ينزعج بعض الآباء عند انفصال أبنائهم عنهم سواء بالزواج أو الانتقال للعمل أو الدراسة في مكان جديد، ورغم أن ذلك من الأمور الطبيعية والصحية المسلم بها، لأن دورة حياة جديدة تبدأ، غير أن هذا التأثر يظهر في بعض الأحيان بشكل مرضي يطلق عليه «متلازمة العش الفارغ» أو العش الخالي «البيت الفارغ»، والتي يمكن تعريفها بأنها شعور الأبوين أو أحدهما بالحزن والوحدة نتيجة مغادرة الأبناء للمنزل، وبخاصة عند التعلق بأحد هؤلاء الأبناء أو يكون الابن الأخير.وتشير الأبحاث إلى أن هذا الاضطراب يحدث نتيجة شعور المصاب بأنه فقد مسؤوليته تجاه ابنه، أو أنه فقد دور الأبوة والرعاية الذي ألزم به نفسه طوال مسيرة حياته، ويشعر نتيجة لذلك بالحزن والتوتر والقلق والوحدة، وهو الأمر الذي يمكن أن يتسبب في حدوث حالة من الاكتئاب، وفي بعض الأحيان يمكن أن يصاب الشخص بأمراض نفسية جسيمة.ويعتبر جميع الآباء عرضة للإصابة بمتلازمة العش الفارغ، غير أن الأمهات أكثر عرضة للإصابة بسبب ارتباطهن أكثر بالأبناء، ومع ذلك فإن بعض الآباء أعربوا عن عدم الاستعداد للتحول العاطفي المتزامن مع رحيل الأبناء من البيت، وذلك كما نشر موقع «سيكولوجي توداي» عن مشكلة متلازمة العش الفارغ.وأشار آخرون إلى الإحساس بالذنب بسبب الفرص الضائعة للمشاركة في حياة الابن بصورة أكبر قبل أن يغادر بيت الأسرة، وترجع الإصابة للعديد من العوامل والأسباب، كأن يعاني الشخص مشاكل زوجية، أو يفتقد الدعم من المحيطين، ونحو ذلك، ويعتمد العلاج على معالجة السبب، كما أن هناك دوراً يقع على عاتق الأبناء، من خلال محاولة التواصل مع الآباء بشكل مستمر وفيه الدفء القديم، بالإضافة إلى توفير نوع من الرعاية الجيدة لهم، وبخاصة لمن يفقدون السيطرة بسبب الإصابة بهذا الاضطراب.ويصبح الآباء والأمهات عرضة للإصابة بمتلازمة العش الفارغ، وذلك لتعدد العوامل والأسباب التي تؤدي إلى هذا الاضطراب، فربما كانت علاقة الحب المبالغة والارتباط الشديد، والتي تربط الأب بابنه تجعل غياب أحد الطرفين عن الآخر سبباً في حدوث هذه الإصابة.وتتضمن هذه العوامل العلاقات الزوجية غير المستقرة، كوقوع الطلاق، سواء أكان فعلياً أو عاطفياً، وهو الأمر الذي يدفع أحد الأبوين إلى تعويض الفقر العاطفي في الأبناء، وبالتالي فإن استقلال الأبناء يترتب عليه الإصابة بأزمات نفسية.ويمكن أن يرجع كذلك إلى شعور المصاب بذاته، والذي يرتبط بهويته كوالد، كما يجد صعوبة في قبوله للتغيير بصفة عامة.ويزيد تفرغ الوالدين من خطر الإصابة، وكذلك تعامل المسنين مع الأحداث المجهدة، ومن أمثلة هذه الأحداث التقاعد عن العمل أو وفاة الزوج أو انقطاع الطمث.كما تترك وفاة أحد الزوجين فراغاً كبيراً، ما يجعل الآخر يفقد القدرة على التكيف مع هذا الأمر، أو أن يجربه مرة أخرى،ويؤدي كذلك عدم توافر سند اجتماعي من الآخرين كالأقارب إلى ظهور مشاكل نفسية، يكون من الصعب أن يتغلب عليها المصاب.ويبين موقع «سنيور ليفنج» بعض الأعراض التي يعانيها المصاب بمتلازمة العش الفارغ، ويأتي على رأسها الحزن، وذلك بسبب عدم القدرة على التأقلم مع التغيرات التي حدثت في حياتهم عقب خلو البيت من أبنائه، كما يعود الشعور بالحزن إلى عجزه عن أن يقاوم الشوق الشديد والدائم.ويجد البعض صعوبة بالغة في أن يخرج من دائرة الحزن المتكررة، والشعور بالتشاؤم، وما يصاحب ذلك من نوبات بكاء، ورفض لوضعه الجديد، وبالإضافة إلى ذلك فإنه يغيب عنه السند والدعم النفسي، ما يؤدي إلى عجزه عن التحكم في مشاعره السلبية، ويمكن أن يصل الأمر به إلى الإصابة بالاكتئاب.وتشمل أعراض هذا الاضطراب كذلك القلق، حيث يعاني المصاب الخوف وعدم الارتياح من وضعه بعد أن تركه أبناؤه، كما أنه يشعر بالقلق والخوف والحيرة عليهم، حيث يستمر في التفكير طوال الوقت هل هم سعداء أم لا؟ ويؤدي هذا التفكير إلى زيادة الضغط والإرهاق والتعب، والإصابة باضطرابات النوم، وفقدان الشهية، ويتأثر وزن الشخص بالزيادة أو النقصان.ويعتمد علاج متلازمة العش الفارغ على تلافي الأسباب التي أدت إليها، ويعتبر من الأمور المهمة أن يستعد الأبوان لمرحلة الانفصال عن الأبناء، كشكل من أشكال الوقاية والتخطيط لاتباع نمط حياة جديد، كما أن محاولة العيش مرة أخرى كزوجين شابين ربما تفلح في تجاوز الأعراض السلبية لهذا الاضطراب.ويمكن أن تفيد في نفس هذا الإطار كفالة طفل أو استضافة طالب جامعي أجنبي، وذلك بالنسبة لمن يقدر على هذا الاقتراح، ويجب أن ينتبه الأبناء إلى أهمية التواصل مع الأبوين، من خلال الوسائل المتطورة، والتي توفر طريقة جيدة للتواصل بالصوت والصورة، ومن الممكن أن تساعد أيضاً الزيارات المتكررة، وتخصيص أوقات ثابتة وكافية، فهذا في حد ذاته علاج فعال لهذه المتلازمة.وينبغي المتابعة النفسية بالنسبة لمن فقدوا السيطرة بسبب الإصابة بالمتلازمة، مع تفريغ الانفعالات والتعبير عن أي مشاعر سلبية، ومشاركتها مع الآخرين بهدف تخفيف حدة الضغط، كما يستطيع الآباء المصابون بهذه المتلازمة إحياء علاقتهم الإيجابية مرة أخرى، وذلك بقضاء المزيد من الوقت معاً.
مشاركة :