بعد أن تجمع لدى علماء الغرب الكثير من التجارب والأبحاث والمشاهدات والحقائق حول القلب ووظائفه، وجدوا أن كل ما يكشفه العلماء حول القلب قد تحدث عنه القرآن الكريم بشكل مفصّل، وهذا يثبت السبق القرآني في علوم القلب، ويشهد على عظمة ودقة القرآن الكريم، وأنه كتاب من رب العالمين. والحقيقة أننا لو تتبعنا أقوال أطباء الغرب الذين برعوا في هذا المجال نرى بأن عددًا منهم يعترف بأنهم لم يدرسوا القلب من الناحية النفسية، ولم يعطوا هذا الجزء المهم حقه من الدراسة والبحث. ومن المعروف طبيا أن القلب يُخلق قبل الدماغ في الجنين، ويبدأ بالنبض منذ تشكله وحتى موت الإنسان. ومع أن العلماء يعتقدون أن الدماغ هو الذي ينظم نبضات القلب، إلا أنهم لاحظوا شيئًا غريبًا وذلك أثناء عمليات زراعة القلوب، فعندما يضعون القلب الجديد في صدر المريض يبدأ بالنبض على الفور دون أن ينتظر الدماغ حتى يعطيه الأمر بالنبض. وهذا يشير إلى استقلال عمل القلب عن الدماغ، بل إن بعض الباحثين اليوم يعتقد أن القلب هو الذي يوجّه الدماغ في عمله، بل إن كل خلية من خلايا القلب لها ذاكرة، ويقول الدكتور Schwartz إن تاريخنا مكتوب في كل خلية من خلايا جسدنا.. ومنها خلايا القلب..! في المقال السابق تحدثنا باختصار عن الآليات التي يعمل بها القلب، والتي توضح تكامله مع المخ (Brain) وارتباطه به ارتباطا وثيقا لأهمية ذلك في عمليات خزن المعلومات والتعلم وتذكية النفس، وقد كشف العلم الحديث عن أربع آليات يعمل بها القلب، وتحدثنا عن واحدة من هذه الآليات وهي الآلية العصبية، والتي عن طريقها يرسل مخ القلب (Heart Brain) إلى المخ (Brain) إشارات كهربية فعالة (efferent neurons)، تبلغ 80 في المائة من مجموع الإرسالات العصبية، بينما يرسل المخ إلى القلب 20 في المائة فقط من تلك الرسائل. وفي هذا المقال سوف نتحدث عن الآلية الثانية التي يعمل بها القلب وهي الآلية الهرمونية، ومعروف أن الهرمونات هي موادّ كيميائية تحمل الإشارات والرسائل بين خلايا الجسم المختلفة، وتفرز من الغدد الصماء إلى الدم، وذلك بهدف إيصال الرسائل ونقل الأوامر التي تتحكم في كثيرٍ من وظائف الجسم. وفي هذا المقال سوف نتحدث عن الآلية الثانية التي يعمل بها القلب وهي الآلية الهرمونية، يذكر الدكتور فؤاد يحيى الباحث في هيئة الإعجاز العلمي بمكة المكرمة أنه منذ اكتشاف أول هرمون يفرزه القلب عام 1983م وهو هرمون (ANH)، يتوالى اكتشاف المزيد من الهرمونات القلبية حتى وصل عددها إلى ست هرمونات، وتفرز جميعها من الخلايا العضلية للأذينين (وخاصة الأذين الأيمن)، إلى الدم مباشرة، وبذلك اعتبر القلب بمثابة غدة صماء كبرى. وقد تبين أن القلب يفرز كلا من هرموني (ANHو BNH) في حالات التوتر وارتفاع ضغط الدم، وهما يعملان على زيادة إدرار الصوديوم والماء من الكلى، وتوسيع الشرايين المتوسطة، وبالتالي العمل على خفض ضغط الدم، واكتساب حالة الطمأنينة والسكينة، وقد أثبتت التجارب في معهد رياضيات القلب بكاليفورنيا (IHM) أن الصلاة الإسلامية والاسترخاء المصاحب لها يؤدي إلى خفض ضغط الدم وإزالة التوتر، مصداقا لقوله تعالى: (ألا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (يونس 28). ويقوم هرمون (ANH) بالعمل على زيادة إفراز هرمون آخر من الغدة فوق الكلوية وهو هرمون (DHEA) الذي يحسن صحة الجسم كله برفع مناعة الجسم ضد الأمراض، ويساعد على التئام الجروح والأنسجة، ويزيد من إفراز الهرمونات الجنسية، وزيادة حدة الرؤية للعين، مما حدا بالعالم (Mc Craty) إلى القول بأن هرمون (ANH) يضبط وظائف الجسم كلها. وقد اكتشف في السنوات الماضية أن القلب يفرز هرمون سمى (دوبامين Dopamin)، وهو نفس الهرمون الذي يفرز أيضا من مراكز المخ المسؤولة عن عمليات التعلم والتذكر، وهذا الهرمون يكسب الفرد حالة من البهجة والانتعاش، مما جعل العامة يطلقون عليه هرمون السعادة..! كما يفرز القلب أيضا هرمونا يسمى الأوكسيتوسين (Oxytocin)، والذي يفرز أيضا من المخ (من الغدة النخامية)، وقد تبين من خلال الأبحاث أن القلب هو الذي يتحكم في إفرازه من المخ، ويطلق على هذا الهرمون هرمون المحبة والرحمة والروابط الاجتماعية. ويفرز القلب أيضا هرمون النورأدرنالين (Noradrenalin)، وهو الهرمون الوحيد الذي يفرزه القلب ليرفع الضغط ويزيد من حالة التوتر، ويزداد إفرازه في حالات الرعب والفزع والحروب. ومما سبق يتبين لنا أن القلب يعتبر أهم غدة صماء بالجسم، بل هو الغدة المايسترو لمعظم الغدد الأخرى.ومن عجائب القلب الأخرى التي توضح دقة وتعقيد صنع المولى جل وعلا وسمو وإبداع خلقه، أن القلب هو المحرك الذي يغذي أكثر من 300 مليون مليون خلية في جسم الإنسان، ويبلغ وزنه من 250 إلى 300 غرام، وهو بحجم قبضة اليد. ويقوم بعد إحدى وعشرين يوما من الحمل بضخ الدم إلى مختلف أجزاء جسم الجنين لتدب فيه الروح بإذن الله الخالق القدير، وعندما يصبح المرء بالغا يضخ قلبه في اليوم نحو 7600 لتر من الدم خلال الأوعية الدموية التي يصل طولها إلى حوالي 100 ألف كيلومتر، وخلال سبعين سنة يضخ القلب حوالي 200 مليون لتر من الدم، يدفعه إلى جميع خلايا الجسم ليزودها بالأكسجين الذي تحرقه في صنع غذائها، والنفايات السامة يأخذها الدم ويضخها عبر القلب لتقوم الرئتان بتنقيته، وطرح غاز ثاني أكسيد الكربون. سبحان الله وتجلت قدرته، نسأله تعالى أن يثبت قلوبنا على الإيمان (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (آل عمران 8).
مشاركة :