«كابتن مصر» يُصر على أن يعيش ... في جلباب أبيه

  • 5/15/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

طوال مدة عرض فيلم «كابتن مصر» وفي جميع المشاهد التي يظهر فيها الممثل الشاب محمد إمام ستظل صورة وشخصية الفنان عادل إمام حاضرة باستمرار، حتى يُخيل للمتلقي أن الأب قرأ السيناريو مع الابن ووضع له تصورا لكيفية أداء كل مشهد. إن استحضار الأصل هو أقوى دليل على ضعف التقليد وعدم القدرة على الإقناع. محمد إمام ممثل جيد، لكنه يظلم نفسه عندما يُصر على محاكاة والده باستحضار حركاته ولفتاته، لأنه ببساطة لا يمتلك تلك الطاقة والكاريزما التي يتمتع بها فنان في قامة وتاريخ وموهبة عادل إمام. كرة الفقراء يُعد «كابتن مصر» التجربة الثانية في البطولة لمحمد إمام، بعد فيلمه «البيه رومانسي» الذي لم يحقق إيرادات تذكر وسط منافسة الآخرين. لكن ذلك لا يصادر على مستقبله في البطولة، فربما يختلف الأمر في ظل أعمال تستند إلى سيناريو له بناء درامي قوي، لا يقتصر طموح مؤلفه على مجرد «إضحاك الجمهور». كتب سيناريو الفيلم الصحافي عمر طاهر الذي سبق له تقديم مجموعة من الأفلام الكوميدية مثل «طير أنت» مع أحمد مكي، و «نظرية عمتي» مع حسن الردّاد وحورية فرغلي، و «يوم مالوش لازمة» مع محمد هنيدي. يبدأ الشريط الجديد من نقطة بزوغ نجم لاعب في كرة القدم، من مستوى اجتماعي فقير، كاشفاً الإغراءات التي تحاصره بشكل كوميدي ساخر، مُعدداً أشكال الابتزاز والاستغلال كافة من جميع أصحاب رأس المال والسلطة، سواء من أصحاب الإعلانات أو الأندية المنافسة، أو حتى الجماهير، وغيرها من الأمور التي قد تدمر مستقبل اللاعب. البداية مبشرة وواعدة بأننا أمام سيناريو قوي، لكن المأزق الذي يُواجه كثيراً من كتاب السيناريو وصناع السينما أنهم في كثير من الأحيان يُحسنون اختيار البدايات من دون أي قدرة على مواصلة الطريق بالقوة ذاتها، إذ سرعان ما نكتشف أن السيناريو اختار الطريق السهل واكتفى بأن يكون مجرد اسكتشات كوميدية ضاحكة، تعتمد على الإفيهات اللفظية. صحيح أنها غير مبتذلة لكنها في أحيان كثيرة جاءت غير مترابطة، مفتعلة في بعض الأوقات. وربما كان هذا تعبيراً عن طموح مؤلف العمل الذي اعترف في أكثر من تصريح صحافي أن هدفه من الفيلم هو «إضحاك الجمهور،» وهو هدف نبيل، لكن يظل هناك فارق جوهري بين الضحك الموقت العابر في أعمال ننساها قبل أن نخرج من باب قاعة العرض، ومنها «كابتن مصر»، وبين أعمال تجمع بين الضحك وبين القيمة الإنسانية، وأوضح مثال لها شارلي شابلن. وتستمر أحداث «كابتن مصر» بعد أن يحقق لاعب الكرة المكافح طموحه في أن يكون واحداً من أبرز لاعبي كرة القدم في مصر. لكنه فجأة وبسبب تهوره وإهماله، يصدم بسيارته أمينَ شرطة، فيُحكم عليه بالسجن لمدة 3 سنوات بتهمة القتل الخطأ. هنا يدور أغلب الأحداث في السجن –إلى جانب بعض مشاهد المطاردات والهروب التي تحاكي ما فعلته قيادات الإخوان- حيث نتعرف إلى مجموعة من المساجين لكل منهم حكاية مختلفة. وأثناء فترة العقوبة يستيقظ البطل من نومه على رؤية تجعله يُؤمن بأن كرة القدم كما أدخلته السجن هي التي ستنقذه وتخرجه من وراء تلك القضبان ثانية، فيقرر أن يشكل داخل السجن فريقاً محترفاً لكرة القدم من زملائه المساجين، وينجح في أن يجمعهم على هدفٍ واحد هو تكوين فريق كروي يحلم بلقاء النادي الأهلي، ولكنه يُفاجأ بفرصة اللعب أمام فريق ألماني من المساجين. يذكر تتر الفيلم قائمة بالأفلام الأجنبية والمصرية المقتبس