النواب (البرلمان) ويتولاها مسلم شيعي. ودخلت الاحتجاجات الشعبية في لبنان شهرها الثاني، مؤكدة أن ما قبل 17 أكتوبر الماضي ليس كما بعده، إذ كسر الاحتجاج حاجز الخوف في نفوس اللّبنانيّين وفرض نفسه على كل الملفّات الحياتيّة، السياسيّة والاقتصاديّة. تلك الاحتجاجات أجبرت رئيس الحكومة، سعد الحريري، على الاستقالة، في 29 من الشهر الماضي، في ظلّ أسوأ أزمة اقتصاديّة يعاني منها لبنان منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990. ورغم استقالة الحكومة، تتواصل الاحتجاجات للمطالبة برحيل بقية مكونات الطبقة الحاكمة، المتهمة بالفساد والافتقار للكفاءة، وتسريع عملية تشكيل حكومة تكنوقراط، وإجراء انتخابات مبكرة، واستعادة الأموال المنهوبة، ومحاسبة الفاسدين داخل السلطة. ورأى طوني بولس، صحفي، أن "الثورة خلال شهر واحد استطاعت تثبيت نقاط عدّة، منها أن الشعب خرج من العباءة الطائفيّة والحزبيّة". وتابع بولس: "بحسب معلوماتي الخاصّة، أجرى حزب الله إحصاءً في سريّة تامّة وتبين له أن 76 بالمئة من اللّبنانيّين هم مع الثورة، وهذا يُعدّ إنجازًا". مشيرا إلى أن الثورة كسرت الآحاديّة في الشارع الشيعي، خصوصًا وأنّ هناك اعتبار أنّ الطائفة الشيعيّة تنتمي إلى حزب الله وحركة أمل، لكنّ الثورة كشفت حقيقة وجود تيار شيعي حرّ يُطالب بحريّته وليبراليّته ويرفض العيش تحت سقف قوى الأمر الواقع". وختم بأن "الثورة وضعت خارطة طريق أمامها لم تستطع القوى السياسيّة على مدار ثلاثين عام أن تنجزها، لذلك مسار الثورة اليوم سيُستكمل باتجاهات عدّة لاحقًا". وانطلقت الاحتجاجات رفضًا لإقرار الحكومة حزمة ضرائب جديدة على المواطنين، منها زيادة الرسوم على المشتقات النفطيّة والسجائر، وفرض رسم 6 دولارات على الاتصال بواسطة تطبيق "واتساب" المجّاني. وبدأت الاحتجاجات في ليل السابع عشر من الشهر الماضي في العاصمة بيروت ومحافظات أخرى، وتخلّلها قطع طرقات وتحطيم واجهات محالٍ ومبانٍ ومصارف، بجانب تمزيق صور لزعماء سياسيّين واقتحام مكاتب نواب في الجنوب اللبناني. فكرة المواطنية وفق أسعد بشارة، كاتب ومحلل سياسي، فإن "17 تشرين الأوّل كان موعدًا للتغيير الجذري من دون تخطيط أو إدارة من أيّ من القوى السياسيّة.. كانت ثورة شعبيّة تحمل في طيّاتها أهدافًا وطنيّة تحت عنوان (بناء الدّولة) واستعادتها من الذين خطفوا لبنان إلى الفشل والفساد". وأضاف بشارة في تصريحات صحفية أن "الإنجازات التي حقّقتها الثورة خلال هذه المدّة الزمنيّة كبيرة وكثيرة، والإنجاز الأوّل هو بروز طبقة شعبيّة عابرة للطوائف خرجت من الولاءات القديمة ودخلت في فكرة المواطنيّة". وتابع: "وهذه الطبقة التي ولدت هي الطبقة الأهمّ لبناء لبنان الذي يستحقّه اللّبنانيّون، لاسيّما وأنّها تحمل روح الشباب الذين لا ينتمون إلى جيل الحرب، ويريدون