رحلة الاسراء والمعراج . . معجزة الرسول الخالدة

  • 5/15/2015
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

أكد عدد من كبار علماء المسلمين أن ذكرى الإسراء والمعراج التي تمر بالأمة الإسلامية في هذه الأيام المباركة، تحمل دروساً مستفادة لحاضر المسلمين ومستقبلهم فأهداف ومقاصد هذه الرحلة المباركة يجب أن تظل راسخة في عقل وقلب كل مسلم، بعيداً عن الخرافات أو الشكوك التي يثيرها بعض الجاهلين بمعجزات النبوة والعطاء الإلهي لصفوة خلق الله أجمعين وفي مقدمتهم رسول الإنسانية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أسرى به خالقه ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى المبارك - كما أخبرنا القرآن الكريم في نص صريح واضح - ليريه من آياته ويحقق برحلته الروابط الوثيقة بين الأماكن المقدسة التي كرمها الخالق سبحانه ومنها المسجدان الحرام والأقصى . والأسئلة التي تفرض نفسها على عقل كل مسلم: هل هذه الرحلة النبوية وقعت بالفعل وما أهدافها والدروس المستفادة منها للحاضر والمستقبل؟ وكيف يحتفل المسلمون بهذه الذكرى العطرة؟ في البداية يحذر العالم الأزهري، د . أحمد عمر هاشم، أستاذ السنة النبوية وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، من تشكيك بعض الجاهلين في هذه الرحلة النبوية الكريمة، مشيراً إلى أن الخالق سبحانه وتعالى هو الذي أخبرنا بها في أصدق كتاب في تاريخ الإنسانية وهو القرآن الكريم، فقال في مبدأ سورة الإسراء: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع العليم" . ورحلة المعراج جاء الإخبار الإلهي بها في قوله سبحانه: "والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم وما غوى، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، علمه شديد القوى، ذو مرة فاستوى، وهو في الأفق الأعلى، ثم دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى ربه ما أوحى، ما كذب الفؤاد ما رأى، أفتمارونه على ما يرى، ولقد رآه نزلة أخرى، عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى" . هذه النصوص القرآنية إلى جانب ما أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤكد أننا أمام حدثين حقيقيين والمطلوب منا كمسلمين أن نعمل عقولنا لكي نستفيد من هذه الذكرى العطرة ونستلهم منها العبرة والعظة بدلا من التشكيك فيها . ماذا حدث؟ وإذا تتبعنا الأحاديث النبوية الصحيحة عن الإسراء والمعراج - كما يقول عالم السنة النبوية الأزهري - فإننا سنرى أن رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه قد التقى في الرحلتين بأماكن عديدة، وصلى في مواضع ذات أهمية وأثر، وصلى بالنبيين، والتقى بالرسل في كل سماء صعد إليها، وكل هذا ليس بمستحيل على خالق الكون القادر على كل شيء . ورحلة الإسراء تؤكد- كما يوضح د . هاشم- الرباط المقدس بين المسجدين: الحرام والأقصى، فالمسجد الحرام كان مبدأ الإسراء وكانت مكة المكرمة مصدر الإشعاع والنور الإلهي . . أما المسجد الأقصى فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وفي القدس أرض وآثار عربية وإسلامية عزيزة، وفي شأنه قال صلى الله عليه وسلم: "ايتوه فصلوا فيه فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله" . . كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى" . هذا الترابط بين مقدسات المسلمين في مكة وفلسطين يؤكد ضرورة استعادة روح الأمة الإسلامية الواحدة للدفاع عن المقدسات في كل مكان خاصة أن مقدسات المسلمين مستهدفة من كل أعداء الأمة هنا وهناك . . وعدوان الصهاينة على المسجد الأقصى المبارك لا يتوقف وهو ما يدفع المسلمين اليوم إلى التضامن والوحدة للتصدي لهؤلاء الذين لا يقيمون لدين الله وزناً . ظروف متشابهة وتأتي ذكرى الإسراء والمعراج على الأمة الإسلامية هذا العام- كما يشير عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر- والظروف متشابهة إلى حد كبير، فالأمة الآن تمر بأحداث وشدائد تذكرنا بالشدائد التي سبقت معجزة الإسراء، حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه يعانون أشد المعاناة من أعداء الإسلام من المشركين الذين تربصوا بهم الدوائر، فجاءت رحلة الإسراء والمعراج تفريجاً للكروب، وشرحاً للقلوب، وقرباً من الله علام الغيوب، بعد الشدائد والمعاناة لتثبّت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطمئنه، وتثبّت قلوب المؤمنين الذين اتبعوه، فيوقنون بأنهم على الحق، وأن دينهم الحق، وأن الله ناصر الحق لا محالة، بل كانت الآيات التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة هي الغاية من هذه المعجزة كما قال الله تعالى: "لنريه من آياتنا" . . فقد كانت الرحلة كلها دليلاً واضحاً على مدى الإلهية، وهي تبعث الثقة في نفوس المسلمين بأن الله سبحانه قادر على حماية الإسلام ومقدسات المسلمين من كل الأعداء الذين يحيطون بها من كل جانب ويتآمرون عليها في كل عصر وخاصة في هذه الأيام العصيبة . وهنا يرى د . هاشم أن العمل