وجَّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- لأعمال السنة الرابعة من الدورة السابعة لمجلس الشورى الخطاب المفصل للسياسة الداخلية والخارجية للمملكة، وفيما يلي نصه: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابة الكريم {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الإخوة والأخوات أعضاء مجلس الشورى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: يسرنا افتتاح أعمال السنة الرابعة من الدورة السابعة لمجلس الشورى، سائلين المولى عز وجل أن يجعل أعمالنا دوماً خالصة لوجهه الكريم، وأن يوفقنا لخدمة ديننا الحنيف وشعبنا العزيز. ويطيب لنا اليوم أن نستعرض السياسة الداخلية والخارجية للدولة، وأبرز المستجدات والتطورات، وأهم المكتسبات التنموية، وما تتبناه الدولة من سياسات كانت سبباً -بحمد الله- في المحافظة على أمنها واستقرارها، وعززت من اضطلاعها بدورها الرائد إقليمياً ودولياً. إن نهج المملكة منذ تأسيسها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- قائم على تطبيق شرع الله والالتزام بالعقيدة الإسلامية، وعلى أسس الوحدة والتضامن والشورى، وإقامة العدل واستقلال القرار، والحفاظ على الأمن والاستقرار الذي أنعم الله به على بلادنا، ومواصلة مسيرة التنمية الشاملة، وتعزيز أواصر الصداقة والتعاون مع الدول انطلاقاً من المبادئ والغايات التي جاء بها ميثاق الأمم المتحدة. أيها الأخوة والأخوات: وإننا إذ نحمد الله -عز وجل- على ما تحقق من إنجازات تنموية ضخمة في العقود الماضية جعلت من بلادنا مصدر فخر وعزة لنا جميعاً، لنؤكد أن المملكة سائرة بعون الله في طريقها لتحقيق المزيد من الإنجازات من خلال رؤية 2030 بجميع محاورها التي ترتكز على تعزيز النمو الاقتصادي واستدامته في المجالات كافة، وتنمية قطاعات اقتصادية جديدة تستند على الموقع والمكانة الرائدة للمملكة، إضافة إلى تطوير ودعم قدرات أبناء وبنات شعبنا العزيز من خلال رفع مستوى جودة التعليم، وزيادة برامج التدريب والتأهيل، وتوفير المزيد من فرص العمل للحاضر والمستقبل في شتى الميادين التنموية والاقتصادية. وقد جاءت زيارتنا لعدد من مناطق المملكة خلال العام المنصرم استمراراً للقاءاتنا المستمرة مع أبنائنا وبناتنا المواطنين ومتابعتنا لاحتياجاتهم وتدشين مشاريع تنموية فيها، وسيكون لها -بإذن الله- أبلغ الأثر في تعزيز مسيرة التنمية الاقتصادية الشاملة في مختلف مناطق المملكة وتحقيق مستهدفات رؤية 2030، ومن ذلك ما يجري عليه العمل حالياً في إطار برنامج جودة الحياة. وإن حرصنا على المضي قدماً في المشاريع التنموية وخلق مجالات اقتصادية جديدة دليل على عزم الدولة الراسخ على تحقيق أهدافها بتنويع قاعدة اقتصاد واستثمار المتغيرات الاقتصادية لبناء مكتسبات وطنية جديدة سيكون المواطن فيها الهدف والرافد. لقد شرف الله المملكة بأن جعلها حاضنة الحرمين الشريفين، اللذين تتوق إليهما نفوس المسلمين في كل مكان، وشرفها بخدمة ضيوف الرحمن، ومن منطلق اضطلاع المملكة بهذه المسؤولية الجليلة فقد جاء برنامج خدمة ضيوف الرحمن على رأس أولويات رؤية 2030 لإتاحة الفرصة لعدد أكبر من المسلمين لأداء مناسك الحج والعمرة، وقد أثمر هذا البرنامج المبارك نجاح المملكة في استضافة أعداد أكبر من الحجاج والمعتمرين عاماً بعد عام مع الاستمرار في ما نوليه من حرص بالغ على أن تكون رحلة الحاج والمعتمر منذ مغادرته وطنه حتى العودة إليه رحلة ثرية بالمشاعر الإيمانية يؤدي خلالها الحاج والمعتمر نسكه وعباداته بكل أمن ويسر وطمأنينة. وأن من جملة ما أنجزته حكومة المملكة العربية السعودية في خدمة ورعاية الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن توسعة الحرمين الشريفين وتطوير المشاعر المقدسة في مشاريع تعتبر الأضخم في التاريخ، ومن أجل التيسير على ضيوف الرحمن وتقديم المزيد من الخدمات والتسهيلات لملايين الحجاج والمعتمرين، فقد تمت إعادة هيكلة تأشيرات الزيارة والحج وإلغاء رسوم تكرار العمرة. ستظل مكانة المملكة الرائدة في العالمين العربي والإسلامي وموقفها الراسخ من دعم مسيرة العمل العربي والإسلامي المشترك مرتكزًا أساسياً في سياستها الخارجية. وننوه في هذا الصدد بما حفلت به رئاسة المملكة للقمة العربية في دورتها (التاسعة والعشرين) من مساعٍ وجهود لدفع مسيرة العمل العربي المشترك. ولقد شهد العام المنصرم استضافة المملكة للدورة (التاسعة والثلاثين) للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في مدينة الرياض في شهر ربيع الآخر 1440هـ، والدورة (الرابعة عشرة) لمؤتمر القمة الإسلامي والدورتين الاستثنائيتين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون ولمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في مكة المكرمة في شهر رمضان 1440هـ، والتي سعينا من خلالها إلى مواصلة جهودنا لمواجهة ما يحدق بأمتينا العربية والإسلامية من مخاطر وتهديدات، وإعادة التأكيد على موقفنا الراسخ في القضايا العربية والإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وقد أكدنا خلال القمة (التاسعة والعشرين) التي أسميناها قمة القدس أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب والمسلمين الأولى. وموقف المملكة من القضية الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة الأخرى موقف مبدئي. ومنذ عهد المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- لم تدخر المملكة أي جهد لنصرة الشعب الفلسطيني الشقيق، إيماناً منها بعدالة قضيته وضرورة وقف الممارسات والانتهاكات السافرة بحقه وإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية يمكن الشعب الفلسطيني الشقيق من الحصول على جميع حقوقه، وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وفقاً لمبادرة السلام العربية والقرارات الأممية ذات الصلة. وقد واصلنا - ولله الحمد - دعمنا للشعب الفلسطيني عبر وكالة الأونروا، لنصبح الداعم الأول لفلسطين خلال العقدين الماضيين. أيها الإخوة والأخوات: أيها المجلس الموقر لقد أثبتت دولتنا في كل الظروف على مدار الثلاثمائة عام الماضية أنها قادرة على تجاوز كافة التحديات بعزم وإصرار والخروج منها منتصرة دائماً بحمد الله وفضله. وإن ما تعرضت له المملكة من اعتداءات بـ(286) صاروخاً باليستياً و(289) طائرة بدون طيار، بشكل لم تشهد له مثيلاً أي دولة أخرى لم يؤثر على مسيرة المملكة التنموية ولا على حياة مواطنيها والمقيمين فيها، والفضل بعد الله يعود لمنسوبي قطاعاتنا العسكرية والأمنية الذين يسهرون على أمن هذا الوطن وبما يقومون به في الذود عنه، ونفخر بشهداء الواجب -رحمهم الله- والمصابين الذين ضربوا أروع الأمثلة في التضحية من أجل العقيدة والوطن، ونؤكد أن أسرهم ستظل دوماً موضع رعايتنا واهتمامنا. وامتداداً لسياسة الدولة في رفع الجاهزية العسكرية، تم في العام المنصرم التوسع في برنامج توطين الصناعات العسكرية وتقنياتها بهدف التطوير المحلي والمستدام لتلك الصناعات، ورفع كفاءة الإنفاق، وفتح باب الاستثمار في هذا القطاع. كما تم