«أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا»

  • 11/22/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لقد تبين للعلماء والباحثين أن العمليات التي تقوم بها الشبكات العصبية بالقلب البشري قد تكون أكثر تعقيدا من مثيلاتها بالمخ، ومن المدهش أن الشبكة العصبية في القلب قد بلغت من التعقيد درجة قال عنها العلماء إنها قادرة على التفكير والإحساس والتذكر، لدرجة أن العالم (Armor) أول من أطلق عليها مصطلح مخ القلب (Heart Brain)، وقد ذاع صيت هذا المفهوم كثيرا بعد أن أصدر هذا العالم كتابا بهذا الاسم. ولقد أوضحت الدراسات التجريبية الحديثة في كندا والولايات المتحدة، أن العلاقة التبادلية والتشاورية المستمرة بين القلب والمخ، يمكن إرجاعها إلى علاقة الجوار الجغرافي في بداية الحياة الجنينية، حيث تقع الخلايا الأولية المكونة للقلب أعلى الخلايا الأولية التي ستكون المخ، وذلك في اليوم التاسع عشر من حياة الجنين. ثم تبدأ هذه الخلايا القلبية في الاندماج والنزول تدريجيا حتى تصل إلى الصدر مكونة القلب، وفي أثناء هذا النزول يحافظ القلب على اتصاله بالمخ عن طريق الأعصاب والأوعية الدموية، وكذا التشابه الهرموني والتوافق الكهربائي، وتظل العلاقة الوثيقة بينهما طوال العمر، مكونة لب وجوهر الإنسان..! وقد استمرت الأبحاث العلمية في مجال القلب طوال السنوات الثلاثين الماضية والتي أضفت مزيدا من المعلومات على العلاقة الغامضة بين العقل والقلب، والتي أعيتني شخصيا، حيث كان هذا الموضوع جزءا من بحثي للماجستير في ثمانينيات القرن الماضي، أي منذ حوالي أربعين عاما، والذي كان بعنوان (التربية العقلية في الإسلام)، وقد تطرقت فيه إلى وظائف العقل والقلب، وكيف تعامل معها الإسلام بنصوص آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، ولكني لم أستطع الوصول إلى حقيقة العلاقة بين العقل والقلب في ذلك الزمن لقصور الأبحاث العلمية والطبية وقتئذ. ولكن بعد تطور الأبحاث والتجارب العلمية في مطلع التسعينيات في مجال القلب، يمكن أن نقول إننا الآن قد ازددنا فهما واستيعابا لما جاءت به آيات القرآن الكريم منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، ومن المعلومات الجديدة في المجال، يقول الدكتور أحمد البشير، الطبيب والباحث في هيئة الإعجاز العلمي بمكة المكرمة: للقلب أكثر من وظيفة يقوم بها نظرًا إلى اتصاله الوثيق وتشابكه عصبيا بالمخ، فهو متحكم في كل وسائل الإدراك، فالإبصار لا يتم إلا عن طريقه، والسمع لا يكون إلا بعد إذنه، والتعقل والتفقه لا يكتمل إلا بكون القلب حاضرا، آيات كثيرة في القرآن الكريم تثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن القلب هو المدخل الوحيد إلى مراكز الإدراك في المخ البشري. فعن طريقه نسمع ونبصر ونعقل، وهذا لا يلغي مهام الأذن أو العين أو المخ، ولكن كل هذه الأعضاء لا تقوم بدورها إلا بكون القلب حاضرا. ويواصل الدكتور قائلا: قد أثبتت التجارب العلمية والطبية في المجال، أن القلب يتصل بالمخ وببقية الجسم بثلاثة طرق تم توثيقها بالأدلة العلمية القوية والصلبة، وهذه الطرق هي: عصبيا، من خلال إرسال النبضات العصبية من القلب إلى المخ. وبيوكيميائيا، من خلال الهورمونات والأنزيمات والناقلات العصبية (neurotransmitters)، وفيزيائيا عن طريق موجات الضغط. هذا بالإضافة إلى دليل علمي رابع جديد أخذ ينمو ويتزايد هذه الأيام، فقد توصل العلماء مؤخرا إلى أن القلب يتصل بالمخ وبقية الجسم عبر الطاقة، وذلك من خلال تفاعلات الحقول الكهرومغناطيسية للقلب، بل وهنالك الدليل الخامس الذي ربما يفجر ثورة علمية كبرى في مجال فهم القلب وعمله، ويتمثل بما تم كشفه أخيرا عن الدم، حيث يعتقد العلماء أن الدم يساعد المرء على التفكير، فهو يضخ من القلب ويعبر الشرايين إلى الدماغ ليزوده بالأكسجين. ويبين العلماء من خلال دراسة حديثة، أنه بالإضافة إلى قيام الدم بتزويد خلايا الجسم بالأوكسجين والعناصر الغذائية، فهو يؤثر على نشاط الأعصاب في المخ أثناء مروره فيها. كما أن تغير طريقة انبعاث الاشارات من خلية إلى أخرى يساهم في تنظيم تدفق المعلومات في المخ، وأوضح الباحثون أن الدم يعدل ويغير في كيفية إرسال النيرونات العصبية لإشاراتها، وهو ما يغير بعض النظريات السابقة حول كيفية عمل المخ. ويأتي ذلك في الوقت الذي يؤكد فيه الباحثون أن الدم ليس مجرد عنصر بيولوجي فقط، بل يساعد على التحكم في نشاط المخ خاصة في أماكن تواجد النيرونات المسؤولة عن طريقة التفكير. خلاصة الأمر أن القلب له اتصال بالمخ بعدة طرق: عصبيا وهرمونيا، وعن طريق الدم، وأيضا له تأثيرات سيكولوجية تم اكتشافها حديثا بعد عمليات نقل القلب. كل ذلك يثبت أن القلب هو الذي يتحكم وينظم عمل الجسم مما يؤهله لأن يكون المدخل الوحيد إلى مراكز الإدراك في المخ البشري. ولقرون طويلة مضت، لم يستطع العلم أن يفك طلاسم هذه المضغة التي لا يزيد حجمها عن قبضة اليد، وكذلك لم يستطع العلم الاقتراب من حقيقة (العقل)، ويشار بهذا اللفظ إلى كل من القلب والمخ ومعرفة مراكزهما المختلفة، ولكن القرآن الكريم الذي تنزل على النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم قبل أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان، ذكر حقائق علمية عن القلب ورسم خريطة متكاملة عن المخ لا يزال العلم يقف عندها حائرا ومندهشا ومستغربا حتى اليوم. لقد كان الاعتقاد السائد عند علماء البيولوجيا إلى وقت قريب أن القلب عبارة عن مضخة فقط لضخ الدم لا أكثر ولا أقل، في الوقت الذي يتحدث فيه القرآن الكريم عن القلب بأنه المنظم لكل السلوك البشري والمتحكم في كل تصرفات الانسان، وتشير السنة النبوية المطهرة إلى أن (في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب). هكذا يتضح أن وظائف القلب العقلية التي وردت في آيات القرآن الكريم تعتبر معلومات وحقائق طبية، وليست مجرد ألفاظ مجازية وضعت لتناسب سياق الآيات الكريمات.

مشاركة :