على تحقيق وحدة الأمة الإسلامية هو أهم درس من دروس الإسراء والمعراج، فمنذ الأزل أبرم رب العزة سبحانه وتعالى العهد والميثاق على جميع الرسل والنبيين إذا ما جاءهم هذا النبي أن يؤمنوا به وأن ينصروه وأن يجتمعوا على كلمته وألا يختلفوا عليه، وفي هذا دعوة إلى وحدة الأمة وعدم فرقتها . رسالة إلى أهل الأرض د . عباس شومان، وكيل الأزهر الأمين العام لهيئة كبار العلماء يتفق مع د . هاشم في أن ذكرى الإسراء والمعراج تمر بالمسلمين هذا العام والظروف متشابهة مما يبعث في نفوسنا الأمل بالخروج من المحن والتغلب على الشدائد التي تمر بها الأمة . . ويقول: لا شك أن الرابط قوي وواضح بين الظروف التي مرت بها أمة الإسلام وقت وقوع حدثي الإسراء والمعراج من بيت الله الحرام بمكة إلى بيت الله الأقصى بالقدس العربية الإسلاميّة، ثم العروج به إلى السموات العلا وإلى سدرة المنتهى، والظروف التي تمر بها أمتنا الإسلامية الآن، وكأن الأحداث وقعت بالأمس القريب لتعالج واقعاً ملموساً معاشاً يراه الجميع . ويضيف: كان الإسراء والمعراج تسرية عن حبيب ربه وصفوة خلقه بعد طائفة من المحن التي ألمت به، حيث فقد زوجه الحنون خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها-، وعمه المدافع عنه، والذي ضاعف من حزنه عليه أنه مات على غير دينه، ونهاه ربه عن الاستغفار والدعاء له بعد وفاته كما أخبرنا القرآن الكريم: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء"، "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم" . وبعد اشتداد أذى المشركين على رسول الله، وضيق أهل الأرض عن استضافته، تأتي الاستضافة الإلهية، في رسالة واضحة إلى أهل الأرض من خالق الأرض وما عليها: "واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم" . رعاية إلهية هذه الرعاية الإلهية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعاني شدائد لا تحتمل من شأن كل من يتدبرها ويعيها أن يصبر ويظل أمله متعلقاً بالله فهو وحده الناصر والمعين، ومادام الإنسان على الحق فسوف ينصره الله ولو تكالبت عليه كل أمم الأرض، وهذا درس واضح في حادثي الإسراء والمعراج، وهذا النصر والدعم الإلهي ليس خاصاً بمقام النبوة الرفيع لكن عناية الله ورعايته تشمل كل مسلم يلتزم بالحق والعدل ويعمل لنصرة دينه والدفاع عن وطنه، وهذا ما أخبرنا القرآن به في قوله تعالى: "ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز" . يقول د . شومان: يجب أن يطمئن كل مسلم يعمل مخلصاً من أجل نصرة دينه والدفاع عن وطنه ومقدساته الإسلامية أن الله ناصره وأنه في رعاية الله . . وما أحوج المسلم الآن إلى أن يطمئن إلى أنه بأعين ربه وفي عنايته بعد تمادي شياطين الإنس في غيهم، وتجاوزهم حدود الإيذاء الذي أوقعه كفار قريش وأهل الطائف على رسولنا، حيث حل محل حجارة ألقاها سفهاء القوم على رسولنا الأكرم، رصاص غدر ينهمر الآن على الآمنين والضعفاء في العديد من البلاد العربية، ومتفجرات توضع في طرق الناس بدلاً من أشواك كان يلقيها كفار قريش في طريق رسول الله ومن معه، وإذا كان فعل كفار قريش له ما يبرره، حيث إنهم يناصبون رسول الله ومن معه العداء ويرفضون رسالته، فجرم هؤلاء في زماننا أقبح لأنهم يفعلون ما يفعلون باسم الإسلام، والإسلام من أفعالهم براء، فأي ذنب ارتكبه أناس بسطاء تركوا أسرهم وذهبوا يبحثون عن لقمة عيش بشكل كريم، وأي ذنب ارتكبه شخص ذهب لتقديم مساعدات إنسانية لمكروبين وضحايا عنف وترويع في مناطق الأحداث في سوريا والعراق وليبيا وغيرها لتنتهي حياته بالنحر على يد مجرمين يتمسحون بالإسلام وهو منهم بريء؟! كل هذه الأحداث الجسام التي تمر بنا ونحن نحتفل بذكرى الإسراء والمعراج لا ينبغي أن تحبطنا، بل هي وقود الأمل والتفاؤل والإيمان بأن هذه الغمة ستزول وأن كل من يجرم ضد دينه ووطنه سينال عقابه الرادع إن عاجلاً أو آجلاً . "الأقصى" الأسير العالم الأزهري الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، يؤكد أن ذكرى الإسراء والمعراج تثير في نفوس المسلمين شجوناً وآلاماً بسبب استمرار المسجد الأقصى ومدينة القدس عموماً تحت الاحتلال الصهيوني الذي لا يقدر حرمة مقدساتنا، وفي هذه الذكرى العطرة يجب أن نتضامن ونتكاتف ونؤكد ارتباطنا الديني والوطني والوجداني بثالث الحرمين الشريفين، وأن يعلم كل عنصري صهيوني أننا لن نفرط في أقصانا ولن نتخلى عنه، وسنظل ندافع عنه حتى نستعيده إلى سيادة المسلمين . على الأمة كلها - حكومات وشعوباً - أن تعلن في ذكرى الإسراء والمعراج أنها لن تفرط في مقدساتها وفي مقدمتها المسجد الأقصى ولن تتهاون مع هؤلاء الذين لا خلاق لهم ولا عهد ولا ميثاق . إن الإسراء والمعراج يقدم لنا نموذجاً جيداً لوحدة الأمة وتضامنها ونحن نرى بواعث صحوة جديدة في شرايين أمتنا العربية يجب أن نقويها، لأنها ستكون رادعاً قوياً ضد كل قوى الشر والعدوان التي تستهين بالأمة ومقدساتها وترابها الوطني . . وستكون بداية مرحلة جديدة للتعاون والتضامن بين الشعوب الإسلامية .

مشاركة :