تدشين عدد من المشاريع الهادفة لرفع مستوى المحتوى المحلي، تجسيداً لحرص المملكة على تمكين الصناعات الوطنية العسكرية ضمن أهداف رؤية 2030. كما تواصل الدولة بذل الجهود لإيجاد فرص عمل للمواطنين والمواطنات وخفض معدل البطالة، وقطعنا - بفضل الله - خطوات كبيرة في تطوير القدرات البشرية وتهيئة شباب الوطن ذكوراً وإناثاً لسوق العمل، وسنواصل جهودنا في تمكين المرأة السعودية، ورفع نسب مشاركتها في القطاعين العام والخاص، مشيرين بكثير من الاعتزاز لارتفاع نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة من 19.4 % بنهاية عام 2017م إلى 23.2 % بنهاية النصف الثاني من عام 2019م. ونؤكد حرصنا واهتمامنا بتنمية أعمال المنشآت الصغيرة والمتوسطة ودعم رواد الأعمال، ونشهد هذا العام ارتفاعاً في أعداد المنشآت بنسبة 13 % ونمو حجم إقراضها، ونواصل تشجيعها لرفع حصتها في المشتريات الحكومية، لتعزز هذه القطاعات اقتصادنا وترتقي بتنمية الوطن والمواطن. ومن منطلق اهتمامنا بكل ما يحقق راحة المواطن فقد أولت الحكومة اهتماماً كبيراً بتيسير وزيادة نسب تملك المساكن، وذلك بإطلاق عدد من البرامج السكنية عبر توفير الحلول التمويلية والادخارية الملائمة، بالإضافة إلى تحفيز العرض بإشراك القطاع الخاص في هذا المجال بصورة أوسع مما عزز من إسهام القطاع الخاص وقدرته على القيام بدوره بكفاءة أكبر. وإثر تطبيق الحكومة خطتها في مجال الإسكان ارتفعت نسب تملك المواطنين للمساكن في العام الماضي - بفضل الله - بمقدار 2 % مع منتصف هذا العام 2019 بزيادة بلغت أكثر من (165) ألف مسكن مملوك، ولقد ساهمت جهود توفير احتياجات المواطن السكنية بفاعلية في تحفيز قطاعات اقتصادية أخرى. كما أن الدولة مستمرة في جهودها للارتقاء في الخدمات الطبية والرعاية الصحية وتطوير الخدمات المقدمة للمواطن والمقيم في القطاع الصحي، ورفع جودتها من خلال برامج الإنفاق والتطوير الكبيرة ونشر مفاهيم الوقاية ضد المخاطر الصحية، كما واصلت الحكومة دعمها لقطاع الاتصالات لتنفيذ الخطة الوطنية للطيف الترددي لتحتل بلادنا المرتبة الثانية في قائمة مجموعة العشرين لمجموع تخصيص النطاقات الترددية، ولتنجح في وصول خدمات الألياف البصرية إلى 2.5 مليون منزل، كما تتواصل أعمال التطوير التنموية لرفع مستوى الإنجاز وتطوير الخدمات القضائية بتدشين مركز العمليات العدلي لمتابعة أعمال المحاكم وكتابات العدل مما سيسهم في ضمان جودة الأداء ولتحسين جودة التعليم العام، تم إنشاء مركز المناهج لتطوير السياسات والمعايير وفق أفضل الممارسات الدولية، أما على صعيد التعليم الجامعي وللرفع من مستوى الأداء والارتقاء بمكانة المملكة العلمية والبحثية فقد تم اعتماد نظام الجامعات الجديد وزيارة عدد الجامعات الأهلية إلى 14 جامعة، والسماح بالاستثمار الجامعي الأهلي، ونأمل أن يسهم ذلك في تحقيق ما نصبو إليه من تميز علمي وتخريج أجيال قادرة على سد احتياجات سوق العمل. ويأتي هذا مع اهتمام الدولية الكبير بالارتقاء بجودة الخدمات البلدية وتعزيز المشهد الحضري والسلامة المرورية والحد من مسببات التلوث المتنوعة، وسعياً منا لرفع مستوى الخدمات البلدية للمواطنين فقد اعتمدنا خطة تطويرية ترفع كفاءة المجالس البلدية وترتقي بمستوى أدائها، وقد أطلقت في هذا الجانب مشاريع تنموية كبرى مثل مشروع حديقة الملك سلمان ومشروع الرياض الخضراء التي تهدف لمضاعفة المسطحات الخضرء التي تخفض التلوث البيئي وتشكل عنصر جذب سياحي، وهذه المشاريع هي بداية انطلاقة لمشاريع كبرى وأخرى في مختلف مناطق المملكة. كما تم تدشين برنامج التنمية الريفية الزراعية المستدامة 2025، الذي يستهدف عدداً من القطاعات الواعدة وتعزيز القيمة المضافة من الحيازات الصغيرة والأنشطة الزراعية، وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة عبر الاستغلال الأمثل والمستدام للموارد الطبيعية والزراعية والمائية المتجددة. أيها المجلس الموقر: تتقدم المملكة بخطى ثابتة سبيل تحقيق استقرار مالي واقتصادي أكبر وتنمية مستدامة، ونحن عازمون على تنفيذ جميع الإصلاحات الداعمة لنمو اقتصادنا وتنويع نشاطاته، ورفع مستويات الانضباط المالي وتعزيز الإيرادات وكفاءة الإنفاق، وعلى الأخص رفع كفاءة الإنفاق على المشاريع التنموية، وقد أسند مجلس الوزراء مهام الجهة المختصة بالشراء الموحد إلى مركز تحقيق كفاءة الإنفاق لتمكين الجهات الحكومية من تحقيق أفضل قيمة للتعاقد مقابل الصرف، ومن شأن ذلك أن يعزز التنمية الاقتصادية ويحقق مستهدفات الاستدامة المالية. وقد أظهرت البيانات ارتفاع معدلات الإيرادات غير النفطية بنحو 15 % وانخفاض معدلات البطالة، كما بلغ معدل النمو للناتج المحلي غير النفطي خلال الربع الثاني من هذا العام 3 % مقارنة بمعدل نمو 2.5 % في الربع الثاني من عام 2018 مع ارتفاع إنتاجية العامل في القطاع الخاص غير النفطي بحوالي 3.3 % في الربع الثاني من 2019 على أساس سنوي تزامناً مع الإصلاحات الاقتصادية التي نعمل عليها ضمن رؤية 2030، أما في النصف الأول من هذا العام فقد سجل القطاع غير النفطي نمواً بنحو 2.5 % مقارنة بـ 2.3 % في المدة نفسها من العام الماضي، ليحقق بذلك هذا القطاع أكبر نمو له منذ عام 2015م. إن من الأهداف الرئيسية للدولة تعزيز التنمية المستدامة بمفهومها الشامل، وفي هذا الصدد نثني على الجهود المبذولة للتغلب على التحديات في القطاع الخاص الذي نوليه اهتماماً كبيراً ونعول على أن يكون له مساهمة فاعلة أكبر في اقتصادنا الوطني. ولتحقيق تلك الأهداف قامت المملكة ببذل جهود كبيرة في تسهيل ممارسة الأعمال للقطاع الخاص من خلال سن الأنظمة ووضع القرارات الممكنة له، وقد صنفت المملكة مؤخراً من أكثر الدول تقدماً والأولى إصلاحاً من بين (190) دولة حول العالم، وتأتي هذه القفزة النوعية التي حققتها المملكة بتقدمها (30) مرتبة في مجال سهولة ممارسة الأعمال كإحدى ثمار العمل القائم لتحقيق رؤية 2030. ومن تلك الإصلاحات: تسهيل بدء النشاط التجاري، والتجارة عبر الحدود، والحصول على الكهرباء. وقد وجهنا جميع الجهات الحكومية بمضاعفة الجهود لتحسين بيئة الأعمال ورفع تنافسية المملكة للوصول بها إلى مصاف الدول العشر الأكثر تحفيزاً للأعمال في العالم. ويعكس هذا النهج حرص دولتكم بكامل سلطاتها ومؤسساتها على المضي قدماً في تنفيذ برامجها الإصلاحية، وهي ماضية بعون الله ثم بعزم مواطنيها ومواطناتها الذي هم فخرنا وأغلى ثرواتنا إلى تحقيق طموحات لا حدود لها. وفي إطار ما توليه الدولة من اهتمام بتعزيز المحتوى المحلي بجميع مكوناته على مستوى الاقتصاد الوطني الذي يمثل إحدى أهم الركائز لرؤية 2030، فإن الجهود مستمرة لجعل المملكة نموذجاً يحتذى في رفع مستوى المحتوى المحلي وتعزيز مساهمته في التنمية الاقتصادية، وذلك لضمان زيادة مشاركة العناصر الوطنية على مستوى القوى العاملة والسلع والخدمات والأصول والتقنية. وقد قامت الدولة بالعديد من الإجراءات بهدف تعزيز الإمكانات المحلية وتعظيم الفائدة من القوة الشرائية الوطنية لضمان استدامة النمو الاقتصادي، ومن أهمها إدراج متطلبات المحتوى