تحاول تركيا اتخاذ أزمة الكهرباء في العراق بوابة للنفاذ إلى اقتصاد جارها النفطي، والذي جعلت منه تجربته السياسية القائمة منذ حوالي 16 سنة نموذجا في سوء التصرّف في الثروات وهدرها. وبينما يعاني العراق من نقص إنتاج وإمدادات الطاقة الكهربائية اللازمة لتلبية حاجة الاستهلاك اليومية، تملك أنقرة فائضا في الكهرباء، ما يمهد لاحتمالية عملية تصديره لبغداد التي لم تستطع فك ارتباطها بالإمدادات الإيرانية. وتجد تركيا في العراق، لاسيما قطاعه النفطي، متنفّسا اقتصاديا مناسبا في ظلّ حالة التراجع التي يعيشها الاقتصاد التركي تحت تأثير التوتّرات السياسية، التي أثارتها سياسات حكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان. ولكن سيتعيّن على أنقرة أن تنافس بشراسة على حصّة في الكعكة العراقية، إذ ستكون في مقدّمة منافسيها إيران التي تحمي نفوذها في العراق عبر طبقة واسعة من السياسيين وقادة الميليشيات النافذين. وسعى بوراق قويان رئيس جمعية تجارة الطاقة بتركيا إلى الترويج لتعافي اقتصاد بلاده بالقول إن “استفادة بلادنا من فائض الكهرباء من خلال تصديره، سيكون له تأثير إيجابي على السوق المحلية أيضا”. ونسبت وكالة الأناضول لقويان تأكيده على أن العراق يمكن أن يكون سوقاً جديدة لصادرات الكهرباء التركية، وأن هذه التجارة يمكن أن تبدأ خلال العام المقبل. ويعاني العراق من نقص كبير في إمدادات الكهرباء بفعل العديد من المشاكل من بينها انهيار البنية التحتية في العديد من المدن بسبب الحرب المستمرة منذ الغزو الأميركي في عام 2003. ويبلغ إنتاج الطاقة الكهربائية في العراق قرابة 18 ألف ميغاواط/ساعة، بينما يبلغ حجم الاستهلاك 23 ألف ميغاواط، والعجز يبلغ 4 آلاف ميغاواط، فيما يتم استيراد ألف ميغاواط من إيران. وأوضح المسؤول التركي أن بلاده تخطط لتصدير ما بين 200 إلى 400 ميغاواط في المرحلة الأولى في حال تم الاتفاق، مما سيحقق دخول عملة صعبة للبلاد. ورغم أن تركيا لن تواجه أية مشكلات فنية في تصدير الطاقة الكهربائية للعراق بسبب قصر المسافة بين أقرب نقطتين في البلدين، فإن البعض يعتقد أن الأمر قد يواجه صعوبات إذا ما سعت طهران إلى قطع الطريق أمام الحكومة العراقية، التي تدين لها بالولاء. وأكد قويان وجود لقاءات ومباحثات تركية عراقية بخصوص الصفقة. وقال “لو تمكنا من رفع الرقم مع العراق، سيمكننا تحقيق صادرات بمليار دولار، وبذلك نكون أدخلنا عملة صعبة واستفدنا من الفائض في الكهرباء”. وصرح وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز، عقب زيارته للعراق في أغسطس الماضي أن الجانبين اتفقا لاستئناف تجارة الكهرباء وأن أنقرة أنهت كل الاستعدادات اللازمة لذلك. وأقر العراق مطلع الشهر الحالي بعجزه عن فك ارتباطه بإمدادات الكهرباء الإيرانية رغم الضغوط المسلطة عليه من قبل الولايات المتحدة نتيجة العقوبات المفروضة على طهران. وقال عباس جبر وكيل وزارة الكهرباء العراقية خلال مؤتمر للطاقة بالعاصمة المصرية القاهرة إن بلاده “تستورد سبعة غيغاواط من الكهرباء من إيران لتعويض الفجوة بين الإنتاج المحلي من الكهرباء واحتياجات البلاد”. ورجح أن يحقق العراق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء في غضون ثلاث سنوات، لكنه أكد في المقابل أن ذلك يمثل تحديا كبيرا بسبب أن المستهلكين يدفعون نسبة من تكاليف الإنتاج. ووفق البيانات الرسمية، تبلغ الطاقة الإنتاجية المحلية للكهرباء 19.5 غيغاواط من الكهرباء، بينما تحتاج البلاد إلى 26.5 غيغاواط، حيث تعوض الواردات من إيران تلك الفجوة. ولا تشمل تلك الأرقام إقليم كردستان شبه المستقل في شمال العراق. وأكد جبر بشأن اعتماد العراق على إيران أن هذا الأمر اضطراري لأن البلاد لا تمتلك قدرات توليدية كافية لتغطية الطلب المتزايد على الكهرباء. لكنه أشار إلى أن العراق يتوقع تنويع موردي الكهرباء، إذ من المتوقع أن يبدأ تشغيل الربط الكهربائي مع دول عربية في الخليج في صيف 2020، مع طاقة توريد نحو 500 ميغاواط. وقال جبر إن “المبالغ المحصلة من المستهلكين العراقيين تكفي لتغطية ما يقل عن عشرة بالمئة من تكاليف الإنتاج ومع ذلك نحاول تعزيز الطاقة الإنتاجية مستقبلا”، دون أن يذكر التفاصيل. وتسببت الأضرار التي خلفها تنظيم داعش المتطرف بعد سيطرته على العديد من المدن العراقية في خفض الطاقة الإنتاجية المحلية بنحو 4.5 غيغاواط. ويلجأ العراقيون إلى بدائل الطاقة الكهربائية لسد النقص الحاد، كالمولدات الكهربائية المنزلية الصغيرة، أو المولدات الأهلية التي تزود الأحياء السكنية بالطاقة، مقابل اشتراك شهري، ما يثقل كاهل المواطنين بشكل كبير. وكانت الحكومة العراقية قد شددت في مايو الماضي، على ضرورة عدم تسييس الكهرباء مع اشتداد تقاطع المصالح الإقليمية والدولية المرتبطة بمشاريع إنهاء الأزمة المزمنة. وأعلنت حينها بلوغ طاقة التوليد مستويات قياسية وتحقيق فائض، وهو ما أثار التساؤلات بشأن مستقبل شراء الإمدادات الإيرانية. وتقول مصادر حكومية إن الولايات المتحدة تضغط على بغداد للشراكة مع شركات أميركية، مثل جنرال إلكتريك واكسون موبيل وهانيويل، ووقف الاعتماد على الطاقة الإيرانية. وتكمن صعوبة مهمة وزارة الكهرباء في انقسام البرلمان والحكومة بين فريق يدين بالولاء لإيران وفريق متحفظ على نفوذها في ظل ضغوط أميركية لوقف شراء الكهرباء والغاز من إيران. كما أن هناك تقاطعات بشأن عقود التطوير الشامل لقطاع الكهرباء بعد تفضيل بغداد لشركة سيمنز الألمانية لتولي تلك المهمة بموجب عقود تصل قيمتها إلى 16.5 مليار دولار.
مشاركة :