تم تفادي الانفجار الوشيك مرة أخرى في مسار الأزمة اليونانية. هذا على الأقل ما استنتجته الدوائر الإعلامية من موافقة اليونان على تسديد 750 مليون يورو مستحقة لصندوق النقد الدولي هذا الأسبوع. وجاء القرار بعد أن توصل وزراء مالية منطقة اليورو إلى قناعة بأن الحكومة اليونانية أظهرت بعض الجدية وطالبتها بالمزيد وبالسرعة القصوى. وقد يكون استنتاج وسائل الإعلام في محله لكنه مضلل في ذات الوقت. فالصفقة تنفع في شراء مزيد من الوقت لكل من اليونان وأوروبا. لكنها لا تقرب أي منهما خطوة واحدة من حل الأزمة التي باتت مصدراً لمآس إنسانية يعانيها الشعب اليوناني فضلا عن تسببها في تآكل مصداقية مؤسسات الاتحاد الأوروبي.وهي في أحسن الأحوال محاولة لإطالة زمن المماطلة رغم تضخم تكلفتها وتقليص فاعلية إجراءات الحل بشكل متصاعد.ومع مرور الزمن اسفر هذا النهج عن خروج الأزمة عن سيطرة صناع القرار في اليونان والاتحاد الأوروبي على السواء. ومن حق اليونان أن تقوم بأي خطوة يمليها عليها واجب الوفاء بالتزاماتها حيال الصندوق الذي يعتبر واحدا من المقرضين المفضلين في العالم. والفشل في تسديد القسط كان كفيلا بموجة تأويلات سلبية لا حصر لها أقلها الشك في كم المبالغ التي يحصل عليها اليونان بما فيها المساعدة التي يقدمها برنامج مساعدة سيولة الطوارئ التابع للبنك المركزي الأوروبي.وهذا يعني أن عدم سداد قسط الصندوق يستتبع حالات إعسار متكرر، وفوضى مالية وخضوع الحكومة للأمر الواقع بتوفير نقد جديد عبر اصدار سندات دين حكومي لتلبية احتياجاتها الفورية من النقد مثل رواتب الموظفين والمتقاعدين. ويمكن أن يلحق عجز اليونان عن تسديد قرض الصندوق الضرر بالنظام النقدي العالمي. وقد أمكن حتى الآن احتواء مثل هذا العجز في بضع دول ولم يخطر ببال أحد أن تكون احدى الاقتصادات الكبرى ضمن النماذج التي يتم احتواؤها، فكيف يمكن ان يكون من دول الاتحاد الأوروبي العتيد. لكن اليونان في واقع الأمر ورغم تصرفها حسب الأصول المرعية حتى الآن لم تحصل سوى على النزر اليسير. وخلال جولة المفاوضات الأخيرة مع شركائها الأوروبيين لم تفلح اليونان في الحصول ولو على قرار دعم قوي منهم فكيف بحصولها على مبالغ مالية فورية هي في أمس الحاجة إليها. وفي نفس الوقت ليس صندوق النقد الدولي في وارد تجديد برنامج قروض جديد لليونان. وكل هذا يضاف إلى استمرار نزوح الودائع من النظام المصرفي اليوناني ما سوف يجبر البنك المركزي الأوروبي، المقرض الوحيد المتبقي لليونان، على مواجهة السؤال المحرج حول ما إذا كان سيزيد قروضه لأثينا حتى بعد تخلي المقرضين الآخرين عنها؟ ولا بد من القول إ ن اليونان ومنطقة اليورو وصندوق النقد الدولي بحاجة إلى اعتماد سياسات مفيدة مستدامة بما فيها تحرك الحكومة اليونانية على صعيد تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وزيادة جرعة الإعفاء من الديون وإعادة صياغة معايير التقشف بما يخدم عملية النمو. ومن أسف أنني لا أزال أرى أن فرصة تحقيق ذلك تكاد تكون نادرة. واليوم أعتقد أن نسبة تحقيق ذلك لا تتجاوز 5% بالنظر لبعد كافة الأطراف عن التوافق على حل شامل، فكيف بثقة كل طرف بالقدرة على تنفيذ الحل. والذي يتفاقم يوميا هو احتمال الانفجار المالي بتبعاته الكارثية على الشعب اليوناني. وتبلغ احتمالات هذا الانفجار حاليا 50% مع استمرار تدهور الظروف ماليا وسياسيا. وهذا يضعف احتمالات نجاح الرهان على المماطلة لكسب الوقت إلى الحد الأدنى. ولا شك أن هذه الاحتمالات تثير القلق كما أن انفجار اليونان ماليا يعد كارثة بكل المقاييس. فهو يعني أن اليونان والاتحاد الأوروبي فقدا التحكم بمصير البلد و عضويتها في منطقة اليورو.وفي الوقت الذي تحصنت فيه الدول الأعضاء حيال انتشار العدوى اليونانية تتفاقم مخاطر تبعاتها على معاناة الشعب اليوناني لأجل أطول.
مشاركة :