المحلي في عمليات المشتريات ووضع مستهدفات خاصة بها على مستوى الجهات الحكومية وتوحيد منهجية المحتوى المحلي وآلية قياسها. وما زالت الدولة تستهدف - عبر مبادراتها الرامية لتعزيز مشاركة القطاع الخاص - التوسع في إتاحة وتخصيص الأصول الحكومية بما يكفل التعاون مع القطاع الخاص السعودي وجذب الاستثمارات الخارجية لتعزيز القيمة والكفاءة الاقتصادية لتلك الأصول. كما أن الدولة حريصة كل الحرص على توفير بيئة جاذبة للعمل وتبذل في هذا الصدد جهودها في تطوير وتحسين البنى التحتية التشريعية والتقنية والتركيز على تحقيق التحول الرقمي من خلال بناء منظومة حكومية فعالة للتعاملات الإلكترونية، واقتصاد رقمي مزدهر يعزز من إسهام المملكة التقني عالمياً، وحرصاً منا على كل ما من شأنه دفع عجلة التقدم العلمي وفتح آفاق معرفية واقتصادية جديدة لأبنائنا وبناتنا فقد تم - بحمد الله - إنشاء الهيئة السعودية للفضاء التي ستكون منصة للانطلاق في علوم متعددة مثل الاتصالات والملاحة والبث الإعلامي ورصد التغيرات المناخية وتحسين إدارة الموارد الطبيعية بالإضافة إلى تطوير جملة من التطبيقات وتعزيز البحث العلمي بما من شأنه أن يعود بنفع كبير للوطن والمواطن. أيها الإخوة والأخوات: تمضي بلادنا بخطى متقدمة لتنويع قاعدتها الاقتصادية ومصادر دخلها، ويحقق هذا التوجه نجاحات جيدة، وسنعمل على إعادة هيكلة كثير من القطاعات سعياً لبناء مقومات اقتصادية متينة وخلق فرص استثمارية واعدة وزيادة الصادرات غير النفطية، ويأتي فتح قطاع السياحة وبدء العمل في إصدار التأشيرة السياحية تحقيقاً لأهداف رؤية المملكة 2030، كأحد محفزات النمو الاقتصادي لجذب وتنويع الاستثمارات في هذا القطاع الواعد الذي يوفر فرصاً وظيفية كبيرة لأبنائنا وبناتنا، وجسراً ثقافياً للتواصل مع العالم ليشاركنا تراثنا الغني وكنوزنا الحضارية، ولم يكن مستغرباً أن يلحظ السائحون أهم ميزة في هذه البلاد وهي شعبها المضياف الذي عبَّر بكرم عن قيمه النبيلة. وقد جاء تدشين برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، الذي يعد أهم وأكبر البرامج الثلاثة عشر التنفيذية لرؤية 2030، ووضع حجر الأساس للمرحلة الأولى من مشروع مدينة الملك سلمان للطاقة (سبارك) في المنطقة الشرقية، تجسيداً لعزمنا على أن تكون المملكة مركزاً عالمياً رائداً للطاقة والصناعة والتقنية ومنصة عالمية للخدمات اللوجستية. كما يجري العمل على تطوير دور الصناديق التنموية من خلال صندوق التنمية الوطني الذي يشرف على ثمانية صناديق وبنوك تنموية ويعمل بشكل حثيث على دعم مسيرة التنمية وتعزيز الاستدامة لتلك الصناديق والبنوك التي حققت الكثير من المنجزات التنموية للمملكة، وتواصل اليوم أعمالها بما يخدم أولويات التنمية والاحتياجات الاقتصادية ودعم إيجاد فرص استثمارية للقطاع الخاص المحلي والعالمي في قطاعات الاقتصاد المتنوعة مثل السياحة والصناعة والتعدين وغيرها. كما تم إنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي التي من شأنها تعزيز استثمار الدولة للتطورات التقنية المتسارعة في هذين المجالين بما يعزز من الاستفادة التنموية منها. وتواصل الدولة ببالغ الاهتمام تطوير منظومة الحماية الاجتماعية، ورفع كفاءتها مع التركيز والاهتمام البالغين بالفئات الأشد حاجة، وتقديم الدعم والرعاية المتكاملين لجميع فئات المجتمع من المواطنين والمواطنات، وبناء منظومة متكاملة وموحدة من الخدمات المجتمعية التي تتفهم خصائص الأسر واحتياجاتهم الحالية والمستقبلية وفقاً لما ورد في رؤية 2030 من مستهدفات لتعزيز الرعاية الاجتماعية وتطويرها. أيها الإخوة والأخوات: إن سياسة المملكة البترولية تهدف إلى استقرار أسواق البترول العالمية بما يخدم مصالح المنتجين والمستهلكين على حد سواء، والسعي إلى أمن وموثوقية الإمدادات بشكل يعتمد عليه، وقد تجلى ذلك - بشكل استثنائي - بعد الاعتداء الآثم على المنشآت البترولية التابعة لشركة أرامكو السعودية في بقيق وخريص الذي استخدمت فيه الأسلحة الإيرانية، والإنجاز الذي حققته الشركة - ولله الحمد - باستعادة طاقتها الإنتاجية في هذه المنشآت خلال وقت قياسي بتوفيق من الله ثم بسواعد أبنائنا، وهو ما أثبت للعالم أجمع قدرة المملكة على تلبية الطلب العالمي عند حدوث أي نقص في الإمدادات ودورها الرائد في ضمان أمن واستقرار إمدادات الطاقة العالمية وكفاءة شركاتها وسواعدها الوطنية العاملة في هذا القطاع بالغ الأهمية لاستقرار الاقتصاد العالمي. إن إعلان المملكة عن طرح جزء من أسهم أرامكو السعودية للاكتتاب العام سيتيح للمستثمرين داخل المملكة وخارجها المساهمة في هذه الشركة الرائدة على مستوى العالم مما يؤدي إلى جلب الاستثمارات وخلق آلاف الوظائف، كما سيحدث نقلة نوعية في تعزيز حجم السوق المالية السعودية لتكون في مصاف الأسواق العالمية، وسيعزز من الشفافية ومنظومة الحوكمة في الشركة بما يتماشى مع المعايير الدولية، وستوجه عائدات البيع الناتجة عن الطرح لصندوق الاستثمارات العامة لاستهداف قطاعات استثمارية واعدة داخل المملكة وخارجها. أيها المجلس الموقر، لا يخفى عليكم ما تمر به المنطقة من أزمات وخلافات، وما تواصل المملكة بذله من جهود لحلها، انطلاقاً من إيمانها العميق بأن أمن واستقرار هذه المنطقة ليس حلماً بعيد المنال بل هو هدف ممكن وواجب التحقيق. فلم تكتف تلك الأزمات والخلافات بحرمان العديد من شعوب المنطقة من فرصة العيش في أمن واستقرار، بل أدت كذلك - بكل أسف - إلى حرمان أجيالها الحاضرة من بارقة الأمل في مستقبل يليق بما حباها الله به من مقومات ومكتسبات بشرية كبيرة. وفي الشأن اليمني، تواصل المملكة جهودها المشرفة في نصرة الشعب اليمني العزيز، كما تواصل المملكة دعمها لجهود المبعوث الأممي للوصول إلى حل سياسي للأزمة اليمنية. ونؤكد ثبات موقف المملكة في نصرة اليمن وحكومته الشرعية الذي جاء استجابة لنداء الأخوة وحسن الجوار في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار في اليمن الشقيق، وحفظ مؤسسات الدولة اليمنية، وضمان وحدتها واستقلالها، وتوحيد الصف وتفعيل مؤسسات الدولة لخدمة اليمن بجميع مكوناته. وقد بذلت المملكة جهوداً كبيرة في هذا الصدد سواء على المستوى السياسي أو الإنساني، وتواصل تقديم المساعدات للأشقاء في اليمن وذلك من خلال البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن الذي يعمل على تنفيذ مشاريع عدة، منها مدينة الملك سلمان التعليمية والطبية، كما بادرت المملكة بدعم الاقتصاد اليمني بشكل مباشر بما في ذلك المحافظة على استقرار الريال اليمني. كما أثمرت - ولله الحمد - جهود المملكة السياسية بتوقيع اتفاق الرياض بين الحكومة الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي نأمل أن يفتح الباب أمام تفاهمات أوسع بين المكونات اليمنية للوصول إلى حل سياسي للأزمة اليمنية وفقاً للمرجعيات الثلاث يحصن اليمن ضد من لا يريد له الخير ويتيح للشعب اليمني العزيز استشراف مستقبل يسود فيه الأمن والاستقرار والتنمية. أيها المجلس الموقر، ما زال النظام الإيراني مستمراً منذ أكثر من