الطالب سعيد نشوان طالب شقي، لا شك في ذلك.. ويأتي بحركات مذمومة خاصة في تقليده لبعض المدرسين، وهذا عمل سيئ لا يليق بطالب محترم في مدرسة محترمة.. بل لقد تجاوز سعيد هذا حده حيث قلّد المدير نفسه في حركاته، وفي مشيه فصار المدير محل السخرية، من الأساتذة والطلاب.. بل إن زوجة المدير سمعت من جاراتها أن ابنها الصغير يقلد مشي المدير وحركاته متأثراً بسعيد نشوان.. وارتاع المدير تلك الليلة، وصغر في عين زوجته وأولاده.. فقرر فصله من المدرسة، وكان قبل ذلك قد لاحظ ذات مرة، وعندما نهر الفرّاش، أنه مشى وهو يقلد مشيته، وكتم غيظه ولم يقل شيئاً، وكان يقول لنفسه ربما أن الفرّاش لا يقصد شيئاً وإنما هذه وساوس، حدثتها حركات الملعون سعيد.. ولما سمع بعض المدرسين عن نية المدير، جاءوا متشفعين، محاولين ثنيه عن قراره.. فسعيد نشوان طالب ذكي جداً، وقد يكون عبقرياً، وله مستقبل باهر وسيكون من الأوائل دوماً، مما يرفع سمعة المدرسة، غير أن المدير رفض وساطتهم وشفاعتهم وراح يدخن بانفعال ويخاطبهم بتوتر قائلاً ان سعيد هذا قليل أدب، وقليل حياء ويأتي –كما تعلمون- بحركات بهلوانية تشبه حركات القرود، ومن ثم فلا مكان في مدرستي لمقلدي القرود، والمتشبهين بها.. وقال إنني حين أفصله.. انما أفصله لهذا السبب..!! وأخشى أن تنتقل حركات القرود إلى بقية الطلبة، ومن ثم فإن المدرسة في النهاية ستصبح مدرسة قرود لا تلاميذ نجباء.. غير أن هذا لم يثن بعض المدرسين، عن محاولة الشفاعة. إذ تحدث المشرف الاجتماعي "حامد" قائلاً: إنني أقدر اهتمام سعادتكم بالمدرسة وطلابها.. ولكن سعيد لن يشكل خطراً كبيراً وسوف أعمل على توجيهه، بأن يكف مستقبلاً عن مثل ذلك.. ثم انه يا سيدي وكما تعلم يتيم فوالده مات بسبب صعق كهربائي أحرقه عندما كان يصلح عطلاً في عمود النّور بالقرية، وهو يا سيدي وحيد أمه الأرملة التي أكلت أصابعها أوخاز الإبر وعميت عيناها وهي تخيط ثياب أطفال القرية، لترعى وتأمن حياة وحيدها سعيد.. فماذا عليك أكرمك الله لو صفحت عنه.. وأمّن الأستاذ "نافع" على كلامه قائلاً: يا سعادة المدير هذه حركات عادية يأتي بها عادة الطلاب النابهون.. فكل نابه تعتريه حالة من حالات الشيطنة "والعفرتة" أما المسالمون والذين لا تظهر عليهم الشقاوة ففي الغالب أنهم يتسمون بالخمول.. في هذه الأثناء وفي "وقت الفسحة" مر سعيد مسرعاً، ونقر النافذة، وهو يقول: اجتماع، اجتماع.. شمّوا يا شباب، شموا ريحة الدخان، آه يا مديرنا "التتان".. وضع المدير فنجان الشاي من يده وضرب طاولة المكتب وهو يقول: قوموا، قوموا.. أتتشفعون في مثل هذا التيس الأزعر..؟ لا والله لن أترك، شقياً متمرداً يفسد طلاب المدرسة.. وأقسم انه لن يقبل فيه شفاعة حتى ولو من الوزير نفسه..! وحزن بعض المدرسين من قسوة المدير وصلفه، وتصميمه على فصل سعيد.. وفي صباح اليوم التالي وعندما كان فرّاش المدرسة يفتح بابها الخشبي الضخم، كانت تقف سيارة بيضاء قد أخذ التلاميذ ينظرون إليها ويدورون حولها في غرابة، وقد هبط منها رجل طويل القامة يحمل حقيبة سوداء، وتوجه نحو إدارة المدرسة انه المفتش "عمران".. الشهير بزياراته المفاجئة للمدارس.. أخذ الفرّاش يهرول أمامه وهو يتلمس مفاتيح الإدارة في جيبه، فلما تأكد من وجودها توقف قليلاً، وهو يقول: مرحبا تفضل، تفضل طال عمرك، المدير جاي، المدير قادم، جلس المفتش عمران على أحد الكراسي في غرفة المدير، وأخرج دفتراً وأخذ يكتب فيه، وظل الفرّاش ساعياً ما بين غرفة الشاي، وغرفة الإدارة.. دخل المدير ووقف في استغراب وذهول، كان الفرّاش يصب أول فنجان للمفتش.. هبّ المدير رافعاً صوته في اضطراب: مرحبا مرحبا أستاذ عمران.. أهلاً وسهلاً… حياك الله وبياك، ما هذه المفاجأة السارة.. لم يلبثا طويلاً في الحديث فحينما "صفّر" المراقب، واكتمل تواجد الطلبة والمدرسين في الفصول نهض المفتش، وسار نحو باحة المدرسة طائفاً بالفصول، وحينما حاذى الفصل "الثاني متوسط" عرج عليه.. يتبع
مشاركة :