دعا الاتحاد الأوروبي، الخميس، السلطات في طهران إلى تجنّب استخدام العنف ضد المحتجين على رفع أسعار الوقود في البلاد، وذلك تزامنا مع حديث الحرس الثوري في إيران عن نجاحات وهمية في تطويق الاحتجاجات بالقوة، مستغلا في ذلك حالة التعتيم وقطع الإنترنت. وتأتي الدعوة الأوروبية فيما دخلت الاحتجاجات في إيران يومها السادس، في الوقت الذي تواصل فيه سلطات طهران دحرجة الكرة لملعب خصومها متهمة إياهم بالوقوف خلف الاحتجاجات. واستمر الحرس الثوري، الذي توعد منذ البداية بالفتك بالمتظاهرين، في استغلال حالة التعتيم بعد قطع الإنترنت على كامل البلاد لبث مغالطاته من خلال الحديث عن ’’انتصارات وهمية’’. وأشار بيان صادر عن مكتب الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية فيديريكا موغيريني، إلى ورود أنباء حول وجود قتلى وجرحى خلال التظاهرات المتواصلة في إيران. وأضاف البيان أن “المصاعب الاجتماعية والاقتصادية يمكن تجاوزها بالحوار الشامل لا بالعنف”. وأكد الاتحاد الأوروبي على رفض العنف بكافة أشكاله، مشدداً على ضرورة ضمان حرية التعبير والتظاهر. كما دعا البيان طهران إلى رفع الحجب عن خدمة الإنترنت في البلاد، وتأمين حرية تبادل المعلومات. وجاء رد طهران على بيان الاتحاد الأوروبي ودعوته للابتعاد على منطق القوة على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، الذي انتقد تصريحات بروكسل. وجاء ذلك في بيان نشره موقع الوزارة الخارجية، الخميس، رداً على بيان فيديريكا موغيريني. وقال موسوي “ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يفي بوعوده لإيران، بدلاً من دعم قوى الشر والتدخل في شؤوننا الداخلية”.وتطرق المسؤول الإيراني إلى التظاهرات في دول الاتحاد الأوروبي، مؤكدًا ضرورة أن تحل تلك الدول أولاً مشاكلها الداخلية. وأضاف “يجب على دول الاتحاد الأوروبي أن تفي بوعودها بخصوص الاتفاق النووي، وأن تفسر دعمها للإرهاب الاقتصادي الذي تنفذه الولايات المتحدة ضد إيران، بدلاً من سكب دموع التماسيح دفاعًا عن قوى الشر التي خربت المنشآت العامة والخاصة في إيران”. السلطات الإيرانية أكدت مقتل خمسة أشخاص لكن الأمم المتحدة عبرت عن خشيتها من مقتل العشرات خلال المواجهات وأكدت السلطات الإيرانية حتى الآن مقتل خمسة أشخاص، لكن منظمة الأمم المتحدة عبرت عن خشيتها من مقتل “عشرات” الأشخاص خلال المواجهات لاسيما بعد إصدار منظمة العفو الدولية تقريرا يتحدث عن مئة قتيل على الأقل في صفوف المحتجين. وتأتي هذه المستجدات في وقت تشير فيه العديد من التقارير إلى بدء السلطات إعادة خدمة الإنترنت الخميس. وجعل قطع خدمة الإنترنت من الصعب على المتظاهرين نشر تسجيلات على مواقع التواصل الاجتماعي لحشد المزيد من التأييد أو الحصول على تقارير يعتد بها عن نطاق الاضطرابات. وقال مرصد نتبلوكس لمراقبة انقطاع الإنترنت إن عودة الخدمة في إيران ما زالت جزئية وتغطي نسبة عشرة بالمئة فقط من البلاد. وقالت وكالات أنباء محلية وسكان إن إيران بدأت في إعادة خدمات الإنترنت في العاصمة طهران وعدد من الأقاليم بعد أن قطعتها السلطات لأيام على مستوى البلاد بهدف احتواء احتجاجات عنيفة على رفع أسعار الوقود. ونقل التلفزيون الرسمي عن الحرس الثوري الإيراني قوله إن الهدوء عاد في إيران. ونقلت وكالة فارس شبه الرسمية للأنباء عن مصادر مطلعة لم تحددها