أربعة عقود بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ومواصلاً الرعاية والدعم لقوى الإرهاب والميليشيات المسلحة التي تستهدف كيان الدول وتقوض مؤسساتها في المنطقة، وقد آن الأوان لإيقاف ما يحدثه هذا النظام من فوضى ودمار، وزعزعة للأمن والاستقرار في دول المنطقة. ونؤكد على أهمية قيام المجتمع الدولي بوضع حد لبرنامج النظام الإيراني النووي والبالستي، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالوقف الفوري للتدخلات الإيرانية السافرة في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. لقد عانت المملكة، والعديد من الدول الأخرى في المنطقة وخارجها من سياسات وممارسات النظام الإيراني ووكلائه، التي وصلت مؤخراً إلى ذروة جديدة من الأعمال الممنهجة والمتعمدة لتقويض كل فرص تحقيق السلام والأمن في هذه المنطقة. وأضاف النظام الإيراني إلى رصيده الإجرامي خلال العام المنصرم الاعتداء التخريبي على محطتي ضخ لخط الأنابيب شرق - غرب الذي ينقل النفط السعودي من المنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع، واستهداف سفن شحن وناقلات نفط في الخليج العربي، والاعتداء التخريبي الذي استهدف المنشآت النفطية في بقيق وخريص. وقد التزمنا - كعادتنا في المملكة - بالحكمة في التصدي لهذه الأعمال الجبانة، ونثمن بكثير من الاعتزاز مواقف حلفائنا من الدول الشقيقة والصديقة من هذه الأعمال الجبانة التي لم تستهدف أمن المملكة فقط بل أمن واستقرار الاقتصاد العالمي بأسره. وإن على النظام الإيراني أن يدرك أنه أمام خيارات جدية، وأن لكل خيار تبعات سيتحمل هو نتائجها، وأن المملكة لا تنشد الحرب، لأن يدها التي كانت دوماً ممتدة للسلام أسمى من أن تلحق الضرر بأحد، إلا أنها على أهبة الاستعداد للدفاع عن شعبها بكل حزم ضد أي عدوان، وتأمل أن يختار النظام الإيراني جانب الحكمة، وأن يدرك أن لا سبيل له لتجاوز الموقف الدولي الرافض لممارساتها إلا بترك فكره التوسعي والتخريبي الذي ألحق الضرر بشعبه قبل غيره من الشعوب وبفتح صفحة جديدة مع دول المنطقة والعالم تنطلق من تعهدات واضحة بالالتزام بالقانون الدولي ووقف كل أشكال التدخل والتخريب في الدول الأخرى، فالتصعيد لن يزيد النظام الإيراني إلا عزلة، ولا يمكن للنظام الإيراني أبداً أن يثني أو يقايض إرادة المجتمع الدولي الرافضة لممارساته التخريبية بالتهديد أو التصعيد. وفيما يتعلق بالشأن السوري، نعيد التأكيد على موقف المملكة من أن الحل السياسي هو الحل الوحيد للحفاظ على سوريا وطناً أمناً وموحداً لجميع السوريين، وأن ذلك لن يتحقق إلا بإخراج كل القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها من الأراضي السورية، كما نعيد التأكيد على موقف المملكة الرافض للتدخل التركي العسكري في شمال شرق سوريا باعتباره تعدياً سافراً على وحدة واستقلال وسيادة الأراضي السورية، وستواصل المملكة مد يد العون والمساعدات الإنسانية للشعب السوري الشقيق من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية. أيها الإخوة والأخوات: يحق لنا أن نفخر اليوم بنجاح بلادنا في القضاء على مظاهر التطرف بعد أن تم مواجهة وحصار الفكر المتطرف بكل الوسائل والأدوات ليعود الاعتدال والوسطية سمة تميز المجتمع السعودي، كما تتواصل جهودنا ضمن تضامن دولي لمحاربة الإرهاب ومطاردة الإرهابيين أفضى إلى إلقاء القبض على قائد تنظيم «داعش» في اليمن، مع استمرار جهودنا الحثيثة لمكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وقد جاء تصويت مجموعة العمل المالي (فاتف) بالإجماع لصالح انضمام المملكة بعضوية كاملة للمجموعة كأول دولة عربية تحظى بهذا التأييد تجسيداً لجهود المملكة الكبيرة في هذا الجانب التي ستستمر بكل حزم. نؤكد دعمنا لمبادرة خطة عمل الأمم المتحدة لحماية المواقع الدينية التي تدين جميع الاعتداءات على أماكن العبادة واستباحة حرمتها. ونعيد التأكيد على أن الإرهاب آفة خطيرة لا يمكن ربطها بأي دين أو وطن أو ثقافة، وأنها تستلزم جهوداً دولية مشتركة لمحاربتها على كل الأصعدة، ونشيد في هذا الصدد بما يثمر عنه التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف بين المملكة والدول الأخرى من جهود في إفشال المخططات الإرهابية وقطع مصادر تمويلها ومواجهة الفكر المرفوض الذي تستند عليه. تواصل المملكة بناء الشراكات الإستراتيجية وتعزيز التعاون الثنائي مع دول العالم على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وسنعمل مع شركائنا من الدول الشقيقة والصديقة على إتاحة وتنمية فرص التبادل الاقتصادي والتجاري العادل، وتضطلع المملكة برئاسة مجموعة العشرين خلال العام القادم، ونأمل أن يسهم البرنامج الطموح الذي وجهنا بإعداده لهذه القمة في تعزيز مسيرة المجموعة بما يخدم مصالح كل الدول والشعوب. أيها الأخوة والأخوات: يحق لنا ونحن ننظر إلى هذه المسيرة الطويلة الظافرة لوطننا العزيز أن نفخر أشد الفخر بما تحقق له -ولله الحمد- من عزة ومنعة ومنجزات نباهي بها بين الأوطان. وإننا بقدر ما نفخر بماضينا المجيد، لنفخر اليوم بهذا الحاضر الذي يتجسد في عزمات شبابنا وشاباتنا، وهم يمضون في طريقهم إلى المستقبل بإباء وثقة، مسلحين بعقيدتهم الإسلامية السمحة، وشيمهم العربية الأصيلة والعلوم والمعارف التي نهلوا منها وطوعوها لمواصلة مسيرة الوفاء للماضي والبناء للمستقبل. في الختام أشكر معالي رئيس مجلس الشورى والإخوة والأخوات في المجلس على جهودهم الكبيرة في الاضطلاع بالاختصاصات والمهام المسندة إليهم، وأسأل العزيز القدير أن يعينهم ويوفقهم في دورتهم الجديدة، وأدعو الله العلي العظيم أن يحفظ بلادنا وأمتنا من كل مكروه، وأن يديم علينا نعمه ظاهرة وباطنة، ويوفقنا لما يحبه ويرضاه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،، هذا وقد أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود :»أننا في بلاد الحرمين في استقبال كل مسلم ، ونأمل التوفيق والسداد لكل إخواننا العرب والمسلمين والعالم كله إن شاء الله». وفي الختام عزف السلام الملكي، ثم غادر خادم الحرمين الشريفين مودعا بمثل ما استقبل به من حفاوة وتكريم. حضر الافتتاح صاحب السمو الأمير خالد بن فهد بن خالد، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سعد بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن سعود بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير منصور بن سعود بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير سعود بن سعد بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سعد بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الأمير الدكتور عبدالرحمن بن سعود الكبير، وصاحب السمو الأمير خالد بن سعد بن فهد، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن مشاري بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير خالد بن بندر بن عبدالعزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين، وصاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين. وجَّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- لأعمال