طيّ صفحة الحرب وآثارها، فالحرب العسكريّة في لبنان انتهت عام 1990، لكنّ الحرب الباردة بين اللّبنانيّين استمرّت حتى تاريخ 17 تشرين الأوّل". واستطرد: "بعد تاريخ 17 تشرين الأوّل يُمكنُنا القول بأنّنا في طريق طي صفحة الحرب وآثارها نهائيًا". وأردف: "وفي بلدٍ كلبنان يعد إسقاط الحكومة إنجازًا ضخمًا، فهذه الحكومة ليست مُجرّد حكومة أغلبيّة نيابيّة، وإنّما حكومة الطبقة السياسيّة والحكومة المحميّة بالسلاح غير الشرعي، إنها حكومة أمراء الطوائف، الذين نفذ كلّ واحد منهم حرب إلغاء للتزعم، فيما يتفق مع أمراء الطوائف الآخرين لتقاسم السلطة". ويضغط الشارع اللّبنانيّ على رئيس الجمهوريّة، ميشال عون، لبدء استشارات نيابيّة لتكليف رئيس لتشكيل حكومة إنقاذ من اختصاصيّين، تكون قادرة على إدارة الأزمة الاقتصاديّة. وبعد ساعات على أنباء عن احتمال تكليف وزير المالية السابق، محمد الصفدي، أعرب المحتجون عن رفضهم له، ونددوا بسياسة الاتّفاق في الغرف المغلقة. وطلب الصفدي، مساء السبت، بسحب اسمه من بين المرشحين لتشكيل الحكومة، قائلًا، في بيان، إن "الوضع لم يعد يحتمل الانتظار ولا المراوغة (لم يوضح مصدرها) ولا المشاورات الإضافية". ورأى أنه "من الصعب تشكيل حكومة متجانسة ومدعومة من جميع الفرقاء السياسيين تمكنها من اتخاذ إجراءات إنقاذية فورية تضع حدًا للتدهور الاقتصادي والمالي وتستجيب لتطلعات الناس في الشارع". استقالة الحكومة اعتبر علي سبيتي، كاتب ومحلل سياسي، أن "ما أنجزته الثورة حتى الآن كان بمثابة الحلم، إذ كان من المستحيل الوقوف بوجه الطبقة السياسيّة المتسلّحة بقوتي المال والسلطة". مضيفا: "استفقنا من وهم الواقع وجبروته بعد أن حوّلت الثورة الحلم إلى واقع هزّت من خلاله كيان السلطة وارتعبت الطبقة السياسيّة بعد أن فقدت حضانة الناس لها عندما تخلّوا عن منطق الطوائف، وصرخوا صرخة الوطن المذبوح". وتابع: "وهذا بحدّ ذاته أكبر إنجاز، وما خضوع السلطة لضغط الشارع إلا إضافة جديدة لإنجازات الثورة، وما وقوف القوى المتسلّحة بعد ممارسات تعسّفيّة وقوف العاجز إلا دليل واضح على الوهم الذي أصاب أحزاب السلطة". ومضى قائلًا إن "استقالة الحريري، ومن ثمّ تمسّكه بحكومة تكنوقرط، هي إضافات أخرى على إنجازات الثورة، وإذا ما خضع الطرف المُمانع للشعب والمتمسّك بتمثيل سياسي تكون الثورة قد ربحت مرحلة سياسيّة من المواجهة مع أحزاب العهد". ومقابل تمسك الحريري بقيادة حكومة تكنوقراط حتى لا يثير غضب المحتجين، يرغب عون وجماعتا "حزب الله" و"أمل" والتيار الوطني الحر في حكومة هجين من سياسيين واختصاصيّين، وهو ما يرفضه المحتجون. وعن مستقبل الاحتجاجات، أجاب سبيتي: "لن نحرق المراحل لنتكلّم عن مستقبل الثورة لصعوبة الطريق المزروع بالألغام المُتعدّدة، وهذا ما يُعيق طريق الحقّ".

مشاركة :