قولها “خدمة الإنترنت تعود تدريجيا إلى البلاد”. ونقلت الوكالة عن مجلس الأمن القومي، الذي أمر بقطع الخدمة، قوله إن إعادة الخدمة أجيزت “لبعض المناطق، ووفقا للتقارير الواردة حتى الآن، أعيدت خدمة الإنترنت على الخطوط الأرضية في أقاليم هرمزجان وكرمانشاه وأراك ومشهد وقم وتبريز وهمدان وبوشهر وفي أجزاء من طهران”. وفي إقرار منه باتساع رقعة الاحتجاجات أفاد الحرس الثوري “وقعت حوادث، بعضها كبير وبعضها صغير، نتيجة زيادة أسعار البنزين، في أقل من مئة مدينة عبر إيران”. وجاء في البيان الذي نشره موقع “سيبا نيوز”، الصفحة الرسمية للحرس الثوري، أنه “تم وضع حد لهذه الأحداث في أقل من 24 ساعة، وفي بعض المدن في 72 ساعة”. ويرى مراقبون أن السلطات في إيران استغلت الولاء التام ووضع يدها على الإعلام للتخفيف من وطأة الاحتجاجات حيث لم تبث القنوات الإيرانية منذ الأربعاء أي صور جديدة عن الاحتجاجات، مكتفية بنقل مشاهد مظاهرات دعما للسلطات في العديد من المدن. ومنذ بداية الاحتجاجات تتالت البيانات والنداءات الدولية المطالبة إيران بضرورة الإصغاء للمحتجين والابتعاد عن منطق القوة. وجاء ذلك بعد ورود تقارير تفيد بتخطيط السلطات وبتعاون مع الحرس الثوري لنصب المشانق لقادة الاحتجاجات المتهمين بالضلوع في العنف، حسب رواية طهران، وخدمة ’’أجندات أجنبية’’. وفي محاولة يائسة منها لإسكات المنتقدين لتعاطيها مع المظاهرات استدعت وزارة الخارجية الإيرانية السفير السويسري في طهران، الأربعاء، بسبب تصريحات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو التي عبر فيها عن دعمه للمحتجين الذين تظاهروا في إيران. وعلى صعيد آخر، وفي محاولة أخرى لترهيب المتظاهرين، قضت محكمة إيرانية بسجن 6 نشطاء بيئيين، في قضية قوبلت بانتقادات دولية، بالتزامن مع استمرار الاضطرابات. وذكر مرصد حقوق الإنسان في إيران، ومقره نيويورك، الخميس، أن المحكمة أصدرت أحكاما بالسجن لمدد تتراوح بين 6 و10 سنوات، وفق ما نقلت “الأسوشيتد برس”. وتشير الأرقام إلى توقيف السلطات نحو 1000 شخص خلال الاحتجاجات، كما تسببت هذه الموجة من المظاهرات في حرق محتجين ما يزيد عن 100 مصرف، و50 متجرا. ويرى مراقبون أن هذه الاحتجاجات تزيد من تضييق الخناق على السلطات الإيرانية المتأثرة باحتجاجات لبنان والعراق المناهضة لحكومتي البلدين وهو ما يهدد النفوذ الإيراني هناك. وتتواصل المظاهرات في العراق المجاور للمطالبة بحل مشكلات الطبقات الفقيرة ووقف تدخل إيران في الشؤون العراقية. وازدادت معاناة طهران مع تأزم الأوضاع الاقتصادية داخلها بمفعول العقوبات الأميركية التي مردها تقليص إيران لالتزاماتها في الاتفاق النووي الموقع في العام 2015، وذلك بعد انسحاب الولايات المتحدة الأحادي منه. وبات الاقتصاد الإيراني يئن بسبب هذه العقوبات إذ قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن 4 نوفمبر 2018 يمثل “أسوأ أنواع الحظر” ضد بلاده على ممر التاريخ، في إشارة إلى التاريخ الذي بدأت فيه الولايات المتحدة تطبيق الحزمة الثانية من عقوباتها الاقتصادية على إيران وتشمل قطاعات الطاقة والتمويل والمدفوعات الدولية والنقل البحري. وجاءت تصريحات روحاني عقب إصدار صندوق النقد الدولي توقعات بانكماش الاقتصاد الإيراني 9.5 بالمئة هذا العام، انخفاضا من تقدير سابق لانكماش نسبته ستة بالمئة.
مشاركة :