السنة الرابعة من الدورة السابعة لمجلس الشورى الخطاب المفصل للسياسة الداخلية والخارجية للمملكة، وفيما يلي نصه: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابة الكريم {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الإخوة والأخوات أعضاء مجلس الشورى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: يسرنا افتتاح أعمال السنة الرابعة من الدورة السابعة لمجلس الشورى، سائلين المولى عز وجل أن يجعل أعمالنا دوماً خالصة لوجهه الكريم، وأن يوفقنا لخدمة ديننا الحنيف وشعبنا العزيز. ويطيب لنا اليوم أن نستعرض السياسة الداخلية والخارجية للدولة، وأبرز المستجدات والتطورات، وأهم المكتسبات التنموية، وما تتبناه الدولة من سياسات كانت سبباً -بحمد الله- في المحافظة على أمنها واستقرارها، وعززت من اضطلاعها بدورها الرائد إقليمياً ودولياً. إن نهج المملكة منذ تأسيسها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- قائم على تطبيق شرع الله والالتزام بالعقيدة الإسلامية، وعلى أسس الوحدة والتضامن والشورى، وإقامة العدل واستقلال القرار، والحفاظ على الأمن والاستقرار الذي أنعم الله به على بلادنا، ومواصلة مسيرة التنمية الشاملة، وتعزيز أواصر الصداقة والتعاون مع الدول انطلاقاً من المبادئ والغايات التي جاء بها ميثاق الأمم المتحدة. أيها الأخوة والأخوات: وإننا إذ نحمد الله -عز وجل- على ما تحقق من إنجازات تنموية ضخمة في العقود الماضية جعلت من بلادنا مصدر فخر وعزة لنا جميعاً، لنؤكد أن المملكة سائرة بعون الله في طريقها لتحقيق المزيد من الإنجازات من خلال رؤية 2030 بجميع محاورها التي ترتكز على تعزيز النمو الاقتصادي واستدامته في المجالات كافة، وتنمية قطاعات اقتصادية جديدة تستند على الموقع والمكانة الرائدة للمملكة، إضافة إلى تطوير ودعم قدرات أبناء وبنات شعبنا العزيز من خلال رفع مستوى جودة التعليم، وزيادة برامج التدريب والتأهيل، وتوفير المزيد من فرص العمل للحاضر والمستقبل في شتى الميادين التنموية والاقتصادية. وقد جاءت زيارتنا لعدد من مناطق المملكة خلال العام المنصرم استمراراً للقاءاتنا المستمرة مع أبنائنا وبناتنا المواطنين ومتابعتنا لاحتياجاتهم وتدشين مشاريع تنموية فيها، وسيكون لها -بإذن الله- أبلغ الأثر في تعزيز مسيرة التنمية الاقتصادية الشاملة في مختلف مناطق المملكة وتحقيق مستهدفات رؤية 2030، ومن ذلك ما يجري عليه العمل حالياً في إطار برنامج جودة الحياة. وإن حرصنا على المضي قدماً في المشاريع التنموية وخلق مجالات اقتصادية جديدة دليل على عزم الدولة الراسخ على تحقيق أهدافها بتنويع قاعدة اقتصاد واستثمار المتغيرات الاقتصادية لبناء مكتسبات وطنية جديدة سيكون المواطن فيها الهدف والرافد. لقد شرف الله المملكة بأن جعلها حاضنة الحرمين الشريفين، اللذين تتوق إليهما نفوس المسلمين في كل مكان، وشرفها بخدمة ضيوف الرحمن، ومن منطلق اضطلاع المملكة بهذه المسؤولية الجليلة فقد جاء برنامج خدمة ضيوف الرحمن على رأس أولويات رؤية 2030 لإتاحة الفرصة لعدد أكبر من المسلمين لأداء مناسك الحج والعمرة، وقد أثمر هذا البرنامج المبارك نجاح المملكة في استضافة أعداد أكبر من الحجاج والمعتمرين عاماً بعد عام مع الاستمرار في ما نوليه من حرص بالغ على أن تكون رحلة الحاج والمعتمر منذ مغادرته وطنه حتى العودة إليه رحلة ثرية بالمشاعر الإيمانية يؤدي خلالها الحاج والمعتمر نسكه وعباداته بكل أمن ويسر وطمأنينة. وأن من جملة ما أنجزته حكومة المملكة العربية السعودية في خدمة ورعاية الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن توسعة الحرمين الشريفين وتطوير المشاعر المقدسة في مشاريع تعتبر الأضخم في التاريخ، ومن أجل التيسير على ضيوف الرحمن وتقديم المزيد من الخدمات والتسهيلات لملايين الحجاج والمعتمرين، فقد تمت إعادة هيكلة تأشيرات الزيارة والحج وإلغاء رسوم تكرار العمرة. ستظل مكانة المملكة الرائدة في العالمين العربي والإسلامي وموقفها الراسخ من دعم مسيرة العمل العربي والإسلامي المشترك مرتكزًا أساسياً في سياستها الخارجية. وننوه في هذا الصدد بما حفلت به رئاسة المملكة للقمة العربية في دورتها (التاسعة والعشرين) من مساعٍ وجهود لدفع مسيرة العمل العربي المشترك. ولقد شهد العام المنصرم استضافة المملكة للدورة (التاسعة والثلاثين) للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في مدينة الرياض في شهر ربيع الآخر 1440هـ، والدورة (الرابعة عشرة) لمؤتمر القمة الإسلامي والدورتين الاستثنائيتين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون ولمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في مكة المكرمة في شهر رمضان 1440هـ، والتي سعينا من خلالها إلى مواصلة جهودنا لمواجهة ما يحدق بأمتينا العربية والإسلامية من مخاطر وتهديدات، وإعادة التأكيد على موقفنا الراسخ في القضايا العربية والإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وقد أكدنا خلال القمة (التاسعة والعشرين) التي أسميناها قمة القدس أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب والمسلمين الأولى. وموقف المملكة من القضية الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة الأخرى موقف مبدئي. ومنذ عهد المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- لم تدخر المملكة أي جهد لنصرة الشعب الفلسطيني الشقيق، إيماناً منها بعدالة قضيته وضرورة وقف الممارسات والانتهاكات السافرة بحقه وإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية يمكن الشعب الفلسطيني الشقيق من الحصول على جميع حقوقه، وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وفقاً لمبادرة السلام العربية والقرارات الأممية ذات الصلة. وقد واصلنا - ولله الحمد - دعمنا للشعب الفلسطيني عبر وكالة الأونروا، لنصبح الداعم الأول لفلسطين خلال العقدين الماضيين. أيها الإخوة والأخوات: أيها المجلس الموقر لقد أثبتت دولتنا في كل الظروف على مدار الثلاثمائة عام الماضية أنها قادرة على تجاوز كافة التحديات بعزم وإصرار والخروج منها منتصرة دائماً بحمد الله وفضله. وإن ما تعرضت له المملكة من اعتداءات بـ(286) صاروخاً باليستياً و(289) طائرة بدون طيار، بشكل لم تشهد له مثيلاً أي دولة أخرى لم يؤثر على مسيرة المملكة التنموية ولا على حياة مواطنيها والمقيمين فيها، والفضل بعد الله يعود لمنسوبي قطاعاتنا العسكرية والأمنية الذين يسهرون على أمن هذا الوطن وبما يقومون به في الذود عنه، ونفخر بشهداء الواجب -رحمهم الله- والمصابين الذين ضربوا أروع الأمثلة في التضحية من أجل العقيدة والوطن، ونؤكد أن أسرهم ستظل دوماً موضع رعايتنا واهتمامنا. وامتداداً لسياسة الدولة في رفع الجاهزية العسكرية، تم في العام المنصرم التوسع في برنامج توطين الصناعات العسكرية وتقنياتها بهدف التطوير المحلي والمستدام لتلك الصناعات، ورفع كفاءة الإنفاق، وفتح باب الاستثمار في هذا القطاع. كما تم تدشين