عنها «كابتن مصر»، وهي لافتة تعترف صراحة بالاقتباس، وتشي بالسخرية ممن يهاجمون فكرة الاقتباس، لأن الفيصل في النهاية هو الكائن الفيلمي الجديد، فالسينما في جميع بلدان العالم اعتمدت في كثير منها على الاقتباس، أحياناً من الأدب وأحياناً أخرى من أفلام قديمة تمت إعادة إنتاجها –أحياناً- عشرات المرات، كما حدث مع الأفلام المقتبسة عن كتابات شكسبير. في «كابتن مصر» تعددت المصادر، ومن بينها فيلم «أربعة اثنين أربعة» الذي قام ببطولته الممثل الكوميدي الشهير يونس شلبي، لكن الاقتباس هنا اقتصر على خيط ضعيف جداً، وهي محاولة تشكيل فريق كرة للقدم من شخصيات لا علاقة لها بالكرة، سواء من السجناء أو من دنيا العوام ومن الشخصيات المطحونة في الأعمال الدنيا، ومنها صانع الأحذية مثلاً. لكن يظل الخط الأساسي لفيلم «كابتن مصر» مقتبساً من فيلم كوميدي ناجح أُنتج في السبعينات بعنوان «The Longest Yard» عن أحد نجوم كرة القدم المتهورين الذي يُلقى القبض عليه، وأثناء قضاء فترة العقوبة يُرغم، بسبب ضغوط مدير السجن، على تدريب وإعداد فريق من المساجين كي يلعب مباراة مع فريق حراس السجن. وهو الفيلم الذي أُعيد إنتاجه بنجاح أيضاً مرتين، إحداهما عام 2001، والثانية 2005، ونجاح الأعمال الثلاثة يستند في المقام الأول – مثل أي عمل سينمائي حقيقي– على سيناريو مكتوب بمهارة وإتقان، سيناريو قادر على رسم شخصياته، بما فيهم البطل والبطل الضد، بقوة ويجعلها تتطور من تلقاء نفسها بذلك التطور الذي يقنع المشاهد، لكن السيناريو في حالة «كابتن مصر» أسقط -عمداً أو سهواً- رسم شخصية البطل الضد، ما أضعف العمل فنياً. الحلول السهلة ومن بين هنات السيناريو اعتماده على أسلوب التعليق الصوتي من خارج الكادر، وهو أسلوب يتميز بالضعف والاستسهال، فالكتاب يلجأون إليه بسبب عدم القدرة على صياغة مشاهد بصرية سينمائية في زمن وجيز، كذلك توظيف الفلاش باك ليلقي الضوء على الشخصيات وظروفها وأسباب دخولها السجن، كما أن السيناريو أخطأ في البناء الدرامي للشخصيات، ووقع في فخ التناقض أحياناً، مثلما يتضح في دور طبيب النساء والتوليد، الذي يوحي مظهره وسلوكه وتصرفاته أنه لا يحب النساء ثم يتضح بعد ذلك أنه زير نساء. عوامل كثيرة توافرت أمام صناع الفيلم كان من شأنها أن تضمن لهم إنتاج فيلم لا يُنسى –لو توافر السيناريو المختلف– فالعمل يضم توليفة من الوجوه الجديدة الكوميدية، بعضها حقق نجاحاً إلى حد كبير في أعمال سابقة، خصوصاً عندما تم توظيفها لخدمة النجم بطل الفيلم، كما فعل هنيدي في «يوم مالوش لازمة»، مثل علي ربيع، وأحمد فتحي، ومحمد سلام، وطاهر أبو ليلة، ومؤمن نور وممثلين آخرين، مثل بيومي فؤاد وإدوارد وخالد سرحان، إلى جانب الكبار، مثل حسن حسني وهالة فاخر، لكن في أدوار تقليدية نمطية، إضافة إلى اختيار ضيوف الشرف من الشخصيات الحقيقية، مثل اللاعب مجدي عبد الغني صاحب الهدف الوحيد لمصر في كأس العالم، المعلق الرياضي الكابتن محمود بكر، وأبو حفيظة، والإعلامي شريف عامر، ونجم الإعلانات «حسن يا جماله». وإذا وُضع في الاعتبار أن كرة القدم من أكثر الأشياء القادرة على حشد الجماهير بشكل جنوني، لما فيها من إثارة وجاذبية وتشويق، وأضفنا إلى تلك الخلطة الطابع الكوميدي الساخر، فهذا يعني أننا سنكون أمام عمل فني جماهيري منقطع النظير، فهل حقاً نجح «كابتن مصر» في ذلك؟ أم أنه يكتفي بأن يكون أحد أفلام الـ «تايك أواي» التي ستُنسى بعد الخروج من دار العرض السينمائي؟!

مشاركة :