عدد من المشاريع الهادفة لرفع مستوى المحتوى المحلي، تجسيداً لحرص المملكة على تمكين الصناعات الوطنية العسكرية ضمن أهداف رؤية 2030. كما تواصل الدولة بذل الجهود لإيجاد فرص عمل للمواطنين والمواطنات وخفض معدل البطالة، وقطعنا - بفضل الله - خطوات كبيرة في تطوير القدرات البشرية وتهيئة شباب الوطن ذكوراً وإناثاً لسوق العمل، وسنواصل جهودنا في تمكين المرأة السعودية، ورفع نسب مشاركتها في القطاعين العام والخاص، مشيرين بكثير من الاعتزاز لارتفاع نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة من 19.4 % بنهاية عام 2017م إلى 23.2 % بنهاية النصف الثاني من عام 2019م. ونؤكد حرصنا واهتمامنا بتنمية أعمال المنشآت الصغيرة والمتوسطة ودعم رواد الأعمال، ونشهد هذا العام ارتفاعاً في أعداد المنشآت بنسبة 13 % ونمو حجم إقراضها، ونواصل تشجيعها لرفع حصتها في المشتريات الحكومية، لتعزز هذه القطاعات اقتصادنا وترتقي بتنمية الوطن والمواطن. ومن منطلق اهتمامنا بكل ما يحقق راحة المواطن فقد أولت الحكومة اهتماماً كبيراً بتيسير وزيادة نسب تملك المساكن، وذلك بإطلاق عدد من البرامج السكنية عبر توفير الحلول التمويلية والادخارية الملائمة، بالإضافة إلى تحفيز العرض بإشراك القطاع الخاص في هذا المجال بصورة أوسع مما عزز من إسهام القطاع الخاص وقدرته على القيام بدوره بكفاءة أكبر. وإثر تطبيق الحكومة خطتها في مجال الإسكان ارتفعت نسب تملك المواطنين للمساكن في العام الماضي - بفضل الله - بمقدار 2 % مع منتصف هذا العام 2019 بزيادة بلغت أكثر من (165) ألف مسكن مملوك، ولقد ساهمت جهود توفير احتياجات المواطن السكنية بفاعلية في تحفيز قطاعات اقتصادية أخرى. كما أن الدولة مستمرة في جهودها للارتقاء في الخدمات الطبية والرعاية الصحية وتطوير الخدمات المقدمة للمواطن والمقيم في القطاع الصحي، ورفع جودتها من خلال برامج الإنفاق والتطوير الكبيرة ونشر مفاهيم الوقاية ضد المخاطر الصحية، كما واصلت الحكومة دعمها لقطاع الاتصالات لتنفيذ الخطة الوطنية للطيف الترددي لتحتل بلادنا المرتبة الثانية في قائمة مجموعة العشرين لمجموع تخصيص النطاقات الترددية، ولتنجح في وصول خدمات الألياف البصرية إلى 2.5 مليون منزل، كما تتواصل أعمال التطوير التنموية لرفع مستوى الإنجاز وتطوير الخدمات القضائية بتدشين مركز العمليات العدلي لمتابعة أعمال المحاكم وكتابات العدل مما سيسهم في ضمان جودة الأداء ولتحسين جودة التعليم العام، تم إنشاء مركز المناهج لتطوير السياسات والمعايير وفق أفضل الممارسات الدولية، أما على صعيد التعليم الجامعي وللرفع من مستوى الأداء والارتقاء بمكانة المملكة العلمية والبحثية فقد تم اعتماد نظام الجامعات الجديد وزيارة عدد الجامعات الأهلية إلى 14 جامعة، والسماح بالاستثمار الجامعي الأهلي، ونأمل أن يسهم ذلك في تحقيق ما نصبو إليه من تميز علمي وتخريج أجيال قادرة على سد احتياجات سوق العمل. ويأتي هذا مع اهتمام الدولية الكبير بالارتقاء بجودة الخدمات البلدية وتعزيز المشهد الحضري والسلامة المرورية والحد من مسببات التلوث المتنوعة، وسعياً منا لرفع مستوى الخدمات البلدية للمواطنين فقد اعتمدنا خطة تطويرية ترفع كفاءة المجالس البلدية وترتقي بمستوى أدائها، وقد أطلقت في هذا الجانب مشاريع تنموية كبرى مثل مشروع حديقة الملك سلمان ومشروع الرياض الخضراء التي تهدف لمضاعفة المسطحات الخضرء التي تخفض التلوث البيئي وتشكل عنصر جذب سياحي، وهذه المشاريع هي بداية انطلاقة لمشاريع كبرى وأخرى في مختلف مناطق المملكة. كما تم تدشين برنامج التنمية الريفية الزراعية المستدامة 2025، الذي يستهدف عدداً من القطاعات الواعدة وتعزيز القيمة المضافة من الحيازات الصغيرة والأنشطة الزراعية، وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة عبر الاستغلال الأمثل والمستدام للموارد الطبيعية والزراعية والمائية المتجددة. أيها المجلس الموقر: تتقدم المملكة بخطى ثابتة سبيل تحقيق استقرار مالي واقتصادي أكبر وتنمية مستدامة، ونحن عازمون على تنفيذ جميع الإصلاحات الداعمة لنمو اقتصادنا وتنويع نشاطاته، ورفع مستويات الانضباط المالي وتعزيز الإيرادات وكفاءة الإنفاق، وعلى الأخص رفع كفاءة الإنفاق على المشاريع التنموية، وقد أسند مجلس الوزراء مهام الجهة المختصة بالشراء الموحد إلى مركز تحقيق كفاءة الإنفاق لتمكين الجهات الحكومية من تحقيق أفضل قيمة للتعاقد مقابل الصرف، ومن شأن ذلك أن يعزز التنمية الاقتصادية ويحقق مستهدفات الاستدامة المالية. وقد أظهرت البيانات ارتفاع معدلات الإيرادات غير النفطية بنحو 15 % وانخفاض معدلات البطالة، كما بلغ معدل النمو للناتج المحلي غير النفطي خلال الربع الثاني من هذا العام 3 % مقارنة بمعدل نمو 2.5 % في الربع الثاني من عام 2018 مع ارتفاع إنتاجية العامل في القطاع الخاص غير النفطي بحوالي 3.3 % في الربع الثاني من 2019 على أساس سنوي تزامناً مع الإصلاحات الاقتصادية التي نعمل عليها ضمن رؤية 2030، أما في النصف الأول من هذا العام فقد سجل القطاع غير النفطي نمواً بنحو 2.5 % مقارنة بـ 2.3 % في المدة نفسها من العام الماضي، ليحقق بذلك هذا القطاع أكبر نمو له منذ عام 2015م. إن من الأهداف الرئيسية للدولة تعزيز التنمية المستدامة بمفهومها الشامل، وفي هذا الصدد نثني على الجهود المبذولة للتغلب على التحديات في القطاع الخاص الذي نوليه اهتماماً كبيراً ونعول على أن يكون له مساهمة فاعلة أكبر في اقتصادنا الوطني. ولتحقيق تلك الأهداف قامت المملكة ببذل جهود كبيرة في تسهيل ممارسة الأعمال للقطاع الخاص من خلال سن الأنظمة ووضع القرارات الممكنة له، وقد صنفت المملكة مؤخراً من أكثر الدول تقدماً والأولى إصلاحاً من بين (190) دولة حول العالم، وتأتي هذه القفزة النوعية التي حققتها المملكة بتقدمها (30) مرتبة في مجال سهولة ممارسة الأعمال كإحدى ثمار العمل القائم لتحقيق رؤية 2030. ومن تلك الإصلاحات: تسهيل بدء النشاط التجاري، والتجارة عبر الحدود، والحصول على الكهرباء. وقد وجهنا جميع الجهات الحكومية بمضاعفة الجهود لتحسين بيئة الأعمال ورفع تنافسية المملكة للوصول بها إلى مصاف الدول العشر الأكثر تحفيزاً للأعمال في العالم. ويعكس هذا النهج حرص دولتكم بكامل سلطاتها ومؤسساتها على المضي قدماً في تنفيذ برامجها الإصلاحية، وهي ماضية بعون الله ثم بعزم مواطنيها ومواطناتها الذي هم فخرنا وأغلى ثرواتنا إلى تحقيق طموحات لا حدود لها. وفي إطار ما توليه الدولة من اهتمام بتعزيز المحتوى المحلي بجميع مكوناته على مستوى الاقتصاد الوطني الذي يمثل إحدى أهم الركائز لرؤية 2030، فإن الجهود مستمرة لجعل المملكة نموذجاً يحتذى في رفع مستوى المحتوى المحلي وتعزيز مساهمته في التنمية الاقتصادية، وذلك لضمان زيادة مشاركة العناصر الوطنية على مستوى القوى العاملة والسلع والخدمات والأصول والتقنية. وقد قامت الدولة بالعديد من الإجراءات بهدف تعزيز الإمكانات المحلية وتعظيم الفائدة من القوة الشرائية الوطنية لضمان استدامة النمو الاقتصادي، ومن أهمها إدراج متطلبات المحتوى المحلي في عمليات المشتريات ووضع مستهدفات خاصة بها على مستوى الجهات الحكومية وتوحيد منهجية المحتوى المحلي وآلية قياسها. وما زالت الدولة تستهدف - عبر مبادراتها الرامية لتعزيز مشاركة القطاع الخاص - التوسع في إتاحة وتخصيص الأصول الحكومية بما يكفل التعاون مع القطاع الخاص السعودي وجذب الاستثمارات الخارجية لتعزيز القيمة والكفاءة الاقتصادية لتلك الأصول. كما أن الدولة حريصة كل الحرص على توفير بيئة جاذبة للعمل وتبذل في هذا الصدد جهودها في تطوير وتحسين البنى التحتية التشريعية والتقنية والتركيز على تحقيق التحول الرقمي من خلال بناء منظومة حكومية فعالة للتعاملات الإلكترونية، واقتصاد رقمي مزدهر يعزز من إسهام المملكة التقني عالمياً، وحرصاً منا على كل ما من شأنه دفع عجلة التقدم العلمي وفتح آفاق معرفية واقتصادية جديدة لأبنائنا وبناتنا فقد تم - بحمد الله - إنشاء الهيئة السعودية للفضاء التي ستكون منصة للانطلاق في علوم متعددة مثل الاتصالات والملاحة والبث الإعلامي ورصد التغيرات المناخية وتحسين إدارة الموارد الطبيعية بالإضافة إلى تطوير جملة من التطبيقات وتعزيز البحث العلمي بما من شأنه أن يعود بنفع كبير للوطن والمواطن. أيها الإخوة والأخوات: تمضي بلادنا بخطى متقدمة لتنويع قاعدتها الاقتصادية ومصادر دخلها، ويحقق هذا التوجه نجاحات جيدة، وسنعمل على إعادة هيكلة كثير من القطاعات سعياً لبناء مقومات اقتصادية متينة وخلق فرص استثمارية واعدة وزيادة الصادرات غير النفطية، ويأتي فتح قطاع السياحة وبدء العمل في إصدار التأشيرة السياحية تحقيقاً لأهداف رؤية المملكة 2030، كأحد محفزات النمو الاقتصادي لجذب وتنويع الاستثمارات في هذا القطاع الواعد الذي يوفر فرصاً وظيفية كبيرة لأبنائنا وبناتنا، وجسراً ثقافياً للتواصل مع العالم ليشاركنا تراثنا الغني وكنوزنا الحضارية، ولم يكن مستغرباً أن يلحظ السائحون أهم ميزة في هذه البلاد وهي شعبها المضياف الذي عبَّر بكرم عن قيمه النبيلة. وقد جاء تدشين برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، الذي يعد أهم وأكبر البرامج الثلاثة عشر التنفيذية لرؤية 2030، ووضع حجر الأساس للمرحلة الأولى من مشروع مدينة الملك سلمان للطاقة (سبارك) في المنطقة الشرقية، تجسيداً لعزمنا على أن تكون المملكة مركزاً عالمياً رائداً للطاقة والصناعة والتقنية ومنصة عالمية للخدمات اللوجستية. كما يجري العمل على تطوير دور الصناديق التنموية من خلال صندوق التنمية الوطني الذي يشرف على ثمانية صناديق وبنوك تنموية ويعمل بشكل حثيث على دعم مسيرة التنمية وتعزيز الاستدامة لتلك الصناديق والبنوك التي حققت الكثير من المنجزات التنموية للمملكة، وتواصل اليوم أعمالها بما يخدم أولويات التنمية والاحتياجات الاقتصادية ودعم إيجاد فرص استثمارية للقطاع الخاص المحلي والعالمي في قطاعات الاقتصاد المتنوعة مثل السياحة والصناعة والتعدين وغيرها. كما تم إنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي التي من شأنها تعزيز استثمار الدولة للتطورات التقنية المتسارعة في هذين المجالين بما يعزز من الاستفادة التنموية منها. وتواصل الدولة ببالغ الاهتمام تطوير منظومة الحماية الاجتماعية، ورفع كفاءتها مع التركيز والاهتمام البالغين بالفئات الأشد حاجة، وتقديم الدعم والرعاية المتكاملين لجميع فئات المجتمع من المواطنين والمواطنات، وبناء منظومة متكاملة وموحدة من الخدمات المجتمعية التي تتفهم خصائص الأسر واحتياجاتهم الحالية والمستقبلية وفقاً لما ورد في رؤية 2030 من مستهدفات لتعزيز الرعاية الاجتماعية وتطويرها. أيها الإخوة والأخوات: إن سياسة المملكة البترولية تهدف إلى استقرار أسواق البترول العالمية بما يخدم مصالح المنتجين والمستهلكين على حد سواء، والسعي إلى أمن وموثوقية الإمدادات بشكل يعتمد عليه، وقد تجلى ذلك - بشكل استثنائي - بعد الاعتداء الآثم على المنشآت البترولية التابعة لشركة أرامكو السعودية في بقيق وخريص الذي استخدمت فيه الأسلحة الإيرانية، والإنجاز الذي حققته الشركة - ولله الحمد - باستعادة طاقتها الإنتاجية في هذه المنشآت خلال وقت قياسي بتوفيق من الله ثم بسواعد أبنائنا، وهو ما أثبت للعالم أجمع قدرة المملكة على تلبية الطلب العالمي عند حدوث أي نقص في الإمدادات ودورها الرائد في ضمان أمن واستقرار إمدادات الطاقة العالمية وكفاءة شركاتها وسواعدها الوطنية العاملة في هذا القطاع بالغ الأهمية لاستقرار الاقتصاد العالمي. إن إعلان المملكة عن طرح جزء من أسهم أرامكو السعودية للاكتتاب العام سيتيح للمستثمرين داخل المملكة وخارجها المساهمة في هذه الشركة الرائدة على مستوى العالم مما يؤدي إلى جلب الاستثمارات وخلق آلاف الوظائف، كما سيحدث نقلة نوعية في تعزيز حجم السوق المالية السعودية لتكون في مصاف الأسواق العالمية، وسيعزز من الشفافية ومنظومة الحوكمة في الشركة بما يتماشى مع المعايير الدولية، وستوجه عائدات البيع الناتجة عن الطرح لصندوق الاستثمارات العامة لاستهداف قطاعات استثمارية واعدة داخل المملكة وخارجها. أيها المجلس الموقر، لا يخفى عليكم ما تمر به المنطقة من أزمات وخلافات، وما تواصل المملكة بذله من جهود لحلها، انطلاقاً من إيمانها العميق بأن أمن واستقرار هذه المنطقة ليس حلماً بعيد المنال بل هو هدف ممكن وواجب التحقيق. فلم تكتف تلك الأزمات والخلافات بحرمان العديد من شعوب المنطقة من فرصة العيش في أمن واستقرار، بل أدت كذلك - بكل أسف - إلى حرمان أجيالها الحاضرة من بارقة الأمل في مستقبل يليق بما حباها الله به من مقومات ومكتسبات بشرية كبيرة. وفي الشأن اليمني، تواصل المملكة جهودها المشرفة في نصرة الشعب اليمني العزيز، كما تواصل المملكة دعمها لجهود المبعوث الأممي للوصول إلى حل سياسي للأزمة اليمنية. ونؤكد ثبات موقف المملكة في نصرة اليمن وحكومته الشرعية الذي جاء استجابة لنداء الأخوة وحسن الجوار في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار في اليمن الشقيق، وحفظ مؤسسات الدولة اليمنية، وضمان وحدتها واستقلالها، وتوحيد الصف وتفعيل مؤسسات الدولة لخدمة اليمن بجميع مكوناته. وقد بذلت المملكة جهوداً كبيرة في هذا الصدد سواء على المستوى السياسي أو الإنساني، وتواصل تقديم المساعدات للأشقاء في اليمن وذلك من خلال البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن الذي يعمل على تنفيذ مشاريع عدة، منها مدينة الملك سلمان التعليمية والطبية، كما بادرت المملكة بدعم الاقتصاد اليمني بشكل مباشر بما في ذلك المحافظة على استقرار الريال اليمني. كما أثمرت - ولله الحمد - جهود المملكة السياسية بتوقيع اتفاق الرياض بين الحكومة الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي نأمل أن يفتح الباب أمام تفاهمات أوسع بين المكونات اليمنية للوصول إلى حل سياسي للأزمة اليمنية وفقاً للمرجعيات الثلاث يحصن اليمن ضد من لا يريد له الخير ويتيح للشعب اليمني العزيز استشراف مستقبل يسود فيه الأمن والاستقرار والتنمية. أيها المجلس الموقر، ما زال النظام الإيراني مستمراً منذ أكثر من أربعة عقود بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ومواصلاً الرعاية والدعم لقوى الإرهاب والميليشيات المسلحة التي تستهدف كيان الدول وتقوض مؤسساتها في المنطقة، وقد آن الأوان لإيقاف ما يحدثه هذا النظام من فوضى ودمار، وزعزعة للأمن والاستقرار في دول المنطقة. ونؤكد على أهمية قيام المجتمع الدولي بوضع حد لبرنامج النظام الإيراني النووي والبالستي، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالوقف الفوري للتدخلات الإيرانية السافرة في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. لقد عانت المملكة، والعديد من الدول الأخرى في المنطقة وخارجها من سياسات وممارسات النظام الإيراني ووكلائه، التي وصلت مؤخراً إلى ذروة جديدة من الأعمال الممنهجة والمتعمدة لتقويض كل فرص تحقيق السلام والأمن في هذه المنطقة. وأضاف النظام الإيراني إلى رصيده الإجرامي خلال العام المنصرم الاعتداء التخريبي على محطتي ضخ لخط الأنابيب شرق - غرب الذي ينقل النفط السعودي من المنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع، واستهداف سفن شحن وناقلات نفط في الخليج العربي، والاعتداء التخريبي الذي استهدف المنشآت النفطية في بقيق وخريص. وقد التزمنا - كعادتنا في المملكة - بالحكمة في التصدي لهذه الأعمال الجبانة، ونثمن بكثير من الاعتزاز مواقف حلفائنا من الدول الشقيقة والصديقة من هذه الأعمال الجبانة التي لم تستهدف أمن المملكة فقط بل أمن واستقرار الاقتصاد العالمي بأسره. وإن على النظام الإيراني أن يدرك أنه أمام خيارات جدية، وأن لكل خيار تبعات سيتحمل هو نتائجها، وأن المملكة لا تنشد الحرب، لأن يدها التي كانت دوماً ممتدة للسلام أسمى من أن تلحق الضرر بأحد، إلا أنها على أهبة الاستعداد للدفاع عن شعبها بكل حزم ضد أي عدوان، وتأمل أن يختار النظام الإيراني جانب الحكمة، وأن يدرك أن لا سبيل له لتجاوز الموقف الدولي الرافض لممارساتها إلا بترك فكره التوسعي والتخريبي الذي ألحق الضرر بشعبه قبل غيره من الشعوب وبفتح صفحة جديدة مع دول المنطقة والعالم تنطلق من تعهدات واضحة بالالتزام بالقانون الدولي ووقف كل أشكال التدخل والتخريب في الدول الأخرى، فالتصعيد لن يزيد النظام الإيراني إلا عزلة، ولا يمكن للنظام الإيراني أبداً أن يثني أو يقايض إرادة المجتمع الدولي الرافضة لممارساته التخريبية بالتهديد أو التصعيد. وفيما يتعلق بالشأن السوري، نعيد التأكيد على موقف المملكة من أن الحل السياسي هو الحل الوحيد للحفاظ على سوريا وطناً أمناً وموحداً لجميع السوريين، وأن ذلك لن يتحقق إلا بإخراج كل القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها من الأراضي السورية، كما نعيد التأكيد على موقف المملكة الرافض للتدخل التركي العسكري في شمال شرق سوريا باعتباره تعدياً سافراً على وحدة واستقلال وسيادة الأراضي السورية، وستواصل المملكة مد يد العون والمساعدات الإنسانية للشعب السوري الشقيق من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية. أيها الإخوة والأخوات: يحق لنا أن نفخر اليوم بنجاح بلادنا في القضاء على مظاهر التطرف بعد أن تم مواجهة وحصار الفكر المتطرف بكل الوسائل والأدوات ليعود الاعتدال والوسطية سمة تميز المجتمع السعودي، كما تتواصل جهودنا ضمن تضامن دولي لمحاربة الإرهاب ومطاردة الإرهابيين أفضى إلى إلقاء القبض على قائد تنظيم «داعش» في اليمن، مع استمرار جهودنا الحثيثة لمكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وقد جاء تصويت مجموعة العمل المالي (فاتف) بالإجماع لصالح انضمام المملكة بعضوية كاملة للمجموعة كأول دولة عربية تحظى بهذا التأييد تجسيداً لجهود المملكة الكبيرة في هذا الجانب التي ستستمر بكل حزم. نؤكد دعمنا لمبادرة خطة عمل الأمم المتحدة لحماية المواقع الدينية التي تدين جميع الاعتداءات على أماكن العبادة واستباحة حرمتها. ونعيد التأكيد على أن الإرهاب آفة خطيرة لا يمكن ربطها بأي دين أو وطن أو ثقافة، وأنها تستلزم جهوداً دولية مشتركة لمحاربتها على كل الأصعدة، ونشيد في هذا الصدد بما يثمر عنه التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف بين المملكة والدول الأخرى من جهود في إفشال المخططات الإرهابية وقطع مصادر تمويلها ومواجهة الفكر المرفوض الذي تستند عليه. تواصل المملكة بناء الشراكات الإستراتيجية وتعزيز التعاون الثنائي مع دول العالم على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وسنعمل مع شركائنا من الدول الشقيقة والصديقة على إتاحة وتنمية فرص التبادل الاقتصادي والتجاري العادل، وتضطلع المملكة برئاسة مجموعة العشرين خلال العام القادم، ونأمل أن يسهم البرنامج الطموح الذي وجهنا بإعداده لهذه القمة في تعزيز مسيرة المجموعة بما يخدم مصالح كل الدول والشعوب. أيها الأخوة والأخوات: يحق لنا ونحن ننظر إلى هذه المسيرة الطويلة الظافرة لوطننا العزيز أن نفخر أشد الفخر بما تحقق له -ولله الحمد- من عزة ومنعة ومنجزات نباهي بها بين الأوطان. وإننا بقدر ما نفخر بماضينا المجيد، لنفخر اليوم بهذا الحاضر الذي يتجسد في عزمات شبابنا وشاباتنا، وهم يمضون في طريقهم إلى المستقبل بإباء وثقة، مسلحين بعقيدتهم الإسلامية السمحة، وشيمهم العربية الأصيلة والعلوم والمعارف التي نهلوا منها وطوعوها لمواصلة مسيرة الوفاء للماضي والبناء للمستقبل. في الختام أشكر معالي رئيس مجلس الشورى والإخوة والأخوات في المجلس على جهودهم الكبيرة في الاضطلاع بالاختصاصات والمهام المسندة إليهم، وأسأل العزيز القدير أن يعينهم ويوفقهم في دورتهم الجديدة، وأدعو الله العلي العظيم أن يحفظ بلادنا وأمتنا من كل مكروه، وأن يديم علينا نعمه ظاهرة وباطنة، ويوفقنا لما يحبه ويرضاه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،، هذا وقد أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود :»أننا في بلاد الحرمين في استقبال كل مسلم ، ونأمل التوفيق والسداد لكل إخواننا العرب والمسلمين والعالم كله إن شاء الله». وفي الختام عزف السلام الملكي، ثم غادر خادم الحرمين الشريفين مودعا بمثل ما استقبل به من حفاوة وتكريم. حضر الافتتاح صاحب السمو الأمير خالد بن فهد بن خالد، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سعد بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن سعود بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير منصور بن سعود بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير سعود بن سعد بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سعد بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الأمير الدكتور عبدالرحمن بن سعود الكبير، وصاحب السمو الأمير خالد بن سعد بن فهد، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن مشاري بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير خالد بن بندر بن عبدالعزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين، وصاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين.
مشاركة :